الأمير خالد الفيصل آل سعود لرئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري ” أما كان من الأولى لو أن دولتكم “

21 يوليو 2017
الأمير خالد الفيصل آل سعود لرئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري ” أما كان من الأولى لو أن دولتكم “

صراحة نيوز – كتب سفير المملكة العربية السعودية لدى الاردن الأمير خالد بن فيصل آل سعود مقالة ردا على مقال كان قد كتبه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في مطلع الشهر الحالي بعنوان ( فداحة العجز العربي .. وكارثية اللحظة الراهنة ّ )

وقال الأمير خالد في مقالته التي جاءت بعنوان ( لبنة البناء ليست كمعول الهدم ) عندما يكتب بمن هو بقدر دولتكم عن أحداث الماضي وربطها بالحاضر يكون مطالباً بالتوضيح والإنصاف وليس بإطلاق العموميات دون النظر بموضوعية لأحداث الزمن الحالي والمتغيرات التي أضرت بحال أمتن

واضاف الجميع يعرف ما قدمته المملكة العربية السعودية للقضية الفلسطينية منذ عهد جدي المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه وما واصله ابناءه الملوك من بعده ولغاية اليوم في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة ، وذلك من منطلق ايمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب يميله عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية .

وقال لم نسعى يوماً للتفريق بينهم وشق صفوفهم والاستمتاع بفرقتهم، ولكن ما نقول الا كما قال الامام الشافعي رحمه الله ” وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ ..ولكن عين السُخط تُبدي المَسَاوِيا “

 

إلى أحد أساتذة الحكمة والرصانة، عَمد من أعمدة العمل السياسي في بلدٍ نحبه ويحبنا، من هو أوسع مني إدراكاً وأكثر مني درايةً وخبره، والذي تجربته في معترك الحياة تفوق سنوات عمري، إلى حكيم الأردن الجميل بلد المحبة والسلام إلى دولة الأستاذ طاهر المصري.

نص المقال ( لبنة البناء ليست كمعول الهدم )

دولتكم أطلعت وكمواطن عربي يحب وطنه وعروبته وُضع في موقع مسؤولية على مقالكم الذي نٌشر في إحدى المواقع الالكترونية وعلى صفحتكم في ‘الفيس بوك’ والتي حملت عنوان ‘ فداحة العجز العربي وكارثية اللحظة الراهنة ‘ آملاً أن يتسع صدركم الكبير لكلماتي والتي تخرج من قلب يشارككم هموم وطنه العربي ويعتصِرُ قلبه ألماً كحال قلب دولتكم على ما آلت إليه أوضاع أُمتنا العربية، ولكن عندما يكتب بمن هو بقدر دولتكم عن أحداث الماضي وربطها بالحاضر يكون مطالباً بالتوضيح والإنصاف وليس بإطلاق العموميات دون النظر بموضوعية لأحداث الزمن الحالي والمتغيرات التي أضرت بحال أمتنا ، فالجميع يعرف ما قدمته المملكة العربية السعودية للقضية الفلسطينية منذ عهد جدي المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه وما واصله ابناءه الملوك من بعده ولغاية اليوم في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة ، وذلك من منطلق ايمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب يميله عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية، فالمملكة تبنت جميع القرارات الصادرة من المنظمات والهيئات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ابتداء من مؤتمر مدريد وانتهاءً بخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية. ناهيك عن الدعم المادي والمعنوي والذي تقدمه المملكة طوال العهود الماضية، والتي لم نسعى يوماً للتفريق بينهم وشق صفوفهم والاستمتاع بفرقتهم، ولكن ما نقول الا كما قال الامام الشافعي رحمه الله ‘وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ ..ولكن عين السُخط تُبدي المَسَاوِيا’.

