صراحة نيوز – جنيف
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ مشروع الدستور التونسي الجديد يمثّل عبثًا في أسس البناء الديمقراطي للدولة، ويفتح الباب على مصراعيه لإرساء نظام حكم شمولي في البلاد.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي الأحد أنّ مشروع الدستور الذي نُشر في الجريدة الرسمية الخميس المنصرم، يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة في مقابل تقليص صلاحيات المؤسسات العامة المختصة، ويغلق الباب بشكل كامل تقريبًا أمام إمكانية مساءلة أو محاسبة الرئيس على الأعمال التي يؤدّيها في إطار وظيفته.
وأبرز المرصد الأورومتوسطي تصريحات “الصادق بلعيد”، وهو رئيس “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، التي كلّفها الرئيس “قيس سعيّد” بإعداد مشروع الدستور، إذ قال إنّ مشروع الدستور الذي نُشر في الجريدة الرسمية لا يمت بصلة لنص الدستور الذي قدمته الهيئة الوطنية الاستشارية للرئيس في 20 يونيو/ حزيران المنصرم، وإنّ الهيئة بريئة تمامًا من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء، وإنّ النص الصادر عن رئاسة الجمهورية ينطوي على مخاطر ومطبات جسيمة.
وشدّد الأورومتوسطي على أنّ الرئاسة التونسية مطالبة بتوضيحات فورية وشفافة بشأن تصريحات “بلعيد”، التي تتسق بشكل كبير مع النهج الذي يتبّعه الرئيس التونسي في حكم البلاد منذ 25 يوليو/ تموز المنصرم، والقائم على التفرّد باتخاذ القرارات وسن التشريعات دون إشراك أي من المؤسسات العامة أو الأطراف ذات العلاقة.
ولفت إلى أنّ إصرار الرئيس التونسي على صياغة وطرح مشروع الدستور دون توافق مع القوى السياسية لن يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، لكنّ نشر مشروع دستور يخالف المشروع الذي قدمّته الهيئة الاستشارية يثير شكوكًا كبيرة حول دوافع وأهداف الرئيس “سعيّد” من ذلك، ويسمح بالتشكيك في آليات عمل ومخرجات جميع الأجسام التي شكّلها “سعيّد” منذ إعلان التدابير الاستثنائية.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ مشروع الدستور الجديد تضمّن نصوصًا عامة وفضفاضة تتيح للرئيس التحكّم الكامل في مؤسسات الدولة، وتمكنّه من اتخاذ إجراءات قد تتعدى اختصاصاته الدستورية، ومن ذلك الفصل (91) الذي نصّ على أنّ “رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال الوطن، وسلامة ترابه ولاحترام الدستور والقانون ولتنفيذ المعاهدات، وهو يسهر على السير العادي للسلط العمومية ويضمن استمرار الدولة”.
وأضاف أنّ الدستور المقترح ينصّ على أنّ “الحكومة مسؤولة عن تصرّفها أمام رئيس الجمهورية”، وليس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، مع الإبقاء على إمكانية سحب البرلمان الثقة من الحكومة بأغلبية الثلثين. كما يخوّل رئيس الجمهورية بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية.
ويمنح مشروع الدستور الجديد رئيس الجمهورية الحق في حلّ مجلس الشعب، لكنّه لم يحدد أي آليات أو إجراءات لعزل رئيس الجمهورية.
ويفتح مشروع الدستور الجديد الباب أمام تمديد المدة الرئاسية بناء على نص فضفاض يُمكن أن يُستخدم على نحو تعسفي، إذ جاء في الفصل (90) أنّه في حال “تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدد بسبب حرب أو خطر داهم فإن المدة الرئاسية تمدد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدّت إلى تأجيلها”، لافتًا إلى أنّ ذريعة “خطر داهم” كانت إحدى الذرائع التي استخدمها الرئيس “قيس سعيّد” حينما فرض الإجراءات الاستثنائية التي سيطر بموجبها على مفاصل الحكم.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه على الرغم من أنّ مشروع الدستور الجديد أبقى على معظم نصوص دستور 2014 المرتبطة بالحقوق والحريات إلّا أنّه قيّد حقوقًا طبيعية لبعض الفئات، إذ نصّ الفصل (41) منه على ضمان الحق النقابي في الإضراب لكنّه استثنى من ذلك القضاة والعاملين في الشرطة والأمن الداخلي والجمارك.
وأبقى مشروع الدستور الجديد على المادة التي اتخذها الرئيس “قيس سعيّد” أساسًا لإصدار التدابير الاستثنائية، وانطلق منها للسيطرة على مؤسسات الحكم، إذ جاء في الفصل (96) من مشروع الدستور أنّ “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم”.
ومن المزمع –بموجب مرسوم رئاسي سابق- أن يصوت التونسيون على مشروع الدستور الجديد في 25 يوليو/ تموز الجاري.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الرئيس “قيس سعيّد” إلى سحب مشروع الدستور الجديد وإلغاء الموعد المحدد للاستفتاء عليه، والتوقف عن التفرد باتخاذ القرارات وتسيير الشؤون العامة، والدعوة إلى حوار وطني جامع يشمل جميع القوى السياسية دون استثناء.