أسر تحول قيود الجائحة إلى فرصة لإطلاق ابداعات أبنائها

23 أكتوبر 2021
أسر تحول قيود الجائحة إلى فرصة لإطلاق ابداعات أبنائها

صراحة نيوز – بذلت أسر أردنية ما في وسعها لتحفيز طاقات ابنائها وإبداعاتهم في الرسم خلال جائحة كورونا بهدف قهر مفاهيم الكسل الاجتماعي من جهة، وتعزيز الاتجاهات الإيجابية لدى الأطفال بتقدير أهمية إدارة الوقت من جهة أخرى.

وقال عدد من أولياء الأمور والأسر لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن كسر المفهوم النمطي للمكوث طويلا في البيت يعد تحديا حقيقيا بعدما وجدنا أنفسنا بين أربعة جدران تحت سطوة جائحة غير مسبوقة، ما استدعى الأمر تفكيرا مليا “خارج الصندوق”، لتحويل تحدي الجائحة إلى فرصة تصنع فارقا.

وأطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” الشهر الحالي، تقريرا عن حالة أطفال بعنوان “بالي مشغول: تعزيز الصحة العقلية للأطفال وحمايتها ورعايتها”، دعت فيه الأسر إلى الالتزام والتواصل والعمل ضمن نهج شامل لتعزيز الصحة العقلية الجيدة للأطفال، وحماية الضعفاء منهم ورعاية الذين يواجهون تحديات أكبر.

وشددت على أنه لا يجوز أن تكون الصحة العقلية قضية ثانوية أو مؤجلة، خاصة في ظل جائحة أظهرت بجلاء تأثير اضطرابات العالم الخارجي على الصحة النفسية، مبينة أنه في حال شعر الأطفال بالتوتر أو الإرهاق، فلا بد من تقديم يد العون ومساعدتهم وطمأنتهم والتعبير عن مشاعرهم واستكشاف مواهبهم.

ودعت الحكومات إلى زيادة الاستثمار بشكل عاجل في خدمات الصحة النفسية التي يحتاجها هؤلاء ويستحقونها، مشيرة إلى أن موازنة الحكومات حول العالم على الصحة العقلية تبلغ 2 بالمئة.

مصعب الأشقر، ولي أمر لطفل في المدرسة، قال: كان لا بد من مواجهة اللحظة بما يثري عالم الصغار بعيدا عن الدراسة الوجاهية وتحسين صحتهم النفسية.

ويضيف الأشقر: “حاولنا ابتكار بعض البدائل واستكشاف المهارات، إلى أن استطاع ابننا التعبير عن ذاته بالرسم، فاكتشفنا هذه الإبداعات رويدا رويدا في ظل الأزمة”.

ويتابع: استعنا ببرامج على الإنترنت لتعليم أبننا الرسم، وقمنا بإرشاده إلى كيفية الرسم على ضوء ما تعلمناه في حصص التربية الفنية في المدارس، ثم بدأ الأمر يتطور تدريجيا إلى أن ألحقناه في مراكز تدريبية متخصصة، فكان هذا الفراغ فرصة لاستثمار مواهبه، وربما نقطة تحول في حياته يبني عليها في المستقبل.

الطفلة آية هيثم صرصور ذات الثماني سنوات، وجدت فرصة لتعلم الرسم وإتقانه حتى فازت بعدد من المسابقات على مستويي المدرسة والمملكة.

ولفتت إلى أنها تفرغت بشكل كامل للرسم ومتابعة دروسها، معبرة عن دهشتها من قدراتها الكامنة.

الحال إياها تنسحب على الطفل راشد كمال، ذي 13 عاما، والذي كرس بتشجيع ومتابعة من أسرته، جل وقته لتعلم الرسم بمتابعة مواقع إلكترونية متخصصة، لافتا إلى أن عوالم جديدة انفتحت أمامه، وهو سعيد بما تعلم واتقن.

وأوضحت الفنانة التشكيلية المهندسة هدى جرادات لـــ(بترا)، أن الاطفال ينجذبون تلقائيا إلى عالم الرسم لجماليته والتعبير عما بداخلهم من أحاسيس ومشاعر، فيشعر الطفل براحة نفسية لأنه يحول اللوحة البيضاء إلى شيء ملموس.

ولاحظت جرادات إقبال الأطفال بشغف على الرسم في ظل أزمة كورونا، موضحة تأثير الألوان في رفد الطاقات الإيجابية للإنسان، فالطفل عندما يتعامل مع الألوان ويخلطها ويبتكر منها ألوانا جديدة، فذلك يؤدي إلى ارتفاع الذائقة الفنية ومستوى الثقة بنفسه.

من جهته، لفت أستاذ الفنون البصرية في الجامعة الأردنية الدكتور فؤاد الخصاونة، إلى أهمية صقل المواهب لدى النشء ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع، لأن الفن جزء أساس في بناء الشخصية ولابد من تنميته.

