صراحة نيوز – بقلم أ.د. محمد الفرجات
أتابع بدقة ويإهتمام كبيرين كل خطابات وتوصيات جلالة الملك، والذي شارف زمن حكمه الرشيد على العقدين، وما زالت دولته صامدة تحمي مواطنيها، وتقدم الخدمات وتستقبل ضيوفها وسياحها، على الرغم من الأوضاع السياسية والعسكرية القاسية التي تحيط بنا في دول الجوار وتلازم الإقليم منذ عقود.
المدرسة الأمريكية التي ينتمي لها عرابو الخصخصة والتحول الإقتصادي، هي ذات المدرسة التي يبني عليها عرابو إستثمار أموال الضمان الإجتماعي نماذجهم، وأراها تعكس حالة مغامرة مراهقة، وأخشى من عواقبها… لن أكتب كثيرا، فإبهامي ضرب عصبه من كثرة الكتابة الإلكترونية عبر الموبايل، وسأكتفي بما جاء في مقالي المنشور في العاشر من الشهر الأول من هذا العام… وسترون ماذا يريد الملك فعلا يا سادة!
جاء في المقال المذكور:
توصية ملكية إستشرافية لتسريع التنمية قبل أن تتفاقم الأمور إقتصاديا
جلالة الملك في لقائه مع النواب مؤخرا يستشعر بالخطر إن بقيت الأمور على ما هي عليه إقتصاديا أمام منغصات تلوح بالأفق تفرضها علينا الظروف الجيوسياسية، فيستبق الأحداث ويدعو لتسريع وتيرة التنمية قبل أن تتجاوز مؤشرات المقدرة والأداء المالي للدولة أرقاما لا ينفع فيها العلاج أو التدخل الجراحي.
منذ أن تسلم جلالته سلطاته كان الهم الأول له الوضع الأقتصادي الصعب، فعمل في عدة إتجاهات وتبنى نماذج دول مشابهة لنا بالظروف، وعمل على صعيد تنمية الموارد البشرية، وترشيق الحكومة مقابل تعزيز قدرة وطاقات القطاع الخاص، وعمل على تحسين وتعزيز بيئة الإستثمار الأردنية بالبنى التحتية الداعمة والقوانين والمحفزات المشجعة، وتأسيس الهيئات وشركات التطوير والمناطق التنموية في مختلف محافظات المملكة، وقام بنفسه بترويج المملكة إستثماريا في دول العالم.
وكان لجهوده في تدعيم مؤسسات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الدور الكبير في توفير بيئة إستثمارية جغرافية في كافة أرجاء المملكة تنعم بالأمن والأمان، الأمر الذي ينشده المستثمر قبل كل شيء.
الظروف كانت أيضا تلقي بظلالها وتشكل تحديات لجهود الملك، نذكر منها حرب العراق وحرب لبنان وحرب غزة، وضربات عمان الإرهابية، وإنكماش الإقتصاد العالمي، والربيع العربي، إضافة للأحداث المتسارعة على الساحة الإقليمية اليوم، وليس أقلها قرار ترامب بشأن القدس وإرهاصات “صفقة القرن”.
بعد أن عاد جلالة الملك من زيارته الأخيرة خارج الوطن، إجتمع برئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية، وصرح بأننا لا يجب أن نخدع أنفسنا، وطلب من موظفي مؤسسات الدولة غير القادرين على إحداث التنمية تقديم إستقالاتهم قبل أن يقالوا، وعاتب مؤسسات الحكومة المعنية بعدم تنفيذ ما جاء بأوراقه النقاشية كما يتوجب.
الملك ومنذ تسلمه سلطاته الدستورية منذ ما يقارب العقدين يعمل بأقصى طاقاته لتحسين الوضع الإقتصادي، والحكومات المتتالية عملت بجد أيضا، وما زالت الدولة ورغم كل التحديات تقدم الخدمات من مدارس وخدمات بلدية وصحية وبنى تحتية وإقامة مشاريع رأسمالية وتحافظ على المؤسسية ومنظومة الأمن والأمان.
ولكن هنالك جوانب فاقت قدرة الدولة كعجزها عن تعيين الخريجين إضافة لعدم المقدرة على زيادة الرواتب أمام موجات غلاء الأسعار ورفع الدعم عن بعض السلع وزيادة الضرائب، بجانب نمو المديونية وعجز الموازنة، وما ينتج عن ذلك من مظاهر إجتماعية غريبة عن المجتمع. القطاع الخاص عاجز وينكمش أيضا ولا يقوم بدوره كما هو مؤمل.
