احالة القاضي لؤي عبيدات على التقاعد .. حكاية تُروى

12 يوليو 2020
احالة القاضي لؤي عبيدات على التقاعد .. حكاية تُروى

صراحة نيوز – كتب ماجد القرعان

تشرفت بمزاملة أخي واستاذي المحامي جمال عبيدات والد القاضي لؤي عبيدات الذي أحيل على التقاعد قبل ايام وذلك قبل أكثر من 25 عاما حيث تزاملنا في المنظمة التعاونية الأردنية ( المؤسسة التعاونية حاليا ) حين كان للعمل التعاوني دوره وفاعليته في توجيه المواطنين لتكتيل مواردهم وامكاناتهم لكي يعتمدوا على انفسهم في معيشتهم وبناء مستقبلهم … ولا ابالغ ان قلت انه من خيرة من عرفت أخلاقا وانتماء وأداءاً  في خدمة وطنه فله مني أطيب التحايا وأصدق المشاعر الأخوية والدعاء له بموفور الصحة والعافية .

ومع إيماني المطلق بسلامة جهازنا القضائي واستقلاليته توقفت كما غيري عند قرار احالة قاضيا ما زال في عز عطاءه لم يتجاوز الثانية والخمسين من عمره وهي حالة نادرة حيث اغلب الأحيان ان القضاة هم من يُحيلون انفسهم على التقاعد كما الأطباء على سبيل المثال الذين يُسمح باحالتهم على التقاعد في سن السابعة والستين واعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات الذين يحق لهم الاستمرار بالعمل لحين بلوغهم سن الخامسة والسبعين لأهمية الخبرات التي يكتسبونها اثناء ممارستهم الطويلة .

قرأت بتمعن الرسالة التي وجهها القاضي عبيدات لزملاءه قضاة محكمة الجنايات الكبرى بعد احالته على التقاعد فقرأت ما بين السطور ما يوحي بجرح عميق وغصة وطن جراء احالته على التقاعد من دون ان يعرف الأسباب والدوافع وما زال في قمة عطاءه .

وقرأت بتمعن ايضا رسالة والده التي حملت مرارة الأب حين يشعر بضيم لحق فلذة كبده في وطنه وهو المشهود له بحسن تربيته على القيم والأخلاق والمواطنة الصادقة وتشائمه مما جرى له  وقرأت عشرات الرسائل والمقالات والتعليقات التي ضجت بها صفحة القاضي عبيدات  والتي حملت شهادات تؤكد نزاهته المطلقة خلال مسيرته القضائية وقدرته على مواصلة العطاء في خدمة وطنه وأنه قامة قضائية وحقوقية تميز بكفاءته ونزاهته واستقامته مستغربين قرار احالته دون مبرر موضوعي .

والملفت أيضا فيما جاء من شهادات انه المدرب الوحيد في تدريب ضمانات المحاكمة العادلة وبطلان محاضر القاء القبض وبطلان الاعتراف وغيرها من المؤهلات في ميدان القضاء الواسع .

احالة القاضي عبيدات بهذا السن وهو ما زال قادرا على العطاء ورغم ان خبراته الواسعة تؤهله ليكون محاميا متميزا إلا ان قرار احالته الى التقاعد المبكر أثار العديد من التساؤلات وأثار ايضا احتجاجات واسعة يخشى اصحابها حصول تدخلات خارجية افضت الى ما أفضت اليه مع أنني شخصيا استبعد ذلك ايمانا باستقلالية القضاء الاردني لكن من حق المؤمنين بسلامة الجهاز ومن حق زملاءه القضاة معرفة الدوافع الحقيقية وراء احالته على التقاعد