ودعا إلى تنمية الحس الفني لدى الطلبة في حصص الفن بالمدارس، وتفعيلها على اعتبار أنها حصة أساسية، موضحا الدور الكبير الذي قامت به وزارة الثقافة باستكشاف المواهب من خلال مراكزها التدريبية في العاصمة عمان والمحافظات، فضلا عن الفعاليات المهمة التي كان للوزارة دور كبير في تنميتها.

المدير الإداري في وزارة الثقافة طارق المومني، أشار إلى دور الوزارة في فترة كورونا وبعدها، لافتا إلى الدور الكبير لمسابقة “موهبتي من بيتي” التي أطلقتها خلال الجائحة.

وبين أن الوزارة كرست التدريب لفئتي الشباب والأطفال من خلال معهد الفنون الجميلة، بالإضافة إلى وجود مديريات متخصصة في الوزارة كمديرية المسرح والفنون البصرية، وأخرى تعنى بالموسيقى والفنون الأدائية، فضلا عن المراكز التدريبية في عدد من محافظات المملكة.

وقال استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور عبدالله أبو عدس، أن أزمة كورونا كانت سلبية في مجملها، لكنها أظهرت كنوزا مخفية من المواهب لدى الشباب والأطفال على حد سواء.

وأوضح أبو عدس، وهو مدرب المهارات الحياتية، أننا خلال الأزمة ناشدنا الآباء بالعمل على استكشاف مواهب أبنائهم وتنميتها، لما لها من دور عظيم في كسر الخوف والتوتر التي رافقت عددا منهم منذ بداية الأزمة وأثناء الحظر الشامل أو الجزئي.

وأضاف أنه تبلور عن ذلك الأمر مجموعة من الأنماط، فبعض الأطفال اكتشف موهبته في الرسم ومنهم في مجال المطالعة والتمثيل، فيما استثمرت أسر هذه المواهب بشكل ذكي، لأن الإبداع سبيل لمواجهة الأزمات واكتشاف الذات ومعرفة القدرات وتحقيق الإنجازات والتميز والتفرد بها.

وأشار إلى أن الطفل يمتلك موهبة من عمر سنتين إلى سبع سنوات بنسبة 90 بالمئة، فيما تتأثر موهبته مع مرور الوقت حال عدم استثمارها بالطريقة الصحيحة.

وأكد أهمية استثمار المواهب والإبداعات لدى الأطفال، باعتبار أن أي مجتمع في عصرنا الحالي لا يمكنه الارتقاء به دون الحاجة لأشخاص مبدعين وموهوبين.

وبين أن الرسم يساعد على تحسين واكتساب الصفات الشخصية وتنشيط الدماغ؛ لافتا إلى عدة دراسات تظهر أن الرسم يؤثر على الدماغ وخاصة النصف الأيمن منه، باعتباره الجزء المسؤول عن الإبداع والخيال؛ كما يسهم في امتلاك ذاكرة حادة للفرد.

وأكد أن الطفل يرسم أحيانا لإشباع حاجات نفسية مختلفة لديهم، فضلا عن إشباعه للنمو الحسي الحركي، والتعبير عن مشاعر لا يستطيع التعبير عنها لفظيا، فيكون الرسم من أول أشكال التواصل والتعبير الذي يمثل لغة جديدة بالنسبة لهم.

وشدد على أن الفن يحفز الذكاء العاطفي ويعزز الصحة العقلية، ويسهم في لم شمل الأسرة ويعزز روابطها، وتحفيز المودة بين الإخوة، وإشاعة جو من العطاء بينهم فتقل الأنانية لدى الطفل.

وأوصى بالاهتمام بالصحة النفسية للطفل، لانعكاس ذلك على تحصيله العلمي وعلاقاته الاجتماعية وإنتاجه الإبداعي.

أخصائي علم الاجتماع الدكتور عامر العورتاني أكد أن كورونا لم تكن جائحة أو أزمة صحية عالمية فقط، بل مثلت مجموعة من الدروس العملية لا سيما للفئة الأكثر قابلية للتعلم.

وأضاف انه في ظل هيمنة الهواتف والشاشات الذكية على معظم أوقات الطلبة، فإنها استهلكت معظم وقتهم، ما دفع بكثير من الأسر لمحاولة إيجاد البدائل الأكثر فائدة من وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا في فضاء التطبيقات الرقمية الذكية لتنمية مواهب النشء وطاقاته.

ودعا إلى نشر ثقافة أسرية بين الآباء والأمهات تقوم على مساعدة أبنائهم في اكتشاف هواياتهم، وتنمية اهتماماتهم، فالهوايات التي تداعبها تلك الأنامل الغضة اليوم، هي إبداعات المستقبل وصورته المشرقة التي تتمثل في إنجازات ترتقي بالوطن وتضعه في مكانة مميزة على خريطة الإنجاز الحضاري.

(بترا-بشرى نيروخ)

الاخبار العاجلة