إذن هنالك جهود خالصة وتحديات، فأين الخلل؟
ما لا يريد أحد إستيعابه يا سادة هو أن النموذج الذي ننشد من خلاله النمو الإقتصادي خاطيء، نعم سامحوني فهو خاااااااااطيء.
فما هو النموذج الذي يصح في حالتنا؟
أمام العتب الملكي اليوم حول جدية تطبيق ما ورد في الأوراق النقاشية الموجهة للشعب، وطلب جلالة الملك من المسؤولين غير القادرين على قيادة مؤسساتهم للإستقالة، نقول بأن الأردن سياسيا وأمنيا بخير، ويبقى الملف الإقتصادي هو المعضلة التي تبحث عن الحلول …
كل النماذج تم تجربتها، وبقي أن تحفز الدولة المواطنين على الإستثمار
“مشروع الشعب للإنتاج” مرة أخرى، فمن يعلق الجرس؟
قبل بضعة سنوات وفي خطاب العرش السامي أصدر جلالة الملك توجيهاته السامية لحكومة دولة النسور بإستحداث صندوق وطني للإستثمار؛ يساهم به المواطنون والقطاع الخاص والبنوك والدول الشقيقة والصديقة، واليوم سيشكل ضالة الإخوة المغتربين والعرب كذلك ممن يبحثون عن بيئة إستثمارية خصبة تضمن حقوقهم أمام المتغيرات العالمية السياسية المتقلبة.
كنت كذلك قد صغت رؤية ونموذج مشابه بشكل مفصل وأوصلته لأعلى المستويات في الدولة الأردنية قبل صدور التوجيهات السامية بالصندوق، وأسميته “مشروع الشعب للانتاج”.
هنالك في البنوك الأردنية من ودائع ما يقارب 40 مليار دينار، وهنالك ضعفي ذلك مما يملكه المغتربون الأردنيون في البنوك العالمية، وهنالك عدة أضعاف الرقم من أموال يملكها أشقاء عرب ينظرون إلى بيئة جاذبة للإستثمار وآمنة سياسيا على ممتلكاتهم.
السوق الأردني كفيل بإستهلاك منتجات صناعية مختلفة عند وقف إغراقه بالمنتجات المستوردة والعشوائية وغير المنظمة، والتي لا تتبع لأية إتفاقية، وهنالك بالمقابل مدن تنموية في المملكة فيها بنى تحتية جاهزة لإحتضان أية مشاريع صناعية، وهنالك رؤى إستثمارية مفصلة بحوافز وجدوى أقتصادية.
تبلغ رواتب الأردنيين سنويا في القطاعين العام والخاص ما يزيد عن 12 مليار دينار (8 مليار للقطاع العام مؤكد، ونصفه للقطاع الخاص حسبما أتوقع)، ولن يمانع المواطن بالإستثمار في المشاريع المذكورة إن شعر بجدية التوجه، خاصة عندما يعلم بأن إبنه قد يجد الوظيفة، وإبنته قد تتزوج لما يجد الشاب فرصة العمل.
المغتربون والأشقاء العرب إن رأوا صندوق الإستثمار الوطني ينجح سيتوجهون لضخ أموالهم فيه، سنشعر حينها بالإنتعاش وتدني نسب الفقر والبطالة وتدني أو إختفاء ما ينتج عنها من عنف وجريمة وغيره.
لا يوجد وقت لإنتظار الإستثمارات الأجنبية، وقد حان بالتأكيد موعد تنفيذ رؤية وتوجيهات جلالة الملك بإيجاد “صندوق الإستثمار الوطني” وسأكون أول من يساهم فيه بإقتطاع ما نسبته 2% من راتبي الشهري، وهي النسبة المدروسة والتي تناسب جميع المواطنين الراغبين.
قد يواجه هذا الطرح التخوف من سوء إدارة الصندوق والمشاريع الناجمة عنه في المحافظات المختلفة، ولكن ما يضمن كسب التأييد الشعبي هو رؤية الخطوات الجادة بالحد من الإستيراد العشوائي دعما للمنتج الوطني، مقابل فتح باب البحث العلمي التطبيقي للنهوض به وبجودته ومنافسيته.