صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الحياة عظيمة ، الحياة رائعة ، قيّمة ، غالية ، الحياة حياة ، ليدرك الانسان قيمة الحياة عليه ان لا ينسى ان بديل الحياة او عكسها هو الموت ، لكن من يفرّط فيها !؟ ومن يُقدم على وضع حدٍ لها وإنهائها !؟ من يقرر ان يخسر حياته طائعاً مُختارا ؟؟ بطل الأبطال ، وأشجع الرجال ، يحرص على ان لا توخزه شوكة ، او دبوس ، المرأة التي تخاف من الصرصار ، كيف تقدم على الإنتحار !؟
لماذا تلجأ الدول للإحصائيات !؟ أليس لمعالجة الإختلالات !؟ حكوماتنا الهزيلة تعتقد مُخطئة انها بنشر الإحصائيات تكون قد عملت ما عليها ، وأدت واجبها .. طبعاً فيما عدا الإحصائيات التي تكشف عورتها ، وسوء ادارتها لشؤون الوطن ، فانها تحجبها بإصرار ، خشية من الفضيحة الشعبية ، مثل إحصائية نسبة الفقر ، حيث أعلنت الحكومة في بداية العام انها ستنشرها ، وعمّ الصمت ، الى شهر نيسان ، حيث أعلنت الحكومة انها ستعلنها خلال أسبوعين ، ولَم يمر على وعد الحكومة الا أربعة أشهر فقط ، نعم فقط ، وها نحن بالإنتظار .
أعلنت الحكومة غير الرشيدة ، قبل فترة إحصائية تفيد ، بأن عدد حالات الإنتحار في عام ٢٠١٨ بلغت ( ١٤٢ ) حالة ، وصمتت ، صمت القبور ، وأكثر ، لأن ساكني القبور ربما يناجون ربهم ، ويتواصلون مع الذات الإلهية دون ان نعلم الوسيلة ، تعلمون ماذا يعني هذا العدد من المنتحرين !؟ يعني انه لدينا في الأسبوع الواحد ( ٣ ) حالات إنتحار تقريباً .
الشعب الأردني بعامته شعب متدين ، بغض النظر عن مدى الالتزام باداء الشعائر الدينية ، ونحن شعب ليس لدينا ملحدين ، ندين بديانتين سماويتين الإسلام والمسيحية ، وهما تُحَرِمان الإنتحار ، وإزهاق الروح ، وأتباع الديانتين يعتقدون بان جسد الانسان وديعة ربانية ، يجب المحافظة عليه ، وإحترامه لانه نعمة ربانية . وفق هذه المعطيات ، يتبين ان الإقدام على الإنتحار ، شيء خطير وعظيم ، وبهذا نستنتج ان الدافع للانتحار يكون أقوى من حُب الحياة ، لا بل أقوى من العقيدة .
قبل عقدين من الزمان ، عندما تَحدُث حالة انتحار واحدة ، يحس المواطن الأردني من الرمثا الى العقبة ، بالحزن الشديد ، وكأن الأرض تتزلزل تحت أقدامه ، ويتسائل عن السبب الذي أدى لإزهاق روح جميلة ، راقية ، مقدسة ، من صُنع الخالق العظيم . أما الآن فلم يعد يكترث المواطن ، لانه في بعض الأيام تحدث ( ٣ ) حالات إنتحار في اليوم الواحد ، ولو أدركنا ان المواطن الأردني ليس إنهزامياً بطبعه ، ولا ضعيفاً ، وليس من السهل ان يستسلم ، إذا الخطب جلل ، والمصاب عظيم .
علينا ان نعلم ان السبب الرئيسي لزيادة عدد حالات الانتحار تعود للوضع الإقتصادي السيء ، الذي انعكس سلباً على الوضع الاجتماعي ، وبالتالي تدهور الوضع النفسي من شدة الضغط ، وضيق ذات اليد ، وازدياد حالة العُسر . وهنا لابد من التطرق لبعض أسباب الإنتحار : البطالة ، حيث يجد الانسان نفسه بدون عمل لعدة سنوات بعد تخرجه من الجامعة ، لا يقدر على تحقيق ذاته في عمل ينجزه ويتطور فيه وظيفياً ، ليحقق ذاته ، ويستقل مادياً ، ويكوّن أسرة ، ويعيش حياة طبيعية كباقي الناس ، ومن الأسباب الغلاء ، وانفلات الأسعار ، فمن تورط وتزوج ، وانجب ، يجد نفسه عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته لأسرته ، ثم ضعف القوة الشرائية للدينار ، وعدم حصول زيادة في الرواتب تتناسب مع الغلاء ، مما يخلق حالة من اليأس ، والشعور بالعجز والفشل ، وهنا يكمن الخطر .
عدم الاستقرار الإجتماعي بسبب تردي الوضع الاقتصادي ، وهذا يؤدي الى خلل في العلاقات الاجتماعية ، ويقلب الكثير من العادات المجتمعية ، لا يقوى على مقاومتها الكثير من الناس ، فتكثر حالات الطلاق ، وتتشتت الأُسر ، ويتفتت المجتمع .
حكومتنا غير الرشيدة ، أعلنت إحصائية عن عدد حالات الانتحار ، وغطت في سبات عميق ، ولَم تدرسها كظاهرة ، للتعرف على الأسباب ، وكيفية المعالجة للحد من تلك الظاهرة الخطيرة على بُنية المجتمعات .
هل المنتحر متهور ، او جبان ، او ينقصه الوازع الديني ، او عدم قدرته على مواجهة أعباء الحياة ، او هل هو شجاع ، او هو ضعيف ، لكنه جريء لدرجة الشجاعة على نفسه !!!؟؟؟
إسئلة يفترض ان تكون الإجابة عليها جاهزة الان لدى الحكومة ، لا بل يفترض انها أنهت الدراسة وتعرفت على الأسباب التي أدت الى ان يصبح الإنتحار ظاهرة في مجتمع يعتبر متديناً ، وأنها بدأت بالمعالجة للحد منها . أنا مستعد انتحر اذا عملت الحكومة شيئاً مما ذُكر اعلاه ، مُضحياً بنفسي لأُنقذ أبناء وطني من الإضطرار للإقدام على هكذا فعل شنيع حرمته الأديان . أتضرع الى الذات الإلهية ان ترحمنا بان تنتحر حكومتنا إنتحاراً جماعياً ، لتريحنا منهم ومما نكابده بسبب سوء وعقم وفشل وسطحية سياساتها .