صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
أنا لست معارضاً ، أنا اقف دوماً مع الوطن وأشقائي بالمواطنة ، أُنبه الى الأخطار ، والأخطاء وما اكثرها ، وأشيد بالانجازات رغم ندرتها . لانه حتى تُسمي نفسك معارضاً ، او حركة معارضة ، فهذا يتطلب شروطاً ، ومعطيات ، وأُسس يجب توافرها . لذلك ارى انه لا يوجد معارضون ، ولا معارضة منظمة في الاردن . فعلى مستوى الافراد ، هناك مواطنون اردنيون غالبيتهم غيورين على وطنهم ، يتحسرون على ما وصل اليه من انحدار ، وانحسار ، وانكسار ، ويزيد غيضهم وغِلهم وغيرتهم عندما يتذكرون كيف كان الوطن ورجالاته قبل عقود ، وكيف اصبح الان . ولا أبريءُ بعضهم – اقول بعضهم – من ارتباطات خارجيه بعلاقات مشبوهه تستهدف النيل من الوطن ، لكن معظمهم – وفق معلوماتي ومتابعاتي – شرفاء ، منتمون لوطنهم ، وتجشموا كُلف ، وعناء مواقفهم في سبيل ايصال صوت الحق والتنبيه لما يحيق بالوطن .
أرى ان على الدولة الاردنية ان تُعيد قراءة الشعب الاردني من جديد ، وان تنفض عنها غبار اكثر من عقدين من الزمان ، تسيد فيها المشهد ، وتولى زمام السلطة وصناعة القرار شِلة غريبة عن الشعب ، لا تفهمه ، ولا تفهم خصوصيته ، ولا تفهم درجة انتمائه وعطائه ، والسبب ، ببساطة ، لانهم غرباء ، طارئون ، لا يفهموننا ، ولا يشبهوننا ، ولا يعرفوننا ، هبطوا علينا بالباراشوتات ، مثل المظلي الذي ينزل على بقعة من الارض ، لا تعني له الارض التي هبط عليها اكثر من سلامة وصِحة الهبوط ، وغايته الحصول على التقدير ، لينعم بشارة المظلي .
هؤلاء الغرباء ، شوهوا الشعب الاردني ، ونعتوه بالتخلف ، والعنجهية ، والعناد ، وكانوا يكررون في جلساتهم الخاصة ، التي تسرب منها الكثير ، باننا لسنا اكثر من رعاة متخلفين عنجهيين ، و ( عَامَ) الكثير من كبار المسؤولين على ( عَومِهِم ) ، وكان من بينهم شِلة من الاردنيين المتنفعين ، الذين لم يمنعهم طيب اصلهم ، ومحتدهم ، عن مساندة هؤلاء الدخلاء ، لانهم ميكافيليي النهج ، الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، فغاياتهم كانت رخيصة ووضيعة ، وكذلك آلياتهم للوصول الى وضاعتهم . فباعوا كل مقدرات الأردن ، ونهبوها ، ومن ثم غادروا الوطن ، غير آسفين عليه ، لانهم لم ينتموا يوماً اليه .
حكوماتنا المتعاقبة شاب ادائها ما شابه من إخفاقات ، وإختلالات في السياسات ، وكثرة التعديلات ، التي رغم تكرارها ، وكثرتها مع قِصر الفترات الزمنية التي تفصل بين كل تعديل وآخر ، حيث وصلت في الحكومة السابقة الى اربع تعديلات خلال عام ونصف تقريباً ، الا انها ربما كانت وراء وصول بعض الوزراء الأكفياء الى مواقعهم .