والله من وراء القصد

نص الرسالة التي وجهها القاضي عبيدات

الزملاء الكرام قضاة محكمة الجنايات الكبرى الغراء ؛

لقد شَرُفت بشراكتكم والعمل بمعيتكم فِي حضرة هذه المحكمة الشامخه مدة زادت على ثمان سنوات قاضيا للحكم ومساعدا للنائب العام ومدعيا عاما منتدبا كُنتُم خلالها نموذجا في حسن السجايا ورفعة الاخلاق والالتزام الوطني ، حتى اذا ما انتهت رحلتي مع القضاء الجالس ووضعت أوزارها فإن مستودع الذكريات سيبقى حافلا بمواقفكم النبيله الدالة على شموخكم واستقامتكم الحقيقيه البعيده عن الزيف والتكلف ، وانتهز هذه الفرصه لاتقدم منكم جميعا فردا فردا بأسمى ايات الشكر والامتنان على هذا الثوب الفضفاض الذي البستمونني إياه من عظيم شمائلكم وعاطر طيبكم فأفضتم عليَّ بوافر الحب ودافق الود والتضامن ، كما وانتهزها فرصةً للتعبير عن تهنئتي القلبيه الصادقه للزملاء الكرام الذين نالهم حظ مستحق في قوائم الترقيات داعيا المولى جل وعلا للجميع بدوام التقدم واضطراد الفلاح .

لقد انضممت الى أسرة القضاءالاردني عام ٢٠٠٢ رافع الرأس معمور القلب بمساحات لا حصر لها من الامل بأن نسهم جميعا بالتحليق بالقضاء الاردني نحو مدارج الرفعة والتقدم والاستقلال الحقيقي الذي يدفعه حتما ليغدو رافعة اصلاحيه واداة وطنيه تربت على كتف الاحرار والإصلاحيين والشرفاء وتأخذ بيدهم وتدفعهم نحو الواجهه وتسهم في مسيرة التنميه الوطنيه عبر ضمان حقوق الانسان وحرياته وحماية المال العام وإحاطته بالقداسة ، والانتصاف لاصحاب الحقوق ايا كان نفوذ وقوة خصومهم ، وبالمقابل تحاسب – دونما إنتقام – الفسدة والسراق والفجرة ومسيئي إستخدام السلطه ، فطفقت ومعي رهط كريم من خيرة الخيره باحثا ومحاولا جادا لتغيير المنظومة القانونية البائسه التي تكبل القضاه وتحاصرهم وتصادر استقلالهم وتحرمهم من حقوقهم بتأسيس هيكل تنظيمي يمثلهم ويدافع عن مصالحهم وتحيلهم الى مجرد أدوات بأيادي قوى النفوذ والفساد والإفساد ، فنالني ما نالني من شيطنة وتضييق وتجريح وأذى تحملته بصبر المؤمنين وايمان الصابرين ، حتى ضاقت صدور العابثين الفاجرين المولعين بإشعال النيران وتأزيم الاوطان ، الناظرين الى الوطن عبر كوة المصالح والمنافع الضيقه الزائله والحاقدين على كل ذي إباء وشمم وحضور ، والناقمين على من يتطلع للوطن فيرى فيه صورة امه وإباه والمستحضر من على ترابه ذكريات البيادر وأهازيج الحصادين ورائحة الخبز البلدي ، فكان ما كان بأن صدر بالامس قرار كيدي انتقامي من لدن سقط متاع وتحوت قوم (( جمع تحت )) جاءت بهم الصدفة العمياء ليقودوا مؤسسة وطنية راسخة أسسها جيل البناة العظيم كمثل المرحومين علي مسمار وموسى الساكت ونجيب الرشدان وعلي النعسان على قيم الانصاف والعدالة والانتصار للضعفاء والمسحوقين في مواجهة اهل النفوذ والمتجبرين ، فما كان من ابناء هذه الصدفة العمياء الا ان قلبوا المعادلة رأسا على عقب فأحكموا وثاق الاحرار وتحولوا الى بيادق رخيصة بيد اهل النفوذ وقوى الفساد والإفساد فإستحال الوطن الى قطعة نار تكوي بلهيبها اجساد فقراءه وتحرمهم من ابسط حقوقهم التي تضمن لهم حياة كريمة فإنقسموا بين ملاحق ومحكوم وفار من وجه العداله وهائم على وجهه في بلاد الله الواسعه ، وبين مغلوب على أمره بلا حول او قوه تنهشه الأمراض ويسحقه القهر والجوع والكبت والاستسلام البغيض ، وبالتالي فإن قرار الامس بإحالتي الى التقاعد ما كان يوما بعيدا عن هذه المعادله المقيته والجهنمية الساعيه لتحييد ومطاردة ذوي الضمائر النقيه وارباب الفكر الحر واصحاب الرؤى الوطنيه .

