تريدون أن نخرج من حالة الاحتقان العام، لمرحلة تسترخي فيها الدولة بأركانها كافة، ونستعيد جزءاً من ثقتنا ببعضنا بعضا، ثم نتفرغ جميعا لمناقشة أزماتنا بروح الفريق الواحد؟ لا بأس، سأترك جانبا ما تعرض له الأردنيون خلال الفترة الماضية، من قصف متبادل بين حملة “القذائف” السياسية وحملة “المباخر” السياسية؛ حيث لا فرق بين الطرفين إلا في درجة الضجيج الذي أفقدنا -لوهلة- حاستي السمع والشم، حتى اكتشفنا أن هؤلاء في واد والأردنيون بواد آخر، وأن ما يجري بينهما مجرد مباريات غير ودية بين فريقين؛ أحدهما قائم يسعى للاحتفاظ بالكرة على الدوام، والآخر حالم لا فرصة لديه للفوز إلا بركلات الجزاء. إجابة السؤال الذي أشرت إليه سلفا، تقع على عاتق الدولة، بمؤسساتها السياسية والأمنية كافة، وفي تقديري أنها بدأت تفكر جديا بفتح ما يلزم من قنوات مع المجتمع، أو -إن شئت الدقة- بترطيب المناخات العامة، وحلحلة بعض الأزمات التي تراكمت على مدى نحو عامين، إذا صح ذلك، فأعتقد أننا نسير بالاتجاه الصحيح، وأن ثمة استشعارا حقيقيا ممزوجا بحركة جدية لمواجهة ما يتعرض له بلدنا من استهداف، أو من مناكفات وضغوطات داخلية وخارجية. لدي أربعة ملفات شكلت، وما تزال، خزانات “للمظلومية” قابلة للفيضان بأي لحظة، ويمكن تجفيفها ببساطة، أعرف -بالطبع- أن بعض المسؤولين يصرون على إدامة الأزمات، ويستثمرون فيها لحساباتهم، كما أعرف أن هنالك خزانات أخرى، ربما أكبر وأهم، لكن هذه تحتاج لنقاشات أخرى ليس هنا مكانها، وإذا بدأنا بالأكثر تأثيرا على حياة الناس وأرزاقهم وكرامتهم، ثم سلامة مجتمعنا وأمنه، وتوفرت الإرادة السياسية، يصبح من السهل فتح الملفات الأكبر، ثم كسر حدة “الاستقصاء”، وصولاً الى انفراج عام، أو “صفر” أزمات. قلت: انفراج عام أو صفر أزمات، ترى هل أحلم أو أدغدغ عواطف الناس وأركب مراكب الوهم؟ لا يخطر ببالي ذلك، من يخاف على بلده، ويتحرك ضميره لاستدراك أي شر يداهمه، لا بد أن يفعل كل ما بوسعه، ولهذا ما الذي يمنع المسؤولين من أن يدققوا بما يحدث في مجتمعنا، ويتذكروا القسم الذي أقسموه أمام الأردنيين “لخدمتهم” والحفاظ على الوطن وثوابته، ثم يفتحوا الملفات العالقة ويصيح أعقلهم فيهم: الدولة أكبر من أن تطارد أبناءها بأرزاقهم، أو على كلمة قالوها لحظة غضب، أو على “قرض” لم يستطيعوا تسديده، الدولة لا يهددها أبناؤها مهما فعلوا، لأنهم جاهزون دائما لافتدائها بأرواحهم، كما فعل آباؤهم وأجدادهم. أول ملف يجب أن نذهب اليه، ملف الموقوفين لأسباب غير جنائية، وخاصة المتعلقة بالحريات العامة، هؤلاء، حسب معلوماتي، لا يتجاوز عددهم الـ65 شخصاً، معظمهم من خيرة شبابنا الحريصين على بلدهم ونظامهم السياسي، ربما أخطأوا في كلمة أو عبارة، لكن صدقوني أن مكانهم الذي يليق بهم بيننا وبين أولادهم، وليس السجن، وأنا على يقين أن الدولة إن مدت لهم يدا سيمدون لها أيديهم، وسيقابلون تحيتها بأفضل منها. الملف الثاني، المعلمون، قضيتهم تشغل الآلاف من الأردنيين، وسواء فيما يتعلق بالجانب الإنساني، حيث الذين تم إيقافهم أو إحالتهم للتقاعد المبكر أو للاستيداع، أو الذين عادوا لغير مسمياتهم الوظيفية وتم تخفيض رواتبهم، أو بالجوانب النقابية التي ما تزال في مسارها القضائي، فإن إقفال هذا الملف وتجاوز جراحاته وتداعياته، سيفتح أمام المجتمع والقطاع التعليمي، تحديدا، أجواء الارتياح، وسيساعدنا على استعادة عافيتنا الوطنية. الملف الثالث، الغارمون والغارمات، هذا يحتاج لمسارين؛ أحدهما قانوني، بإخراج قانون التنفيذ الذي ما يزال موجودا لدى النواب، والآخر إنساني تقع مسؤوليته على كاهل الدولة والمجتمع معا، سواء بفتح باب التبرعات، أو بتأسيس صندوق وطني لسداد ديون هؤلاء وفق معايير عادلة. أما الملف الرابع فهو المتعطّلون عن العمل، أعدادهم كبيرة بالطبع (نحو نصف مليون) والقطاع الحكومي لا يستوعب أكثر من 8 آلاف، والقطاع الخاص يترنح بفعل كورونا وما قبلها، مع ذلك، لابد أن نفكر بحل ولو بالتدريج، يمكن أن نبادر لإطلاق مشاريع كبرى تتوزع على ثلاثة أقاليم في المملكة، تستوعب -مثلا- 50 ألف شاب على مدى عام، يمكن أن نجرب استصلاح الأراضي وتوزيعها على من يرغب من الشباب، وصولا لاستملاكها، ثمة اقتراحات عديدة أخرى، المهم أن نبدأ.