دولتكم يعلم وبحكم مسؤولياتكم إن في العديد من القمم العربية السابقة عملت المملكة العربية السعودية والأردن الحبيب سوياً على إصلاح ميثاقه، ولعل ذلك يتضح جلياً في اعلان قمة الرياض عام ٢٠٠٧م، والذي أكد فيه على ما يسمى بـ ( بوثيقة العهد والوفاق والتضامن بين الدول العربية) والتي تنبذ كل أشكال التطرّف والعنصرية وتعزز الهوية العربية الأصيلة في ظل ما تواجهه الأمه من تحديات ومخاطر تهدد بإعادة رسم الأوضاع في المنطقة وتمييع الهوية العربية، كما أكدت السعودية والأردن مراراً وتكرارا على الضرورة الملحة لاستعادة روح التضامن العربي وحماية آمنه الجماعي ، فبرغم هذه المطالبات المتكررة من بلدينا حملتا لواء السلام في عالمنا العربي الجريح نجد من أبناء جلدتنا وممن يحملون هويتنا يتسابقون على الارتماء بأحضان أعداءه ويدقون بمعول الهدم لخرق كل اتفاق متجاهلين أدوار البقية باحثين عن مكتسبات شخصية وبطولات وهمية فاحتضنوا جماعات الفساد والإرهاب بين أكنافهم وقدموا لهم الدعم المادي واللوجيستي ووفروا لهم الغطاء والآلة الإعلامية ، لكي يدخلوا كل بيت عربي ويحطموا كل شيء جميل بداخله عملوا على زرع الفتنة بين الأشقاء، وفتح جراحاتهم والتراقص على الآمهم. فأعرف كما يعرف دولتكم بأن من يحمل معول الهدم ليس كمن يحمل لبنة البناء ومن يزرع ليس كمن يحرق، فعلى جميع الدول الأعضاء للجامعة العربية احترام رأي الأغلبية وتوفير أقل قدر من الاحترام لها حتى تبقى المظلة التي تجمعنا، وعدم السير وحيداً والتغريد خارج السرب حتى لو كان ذلك ضد مصالحهم الشخصية أولا تتوافق مع آرائهم وأهوائهم.

دولتكم ذكرت ( دول مجلس التعاون العربي ) فأنا لا أعلم عنه شيئاً وكما يقال – فأهل مكة أدرى بشعابها – وأظن أن دولتكم يقصد ( دول مجلس التعاون الخليج العربي ) وهذا ما يعنيني فأعماله ومنجزاته كثيرة ولعل أبرزها الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية المشتركة وترسيم الحدود فيما بينها ، ولكن ما باليد حيله حين ‘يعق الولد بأبيه ‘ فما تصنع فيمن ‘يعاهدك نهاراً ويخرق عهده ليلاً ‘ ، فإذا كان هناك احد الدول المؤسسة لهذا المجلس لم تحترم تلك المواثيق لأنها لم تتوافق مع أجندتها التي الله أعلم ماهي والتي أقل ما يقال عنها أنها تخريبية ، والتي تُملى عليها خارجياً من دول تعمل على تمزيق عالمنا العربي بأجمعه، ولعل دولتكم اطلع على اتفاقية الرياض 2013م والتكميلية 2014م والتي تم النكث فيها ، فنجد أنفسنا أحياناً مجبرين على الحفاظ على ما تبقى من وحده هذا المجلس وديمومته وما اتخذته المملكة من إجراءات ماهي الا حفاظاً على مصلحة بقية الدول الأعضاء ، فلقد همسنا في آذانهم لكي لا يسمع الأخرين وبعدها تكلمنا معهم في الغرف المغلقة مع باقي دول المجلس ولم يستجيبوا ، ويصدق فيهم قول الشاعر العربي (لقد أسمعت لو ناديت حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي) .