الْيوم واذ أغادر القضاء الاردني ليس كما دخلته فحسب مرفوع الهامة وكفى ، بل أغادره من الباب العريض والواسع محمولا في قلوب الشرفاء ومتموضعا في نبض اوردتهم وأحداق عيونهم ، اما من احالوني من شياطين الصدفة العمياء فمكانهم الحتمي سيكون ذات يوم قريب هو مزبلة التاريخ التي بِتُّ أشفق عليها ذلك ان قدرتها الاستيعابية لن تسعفها في احتواء كل ما سيحل عليه قريبا جدا من جيف ذات حضور دميم ورائحة نتنه ستدفع تلك المزابل حتم الى احد خيارين اما الانتحار او الاستقالة من وظيفتها والاعتذار عن مهامها في استضافة اللقطاء ومسؤولي الصدفة والكفرة والفجرة والسراق والنهاب والجبناء والخراصين .

وختاما ،، فإننا مستمرون فيما عقدنا العزم عليه لتضيء ذات يوم قريب شموس دولة القانون والمؤسسات والانصاف والعداله ، ولنصحوا ذات فجرقريب على وطن يتفيأ ابناءه ظلال قضاء مستقل وشجاع يحفظ الكرامات ويعلي الهامات ويرد الحقوق ويصون الحريات .

أستودعكم زملائي الكرام هذا الوطن الابي ، حناء ترابه وكرامات وحقوق وحريات ابناءه ، وبسمات اطفاله ، وانجازات مؤسسيه ورواده ، مستأذنا إياكم مغادرة المجموعة دون مغادرة قلوبكم المرهفه العطوفه الأنوفه ،،، عشتم وعاش الاْردن وطنا لكل الشرفاء والاحرار ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

اخوكم القاضي المتقاعد لؤي عبيدات .

نص رسالة والده المحامي جمال عبيدات

ولدي القاضي #لؤي_عبيدات

لأنهم صغار فقد خاب كيدهم لك، فلقد أرادوك ان تكون صغيرا مثلهم ، وان لا يتخطى حلمك ورسالتك الامتيازات والتقاعدات والمكافآت وقطع الأراضي والاعفاءات الجمركية وغيرها، وان تنهب وتنهش من الوطن كل ما تصل اليه يداك ، لكنك كنت دوما كبيرا ومترفعا عن هذه الاعطيات ولم تغرق مثلهم في مستنقع التسول والمذلة ووقفت دوما مع الوطن لكي لا يضيع بين ايدي هؤلاء وعبثهم.

انني حزين على الأردن الذي تربع الصغار صفوفه الأمامية فاوصلوه إلى هذا القاع، ولا يزالون يكيدون للشرفاء بكل السبل لأنهم شرفاء.

انت يا لؤي تربيت كما تربى كل العظماء على ان الطريق وعر وشائك كي لا تضل ولتبقى رمحا شامخا في كل الساحات والمواقع، وسيبقى هذا الوطن حبنا الكبير نفتديه بالمهج والأرواح، ونستمد منه العزم والعزيمة إلى ما شاء الله

والدك المحامي جمال عبيدات
10/7/2020

الاخبار العاجلة