وما كان لجهود الحكومة الحالية في مواجهة الجائحة ان تنجح – ولو الى حين – لو لم يكن الشعب واعياً ومتفهماً وحضارياً وحريصاً ومنتمياً لبلده ، حيث اثبت الشعب الاردني بعامته ، انهم نشامى ، قول وفعل . والدليل على تميز الشعب الاردني أنه ساهم بشكل كبير في إنفاذ سياسة حكومته فيما يتعلق بالجائحة ، بينما العديد من شعوب العالم حتى المتحضر منها كانوا عقبة كأداء في تنفيذ سياسات حكوماتهم ، حيث نُظمت مسيرات ضد الكمامات في عدد من دول اوروبا . والدليل على ان هذا الكلام ليس انشائياً ، او متحيزاً للشعب ، انه اتى بتصريحات رسمية على ألسنة عدد من المسؤولين والوزراء ، بمن فيهم رئيس الوزراء . لكن عندما تفشل الحكومة في بعض اجراءاتها المتعلقة بالجائحة ، فانها تُحمِّلها للشعب زوراً وبهتاناً ، وهناك الكثير من الأدلة الأكيدة الصادرة عن الحكومة ، فمثلاً : اخطأت الحكومة عندما لم توقف الرحلات القادمة والمغادرة الى بريطانيا ، للحد من وصول الفايروس المتحور في بريطانيا ، كونه سريع الانتشار ، ويصيب الاطفال ، ونسبة وفاياته اعلى ، مما ادى الى وصوله مبكراً الى الوطن . وها قد وصلت نسبة الاصابات من هذا النوع من الفايروس الى ما يقارب النصف ، في غضون بضعة اسابيع فقط . والدليل الثاني : يتمثل في الاجراءات الصارمة والحدِّية التي اتبعتها الحكومة مؤخراً حيث كان نتاج المقبوض عليهم من المخالفين للاجراءات الوقائية عدداً بسيطاً لا يكاد يُذكر ، ومن المستحيل ان يكون سبباً في هذا الارتفاع الجنوني بعدد الاصابات ، مما احبط الحكومة . وللعلم وحتى لا تعتبر الحكومة اننا شعب مُغفل ، فان عدداً كبيراً تمت مخالفتهم بدون وجه حق : حيث استمعنا الى الكثير ممن تمت مخالفتهم وهم في سياراتهم لوحدهم ، او يسيرون على اقدامهم في اماكن مفتوحة او جالسون في البرية يستمتعون بالربيع ، هل هذا يعني ان الحكومة تخاف ان يعدي الانسان نفسه او زوجته مثلاً !؟ طبعاً الحكومة تتمنى ان لا يتنبه احد من الاعلاميين او الكتاب لذلك .
أجد من الضروري ان اوضح اننا عندما نتحدث عن التزام شعب باكمله في اجراءات معينة ، يجب ان لا نقارنه في التزام المساجين في سجنهم ، ولا في قفص الدجاج ليتم (( كَشّْه )) ونقول له ( بِيِّتْ )) كما كانت تفعل والدتي عليها رحمة الله مع دجاجاتها كل مساء .
لذلك أرى ان تعيد الحكومة الاردنية قرائتها للشعب الاردني العظيم ، وان تتفهم ان المعارضة – لو سميناها معارضة مجازاً – عند الاردني لا تعني العمل ضد مصلحة الوطن ، بل انه يود ان يرفع صوته عالياً لتعمل الدولة على تصحيح مسارها . ولتعلم كل الحكومات الاردنية ان مِن اشد مؤيديها الان هم من كانوا من اشد معارضيها ، مع ان غالبيتهم تم تدجينهم ، لكن البعض ما زالوا احراراً . كما على الدولة الاردنية ان تصحح فهمها للمعارضة وتفهمها على انها : اختلاف في الرأي في ادارة شؤون الوطن هذا في الاوطان الاخرى ، بينما في وطني الحبيب ، فقد دمرت الحكومات الوطن واضاعته . على فكره حكوماتنا ليست غبية ، حكوماتنا خبيثة ، وغالبية اعضائها اما لا ينتمون للوطن ، او انهم ارتبطوا باجندات خارجية تعمل على انهاء الوطن وجودياً .
لتعلم الحكومات ان الخلاف معها هو على كيفية إدارة شؤون الوطن وليس الخلاف على الوطن والمشاعر الوطنية . ليعلم الجميع ان الاردنيين يعترضون على نهج ادارة الدولة ، وتراجع اداء القطاع العام ، وتدمير المؤسسات ، وبيعها باثمانٍ بخسه ، وضياع هذه الاثمان رغم انها زهيدة . الاردنيون يعترضون على ضياع هيبة الوطن ، وحكوماته ، والاستخفاف بمواطنيه . وأن الشرفاء الذين يعارضون نهج الحكومات المدمر ، ضد ترديد شعارات الانتماء الجوفاء ، في الوقت الذي يتم فيه تدمير الوطن ، كما ان الشرفاء ضد الركوع والخنوع والاستسلام . وأختم بقولٍ لسيدنا علي ابن ابي طالب رضي الله عنه : (( لَمْ يَخُنْكَ الأمين ، ولكِنكَ إِئْتَمَنّْتَ الخَائِنْ )) .