أما رأي دولتكم ومفرداته في موضوع ‘تيران وصنافير’ السعوديتان واللتان ليس فيهما تبعية بالانتقال بل رجوع الحق الى أهله ، فعندما سلمت المملكة العربية السعودية تيران وصنافير لأشقائنا في مصر كان ذلك ضمن ظروف تخدمهم في تلك الفترة وتخدم الأمن القومي العربي و قضيته الكبرى فلسطين ، فكانت الجزيرتان قد خدمتا مصر في العدوان الثلاثي عليها عام 1956م ، ولكن للأسف خسرتهما بحرب عام 1967م بعد الاستيلاء الإسرائيلي عليها ، وبعد انسحاب إسرائيل منها بعد توقيع اتفاقية ‘كامب ديفيد’ في عام 1979م بين مصر وإسرائيل ، ومن ثم تم وضع القوات الدولية بها لتنفيذ أحد بنود الاتفاقية و بعد مرور ما يقارب الأربعين عاماً على الاتفاقية وانتهاء الحاجة المصرية لهما ، وبعد تثبيت تلك الاتفاقية وبنودها جميعاً اتفقت الدولتان ( المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ) بأن تعود السيادة القانونية على تيران وصنافير إلى البلد الأصل وهي السعودية وذلك أولاً كحق مشروع وثانياً عدم حاجة مصر لها للدفاع عن أمنها الوطني وثالثاً والحمد لله المملكة العربية السعودية قادرة على أن تحمي أراضيها من أية إعتداء ، وشرعية سيادة المملكة على تيران وصنافير مثبت في محاضر هيئة الأمم المتحدة وإتفاقية كامب ديفيد ، ومحاضر وزارة الخارجية المصرية ما قبل الثورة والمكاتبات الرسمية بين البلدين باتفاقية الحدود البحرية بين السعودية ومصر، والتي يعلم دولتكم بأن تحديد الحدود المائية تقع تحت اتفاقية تحديد الحدود البحرية التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة وليس اختراع سعودي مصري جديد ( ولم نعد اختراع العجلة ).

أخي الكبير

أن الممرات البحرية الدولية وأنت أعلم مني بها، متفق عليها دولياً وموقع عليها في هيئة الأمم المتحدة من أغلب دول العالم، فهي تحفظ حقوق السفن المملوكة لدول أخرى غير التي تقع على تلك الممرات (وبالإمكان تزويد دولتكم بنسخة من هذه الاتفاقيات) ، فهي تعطي الحق للدول التي تقع على تلك الممرات أن تغلق تلك الممرات بوجه أي دولة تقع معها في حالة حرب ، ومن هذا المنطلق يؤسفني جداً بأن دولتكم يعتقد بأن رجوع الحق إلى أهله يعتبر خطأ استراتيجياً ضد مصلحة عالمنا العربي ، وكأن المملكة العربية السعودية ليست جزء من العالم العربي ، وأنها دفعت الغالي والنفيس في نصرة القضية الفلسطينية ودولتكم أعلم مني أيضاً بذلك .

أما كان من الأولى لو أن دولتكم بارك تلك الاتفاقية السعودية المصرية التي توجتها الحكمة والمعاملة الراقية كمثال لما يجب أن يكون بين الأشقاء العرب لا أن يصفها بخطأً استراتيجياً، اما كان من الأولى دولتكم أن تشكر المملكة العربية السعودية على تضحيتها بتسليم جزر تحت سيادتها لحماية الأمن القومي العربي وتشكر مصر على وفائها بإرجاع السيادة السعودية على أراضيها، بدلاً من أن تعتبره خطأً استراتيجيا.

أما ما أسماه دولتكم (كارثة يمينة) فكان من الأفضل لو كتب قلمكم الكريم بأنه ( خطراً إيرانياً) يحاول اختطاف اليمن من عالمنا العربي عقائدياً وجغرافياً، فتحرك المملكة مع الشرعية اليمنية والتضحية بأرواح أبنائها من أجل أشقائهم اليمنين وزيادة الأعباء المالية عليها ذلك لم يكن إلا لإيمانها التام بأهمية العمل على محافظة تأمين مستقبل جارها الجنوبي والعمل على إنهاء الأزمة في أسرع وقت ممكن ، ولإيقاف الدعم السياسي والحربي لمجموعة طائفية تحاول اختطاف اليمن وشرعيته للزج به في أحضان دول معادية لها أطماع توسعية، وكذلك عندما يتعلق الموضوع في الأمن الوطني السعودي فلن نقف مكتوفي الأيدي ونقدم الخدين للصفع ، وكما يقول المتنبي ( إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ) .

وأخيرا دولة الأخ والأستاذ طاهر المصري إننا نؤمن جميعاً بأهمية ترتيب بيتنا العربي والمحافظة على ما تبقى من لحمته التي مزقت ، وإيقاف دماء أبناءه التي سالت على الطرقات والأرصفة، فأصبحوا إما جوعى أو قتلى أو مشردين أو لاجئين نريد أوطان أمنه مطمئنه، نريد أن نزرع الحب بين أبناء شعوبنا لا الكره والبغضاء والطائفية، نريد أن نحمل لبنات البناء لا معاول الهدم ، هذا ما يمليه علينا ضميرنا إن تبقى لدى بعضنا ضمير، وأختم كلماتي بقول المتنبي أيضاً ( مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ) ، حمى الله السعودية والأردن والوطن العربي من كل شر.

