صراحة نيوز – بقلم الكاتب الإمارتي الدكتور يوسف الحسن
* عرفته قبل نحو ثلاثة عقود، من خلال عضويتي في منتدى الفكر العربي، الذي أسسه الأمير في العام 1981، ورعاه منذ ذلك الحين. وكان وقتها ولياً للعهد، و«قرة عين» شقيقه المغفور له بإذن الله الملك حسين، وصاحب سلطة ونفوذ، وجرأة في طرح أفكار «خارج الصندوق».
كان الأمر في البداية، مثيراً للدهشة، بالنسبة لكثير من المفكرين، حينما ينادي «أمير» بتجسير الفجوة، بين المفكر وصانعي القرار، وتحقيق التفاعل فيما بينهم، وتأمين المشاركة الشعبية في تنفيذه.
* نجح الأمير في تقديم «المنتدى» كمنظمة عربية فكرية غير حكومية، لا كمنتدى أردني أو منتدى رسمي، ولم يكن من بين المؤسسين الأوائل، وعددهم 25 شخصاً، سوى ثلاث شخصيات اقتصادية أردنية، كما نجح في تجاوز إشكاليات سياسية عربية عديدة، من بينها؛ الاحتلال العراقي للكويت، خلافات حول اتفاقيات أوسلو وادي عربة… إلخ تركت «ندوباً» في فعالية المنتدى وعضويته فضلاً عما تركه إخراجه من «السلطة»، من مرارة في نفسه.
* ذات ليلة، قبل سنوات قليلة، وعلى مأدبة عشاء في دارته الجميلة في عمان، وبمشاركة عدد من أعضاء مجلس أمناء المنتدى، سمعته يقول: «أنا لست سياسياً، ولست في السلطة، ولست في جيبة أحد.. أنا صاحب رأي». وضحك قائلاً: «على رأي أم كلثوم،..أعطني حريتي، أطلق يديّ».
يذكرنا دوماً، بالثورة العربية الكبرى، وبجده الأكبر الشريف الحسين بن علي، والذي دفع غالياً، ثمن ثورته وجرأته، بنفيه إلى قبرص، وكيف وقعت هذه الثورة في أسر «لعبة الأمم»، و«سايكس بيكو».
* خبر الأمير أحداثاً عربية ودولية هامة، وتقلبات حاسمة في تاريخ العرب المعاصر. وتعب على نفسه، تثقيفاً ومعرفة وفلسفة ولغات وتاريخاً، وأدرك مبكراً، أهمية الفكر، والحوار واحترام التنوع والتعدد، وكتب يوماً: «إمّا التنوع والاحترام المتبادل والتعايش المشترك، وإما طوفان الشر».
* يخجلك تواضعه، ويدهشك تدفق الأفكار التي يطرحها، في خطبه الارتجالية، واستشعر أحياناً مفارقة كبيرة، حينما أسمع «أميراً»، يتحدث بمفردات «جمهورية»، وعن ديمقراطية، وأغلبية «مصمَّتة» كما يحلو له تسميتها، أي مغلوبة على أمرها، وعن مواثيق اجتماعية واقتصادية وثقافية وأخلاقية، وفقر اجتماعي، وفقر معرفي وتقاني، وعن حاجة الأمة لصندوق زكاة، وتعظيم الجوامع والمشتركات بين بني الإنسان. وعن قواعد سلوك في الحوار بين اتباع الديانات والثقافات.
* ينبه دوماً، ويحذر، من أن «الرواسي في الوطن العربي، في حالة سيولة»، ومن ضعف اهتمامنا بالعدالة والكرامة الإنسانية. وتقبل الآخر والتعايش معه، وتحمل الآخر، وتحمل العناء في ذلك، ولعل هذا هو المعنى الفلسفي لمفهوم التسامح.
لفت انتباهي، ما ذكره في ديسمبر 2015 أمام أعضاء المنتدى، حينما قال: «إننا نعيش اليوم في جحيم، في حالة فراغ هلامي».. محذراً «هناك تهديد حقيقي لإزالة هويتنا من الأرض»،. وتذكرت حينها، كلاماً له، أثناء مناقشات في مؤتمر قبل سنوات، عن دور «إسرائيل» في تفكيك الوطن العربي. وعن المرحلة الراهنة، حيث «نعيش فترة خلافات قبلية في كل شيء، داخل البيت الواحد، وداخل الديانة الواحدة».
