صراحة نيوز – بقلم د موسى شتيوي
الثقة بالمؤسسات العامة في الأنظمة السياسية بشكل عام، هي أحد المؤشرات الأساسية على قدرة الحكومات في تلبية احتياجات المواطنين وطموحاتهم، والعمل لتحقيق مصالحهم الجماعية، والمصلحة الوطنية. بالطبع، الثقة عامل متحرك، ولكن لا يتغير بسهولة، بل إن ارتفاع الثقة بالمؤسسات أو انخفاضها هي عملية تراكمية ترتبط مباشرة بقدرة هذه المؤسسات على العمل بشفافية ومسؤولية، والالتزام بسيادة القانون والمشاركة السياسية الفاعلة، والعكس يؤدي إلى تراجع الثقة. فعدم الالتزام بالقانون، وتفشي الفساد، والعمل لصالح فئة دون غيرها تؤدي إلى تآكل الثقة، وحصول شرخ بين المؤسسات السياسية والمواطنين إلى درجة يصعب معها عمل المؤسسات واحترامها واحترام قراراتها.
لا يختلف اثنان على أن أزمة الثقة بالمؤسسات قد دخلت مرحلة حرجة، فباستثناء الثقة المرتفعة بالمؤسسات الأمنية، التي شهدت ارتفاعاً في السنوات الماضية، فإن الثقة بالمؤسسات المدنية المنتخبة منها، والمعينة تراجعت بشكل كبير، إذ بدأ هذا التراجع منذ العام 2008 حسب استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية، إذ إن تراجع الثقة لم يكن يقتصر على الحكومة والبرلمان، وإنما أيضاً على القضاء والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. وهذا يعني أن تآكل الثقة طال المؤسسات الرسمية، إضافةً الى المؤسسات غير الرسمية أو الشعبية إذا جاز التعبير.
المشارك والمتابع لما يحدث اليوم من ردات فعل وتعليقات على قرارات أو مواقف حكومية، وحتى لو كانت هذه القرارات جيدة أو إيجابية، يدرك حجم أزمة الثقة، ويدرك صعوبة تجاوز هذه الأزمة بالطرق والأساليب التقليدية أو الروتينية.
أزمة الثقة هذه يتزامن معها أو قد يكون نتيجة لها هو فقدان “الروح الجمعية” وأصبح إيجاد أرضيات مشتركة ومعايير معينة للحوار ضعيفة أو معدومة. وعليه، تتراجع الفرص للوصول لمشتركات، ويعلو الصوت الناقد والمحبط والبائس لدرجة أن البعض يشعر بفقدان الأمل بإمكانية إصلاح الأحوال ووضع الأمور على المسار الصحيح.
كما أشرت، فتراجع الثقة تراكمي أدى إليه فقر السياسات الاقتصادية، إذ كانت الحكومات تدير الاقتصاد يوماً بيوم، وبدون رؤية مستقبلية، حتى عندما كان لدينا فرص جيدة ودعم مالي عربي ودولي في السنوات الماضية. تراجع سيادة القانون وعدم احترامه، والفساد الذي مارسه جزء من النخبة السياسية في مواقع المسؤولية بالتشارك مع جزء من النخبة الاقتصادية، كان عاملاً حاسماً في ذلك، وكانت له نتائج اقتصادية سلبية جداً على الاقتصاد، وعلى مستوى معيشة المواطن بشكل عام. وأدى ذلك أيضاً الى تراجع مستوى الخدمات الأساسية، مثل: المياه والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الأخرى.
كل ذلك كان يحصل بدون مشاركة سياسية تتجلى في ضعف الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وتبع ذلك غياب المساءلة أو ضعفها من جانب مجالس النواب المتعاقبة، ما أدى إلى فقدان حلقة الوصل بين المواطنين ومؤسسات الدولة المختلفة، وبما أن إيمان الناس بقدرة الحكومة على اتخاذ القرارات والسياسات الحكومية الجيدة مفقود، و من ثم، بتنا ندور في حلقة مفرغة يصعب الخروج منها بقرار هنا وقرار هناك.
أزمة الثقة التي نعيشها بهذه الفترة ليست جديدة، ولكنها قد تكون الأصعب، وتحتاج إلى حلول جذرية تتطلب مقاربة سياسية جديدة ترقى لمستوى “النهضة الشاملة” أو” الثورة البيضاء”، التي طالما نادى بهما جلالة الملك، ووجه حكوماته لإيجادها. إصلاح سياسي شامل يقود إلى مشاركة سياسية فعلية، ومجلس نيابي يعكس تطلعات ورغبات الناس الحقيقية، وحكومة خاضعة للمساءلة والمراقبة من جانب الهيئات الدستورية المنتخبة. يبدو أنه لم يعد ممكناً اللجوء للحلول الجزئية لمعالجة المشكلات الحالية، التي أصبحت متراكمة ومزمنة، بل بات من الضروري إيجاد حلول جذرية لها، هذه هي الطريق الوحيدة لاستعادة الثقة.