سفير خادم الحرمين الشريفين
لدى المملكة الأردنية الهاشمية.
خالد بن فيصل بن تركي آل سعود

وتاليا نص المقالة التي كتبها دولة طاهر المصري 

بعنوان ( فداحة العَجز العربيّ .. وكارثية اللحظة الراهنة! )

يَحارُ المرءُ من أين يبدأ في قراءة الأحوال العربية..!

ولعلّ الحيرة لا تكمن في تعدد الأزمات والمشكلات العربية المتفاقمة، وأولوية وضرورة معالجتها، فحسب، بل في وصولها إلى مستويات كارثية غير مسبوقة، تتجاوز في خطورتها التهديدات التقليدية للأمنين الوطني والقومي العربيين. بل في وصول تلك الكوارث إلى مرحلة تهديد الوجود العربي برمّته، ككيانات ودول ذات سيادة تقليدية، كما كان معروفا طوال النصف الثاني من القرن العشرين. وقد لا أبالغ إذا قلت أننا على حافة التبدد والتلاشي..!؟ إن لم يقيّض الله لهذه الأمة شيئاً من حضور حكمة بعض أبنائها وعقولهم ورؤاهم، لتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يسبقَ سيفُ التلاشي عَذلَ التداركِ ورأبِ الصدع والإصلاح.

فليسَ من الطبيعي، ولا من المقبول، أن تجتمع كل تلك الأزمات والمحن في لحظة عربية واحدة، ومن دون أن تجد محاولة قومية جادّة لوقف هذا الانهيار غير المسبوق، سواء في العلاقات البينية العربية، أو في أسباب تفاقم كل كارثة على حدة.

فأي عجزٍ وانهيار ذاتي هذا الذي تمارسه المؤسسات الإقليمية العربية الجامعة للعرب طوال العقود الماضية..!؟ فأين جامعة الدول العربية ومؤسساتها العديدة..؟ بل أين مجلس التعاون العربي الخليجي ومؤسساته..؟ بل أين رجالات الأمة والدولة والحكمة، وخارج كل المؤسسات الحكومية والرسمية..؟ أما من صوت عاقلٍ يصرخ في بريّة عرب هذا الزمان..؟ أما من محاولة جادة ويتيمة لوقف عجلة هذه الانهيارات..؟

أيّة أجيال من الحكومات والحكامات تحكم أزماننا..؟!

لا رغبة لديّ في تسمية أحد من سياسيي ومفكري وحكماء هذه الأمة، وهم كثر، الذين يمكن لهم، إذا تضافرت جهود البعض منهم، أن يقوا هذه الأمة شرّ توالي انهياراتها وكوارث استمرار التدخل الإقليمي والدوليّ في ما تبقّى من وجودها.

بائسٌ هذا الوضع الذي وصلنا إليه في التعاطي مع تفاصيل الأزمة العربية الخليجية وما يرافقها من تداعيات. ومحزن أن تنسدّ كل دروب الحلول العربية والتوفيق بين الإخوة والأشقاء، ولا يتبقّى لنا سوى الشكوى والتشاكي على أبواب واشنطن.

ومريبٌ هذا الذي يحدث ويسرّب حول قضية الأمة المركزية، القضية الفلسطينية، وما يتّصل بتلك التسريبات من مشاريع أقلّ ما يقال فيها أنّها كارثية وجنونية. بل وأكثر من مريب وكارثيّ أن تصل السياسات العربية الراهنة، وتسمح، بأن تُعالَج محنة غزة على هذا النحو الذي نسمعه، ووصولها إلى الحد الكارثي الذي نراه صباح مساء، ابتزازاً وتجويعاً وموتاً بطيئا من الجوع والأمراض ونقص العلاج..؟

ولا تقل معالجة الكارثة اليمنية والحرب فيها وعليها وتفشي وباء الكوليرا، عن ما قبلته سياساتنا العربية في التعاطي مع أحوال غزة..