* تساءل مرة في مقال له، في جريدة «الحياة» اللندنية (فبراير 2005)، «هل باتت النهاية وشيكة لحلمنا الجميل، حلم اليقظة العربية، المستند إلى الخلق الكريم، ووحدة الهدف وكرامة الإنسان»؟
في السنوات الأخيرة، لمست فيه توقاً أو انشداداً نحو العمل الإنساني الحضاري، لا أدري هل ملّ أو يئس صاحبنا من العمل الفكري العربي؟، أم أن تشبعه بالفكر الإنساني وقلق العصر الذي يعيشه ضميره، يشده نحو «العالمية»، ؟.. له تجربته المميزة في «نادي روما»، ومنتديات إقليمية متعددة، وأذكر قبل سنوات قليلة، حديثاً عابراً له في واحد من لقاءات المنتدى، حينما أبدى خلاله دهشته من اختيار شخصية قطرية، متواضعة في خبراتها العملية وقدراتها الفكرية والمعرفية والحوارية، لمنصب «الممثل السامي، لمنتدى تحالف الحضارات» التابع للأمم المتحدة، ولمّح وقتها إلى أن وراء هذا الاختيار، هدايا ورشى و.. و. إلخ، لا يستطيع «العبد الفقير لله» أن يقوم بها، على حد قوله.
* في العقد الأخير، بعد خلاصه من أسر العمل السياسي الرسمي، أو كما يتندر ويقول: «وضعوني على الرف»، لمست حرصه، على حث المنتدى على نقل الحوار إلى الناس، وتقوية السلطة المعنوية للشعب، للوقوف في وجه (الطغاة، والغزاة، والغلاة) حسب مقولاته.
* يمتلك الأمير الحسن، قدرة فائقة على سك مصطلحات جديدة، ويتنقل بيسر ومهارة، في أحاديثه من فكرة إلى أخرى، ويطرح مبادرات خلاقة، يتعب الجهاز التنفيذي في متابعتها وتنفيذها، يكره مصطلح «المنطقة العربية»، ويصر دوماً على استخدام مصطلح «الوطن العربي»، ويتحمس لصياغة ونشر مواثيق اجتماعية وثقافية واقتصادية ونهضوية، لم أسمعه مرة يتحدث مذهبياً أو قطرياً، ويدعو دوما إلى حوار وتقارب بين المذاهب الإسلامية، ويرى أن الإسلام السياسي، «ضيّع على الإسلام روحه»، وقد ذكر في آخر لقاء لنا معه، أن العالم «بحاجة إلى مؤتمر دولي للمقايضة في كل الأزمات الدولية»، ورغم ما يقال عن الأردنيين، بأنهم شعب «جاد وعبوس، لا يحب المزاح»، إلا أن صاحبنا يتكئ أحياناً على «النكتة» للإجابة عن بعض الأسئلة المحيرة، أو للتخفيف من ضغوط الإحباط والهموم، ومواجهة مرارة الواقع والتناقضات في السياسة، بالسخرية والدعابة الظريفة، وغالباً ما يطلق ضحكته «المجلجلة» عقب هذه الدعابات الذكية.
وأذكره أيضاً، وهو يسخر من «ديمقراطية الأمير» وبخاصة حينما يترأس الاجتماعات، وقال مرة، وهو يضحك «إذا أنا أمير وأنت أمير، فمن يقود الحمير»؟، وفي حوار له مع فضائية عربية، قال رداً على ما قاله أحد الوزراء الأردنيين السابقين عنه، وكيف كان وزراء الحكومة يهابونه، أثناء وجوده في الحكم؛ قال ضاحكاً؛ «علشان هيك، حطوني على الرف، أنا العبد الفقير إلى الله» يا عبيد الله الفقراء…. اتحدوا.
نقلا عن جريدة “الخليج”