صراحة نيوز – يرسم كتاب شيخ الكار ” السلطة والسوق والناس في دمشق العثمانية” لمؤلفه د. مهند مبيضين، خارطة للأحداث التاريخية في مدينة دمشق، وما صاحبها من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية في أكثر من حقبة زمنية.
يغوص الكتاب الذي احتفل بإشهاره أول أمس بمنتدى عبد الحميد شومان، في عوالم دمشق العثمانية، مستنداً إلى ما دونه مؤرخوها وعلماؤها ومتصوفوها، راسما لها خارطة دقيقة، لم تهمل حارة أو زقاقا أو خاناً، كما يوثق أنماط معيشة الدمشقيين، وأحوالهم السياسية، والعلاقات الاقتصادية التي ربطتهم تجَّارًا وحرفيين وأكابر وشيوخ كارات.
يقول المؤلف عن كتابه الصادر حديثا عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، «إن شيخ كار الدمشقي هو لسان حال السوق والمجتمع» وهو الشاهد على عصره وبطل أخبار زمانه».
ويبيّن الباحث والأكاديمي مبيضين في حفل الإشهار الذي شارك فيه د. سالم ساري ود. غالب عربيات، فيما أدارت الحوار مع الحضور مديرة مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية د. عبير دبابنة، انه تتبع خارطة دمشق عبر قرون الزمن العثماني بتثبيت الاماكن المذكورة في الوثائق والعودة إلى الموقع الراهن للتثبت منها، لافتا إلى أن اسواق شق التي ورثت عن العصرين المملوكي والعثماني ما زالت عامرة حتى اليوم.
وأوضح أنه منذ القرن الثامن عشر «تغلغلت المتصوفة في الحرف حيث دعا علماؤهم إلى وقف حياة الزهد والدخول في التجارة، فأصبح شيخ الطرق الصوفية نقيباً للأشراف وشيخ مشايخ أهل الكارات ما جعله أهم من الوالي الذي لم يعد يستطيع تنفيذ أمر من دون الرجوع إليه».
وزاد، لقد شكلت زعامة الحرف الدمشقية ومشيختها، سلطة فاعلة في المجال الاقتصادي والسياسي المديني خلال العصر العثماني، وتولى مشيخة الحرف نقيب أشراف دمشق، مبينا في هذا السياق، أن منصب نقابة الاشراف تنافس عليه عائلات دمشقية شهيرة. من جهته بين الأكاديمي د. غالب عربيات أن كتاب «شيخ الكار..» أمتاز بتنوع مصادره ومراجعه العربية والأجنبية، التي توزعت بين الوثائق التاريخية وسجلات محكمة دمشق الشرعية ودفاترها واوراقها الصادرة عن السلاطين والولاة والقضاة، إلى جانب عدد كبير من المخطوطات والمصادر العربية والثمانية المطبوعة وغير المطبوعة، مبينا أن الكاتب اجتهد في دراساته، بأسلوب شيق وممتع، واتبع منهجا علميا راقيا، وتناول الاحداث والتطورات بتجديد موضوعي خلال العهد العثماني، وما
أصابها من تطورات في الإدارة في ظل نظام اقطاعي، بالإضافة إلى التغيرات التي اصابت البنية الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ومالات النخبة السياسية الحاكمة لمجتمع دمشق.
ورأى عربيات أن المبيضين أظهر مرونة واضحة في النصوص التي تناسب الاحداث والوقائع التي مرت على مدينة دمشق، والتي تحاكي المسكوت عنه، وتحاكي الفتاوى الدينية والسياسية، لما كان يجري بين السلطة وأهل السوق والناس ومجتمعاتهم.
وأوصى عربيات بتبني كتاب «شيخ الكار..»، كعمل فني درامي يؤطر ويؤصل أوضاع البلاد الشامية وجوارها خلال الحكم العثماني، إلى جانب ما تضمنه من أحداث تاريخية وتراثية واجتماعية واقتصادية مهمة.
ورأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا د. سالم ساري، أن وصف كلمة دمشق في العنوان الفرعي للكتاب بوصفها دمشق العثمانية، غير مبرر، وغير مشروع، مبينا أن «الدول والمجتمعات والمدن التي وقعت تحت احتلال أو هيمنة أو سيطرة، في فترة تاريخية بائسة، لا يفقدها هويتها التاريخية الاصلية».
وقال ساري ان «هذا الكتاب التوثيقي المهم، وغيره من كتب المؤلف–خصوصا كتابه «ثقافة الترفيه والمدينة العربية في دمشق العربية»، يستطيع ان يلمس قوة العمق المعرفي، وغزارة التوثيق المنهجي، وتماسك التأطير التاريخي الاجتماعي الثقافي