أما محنة العراق المتواصلة، وكارثة سوريا التي أكلت أخضر الناس ويابسهم، بشراً وعمرانا ومقدّرات، وتفاقم الأوضاع في ليبيا والعجز عن إعادة بناء الدولة، بعد تدميرها، فهي عناوين لعجز الأمة منذ أكثر من سبعة أعوام عن إدراك مدى الهاويات التي أوصلتنا إليها مقادير إدارة الربيع العربي العتيد. ولعلّ من مِلْحِ الكلامِ التذكير بالتسريبات الجديدة عن محاولات التطبيع والاجتماعات العلنية بين إسرائيليين وليبيين رسميين في رودس، وقبل تكوّن الدولة في ليبيا، ومخاطر وصول إسرائيل إلى دول الشمال العربي الإفريقي.

أعرف أنّ هذه المقالة، ومهما حاولت، لن تُلمّ بغالبية الكوارث العربية، المتفجرة اليوم في وجوهنا جميعا، فهي أكثر اتساعاً من أن تحيط بها مقالة كهذه. وسأقفز عن الكثير منها هنا، ليس لأنها أقل أهمية، بل لأنّها متفرعة من كوارث رئيسية أخرى، ومن نافلة الكلام الإشارة إليها قبل معالجة وتسمية ما هو رئيسي من أزمات؛ كجمود الوضع الأمني والاجتماعي في سيناء ومصر، واحتقانه في البحرين، وتنامي سياسة المحاور والاستقطاب بين البلدان العربية، كسياسة في إدارة الأزمات، بعد أن غادرها العرب منذ نحو ثلاثة عقود، عشية انتهاء الحرب الباردة.

ناهيك عن الوضع الاستراتيجي الجديد الخطير ، الذي خلقه تبادل تبعية جزيرتي تيران وصنافير ، بين مصر والسعودية ، ما يجعل ممر تيران الاستراتيجي ممراً دولياً وليس محلياً مصرياً ، ما يمكنّ إسرائيل من صناعة ممرٍ بحري دولي مواز لقناة السويس ، وما يتصل بهذا من خسارات قومية ووطنية استراتيجية عربية .

لا تطمح هذه الكلمات إلى نَكءِ جراحِ أحد. ولا إلى الانحياز إلى ما هو كارثي في عالَم العرب اليوم، سياسةً وصراعات. كما أنّ صاحبها يدرك كلّ المعوقات والصعوبات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه. غير أنّ ضميري ووجداني يمنعاني من الصمت أمامَ ما أرى وأسمع وأحسّ، وبعد أن أصبح الصمت العربيّ، حول قضايا بقائنا ووجودنا، عالياً في ضجيجه كالرعد..!؟

فيا ساسةَ الأمةِ، ويا مفكّريها، ويا حكمائها، ويا كلّ مَن هو معنيّ بمصير هذه الأمة، هذا نداءٌ لي ولَكم، لمحاولة وقف هذا الانهيار المريع، بجدٍ جماعيّ جاد.. مجرّد محاولة.

الّلهمّ فاشهد.

في هذا السياق ، وبكل موضوعية ، أعتقد أن الشعوب العربية تنتظر بلهفة أن يتصدى زعيم عربي أو أكثر ، لهذا الحال بالمبادرة بوضع وثيقة مصالحة عربية تعتمد على حلول سياسية خلاقة تأخذ قدر الإمكان بالتجارب التي مرت على الأمة العربية والتغييرات التي حدثت في هذا العالم . وأعتقد جازماً أن الأردن وجلالة الملك عبد الله الثاني مؤهلان للقيام بهذه المبادرة، النبيلة والملحّة في تاريخ العرب الحديث، ليس بسبب رئاسة جلالة الملك الدورية والحديثة للقمة العربية فحسب، بل لما يتمتع به الملك عبد الله الثاني من دينامية ومبادرة وحيوية، إقليمياً ودولياً، كرّسها خلال العقدين الماضيين، ولما تميز به الأردن من استقرار وتوازن، والشعوب العربية تنتظر وتأمل ذلك بلهف شديد.

طاهر المصري

الاخبار العاجلة