صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
تردى التعليم في وطني ، كما تردى كل شيء فيه . لا بل إن تردي الاوضاع عامة سببها يعود الى تردي التعليم ، والإجحاف بحق المُعلم . فبعد ان كان دخل المعلم من أفضل الدخول ، مما جعل مهنة التعليم مرموقة فعلاً ، كما ارتقت المكانة المجتمعية للمعلم ، فقد كان سيداً في مجتمعه وبيئته ، له هيبته واحترامه ، ويتم تقديمه في المناسبات الاجتماعية ، لا بل كان يُنْظَر اليه في مواقف كثيرة كمصلح اجتماعي ، لانه يحظى بمصداقية اكتسبها مجتمعياً من مهنة التعليم .
كما حظيت مهنة التعليم بشيء من القداسة ، والكثير من الاحترام . الى وصلنا الى ثمانينيات القرن الماضي . حيث بدأ تهميش المعلم . وتسطيح فكر الطلاب ، حتى لا ينتسبوا للاحزاب العقائدية التي كانت سائدة في ذلك الزمان ، حيث كانت تصقل شخصيات المعلمين والطلبة ، لما كانت تتصف به تلك الاحزاب من صرامة وجدية والتزام وتثقيف . مما ادى الى الإطاحة بقدسية التعليم عامة والتي عناصرها الرئيسية تتمثل في المعلم والطالب والمناهج . فتردى مستوى المعلم بسبب تردي دخله . واصبح يبحث عن عمل إضافي ليسد كفاف يومه هو واسرته . وازدحمت الصفوف في المدارس حتى وصلت الى( ٦٠ ) طالباً في الغرفة الصفية الواحدة . واختفت وسائل التعليم المساعدة للمعلم . واصبحت اغلب المدارس تعمل على فترتين : صباحية ، ومسائية . فنتج عن ذلك إنهاك المعلم ، وانشغاله بالعمل الاضافي . الى ان بدأ التردي في مستوى التعليم .
ولان الحكومات ، تجيء ، وتذهب ، بدون استراتيجيات ، ولا خطط ، ولا برامج ، ولا يتم تكليفها وفق برامج محددة بتواريخ انجاز مُلزمة ، وتغادر دون اية محاسبة ، فازداد تسارع انحدار العملية التعليمية برمتها . الى ان تحول خلال العقدين الأخيرين الى التجهيل ، بدلاً من التعليم . حتى جاءت جائحة كورونا ، فزادت الطين بِلّة . وأُجبرنا ، كما غيرنا على التحول الى التعلُّم عن بُعد ، باستخدام المنصات التعليمية الالكترونية ، التي تعتمد على الانترنت . مما استلزم توفير اجهزة كمبيوتر ( لابتوب ) . وهنا بدأ الدمار الشامل للتعليم عن بُعد ، حتى أصبح فعلياً (( بُعداً عن التعليم )) . قد يقول قائل : لماذا !؟ هل وصلت الأمور الى هذه الدرجة من السوء !؟ عندها يصبح لزاماً عليّ ان اوضح بعض الامور : أولاً :— الكثير من القرى النائية ، وكل البدو ليس لديهم كهرباء أصلاً . ثانياً :- الكثير ممن لديهم الكهرباء ، لا يتوفر لديهم الانترنت . ثالثاً :— الغالبية العظمى من المجتمع الاردني ليس لديهم القدرة على شراء اجهزة الكمبيوتر ، بسبب الفقر . رابعاً :- من لديهم القدرة تنحصر قدرتهم بشراء جهازاً او جهازين بالحد الأقصى ، ومتوسط عدد الابناء للعائلة الاردنية (( ٣ )) أفراد ، وقد تصل الى (( ١٢ )) فرداً ، ولتداخل وتزامن مواعيد الحصص المدرسية فان هذا يعني ضرورة توفير جهاز لكل طالب او طالبة ، وهذا يستلزم انفاق الالوف لتوفير الاجهزة التي تلبي احتياجات الطلبة من الاسرة الواحدة ، من أين !؟ خامساً :- التعليم عن بعد ، لا يمكن ان يتساوى مع التعليم الوجاهي ، والتفاعل المباشر بين المعلم والطالب . سادساً :— سادت ظاهرة بان الطالب الذي تتوفر له كل الظروف والمتطلبات بان يفتح الجهاز على المنصة ، ويغط في سُباتٍ عميق . سابعاً :— أصبح الأهل هم الذين يُقدِّمون الامتحانات نيابة عن ابنائهم ، فارتفعت العلامات لتصل الكمال ، وانحدر التعليم ليتحول الى التجهيل . ثامناً :— كيف ، وما هي الآلية التي يمكن ان يتم تعليم طلبة الصفوف الاولى ، من الاول الابتدائي ، الى الصف السادس !؟
إنتشر قبل أيام فيديو لطفل مصري الجنسية ، يتهجأ فيه اسماء الأشهُر ، تصوروا بعد التهجئة كيف يلفظ أسماء الاشهر (( يناير / إنبربر ، يونيو / ينونونو ، يوليو / يولويو ، سبتمبر / سمبتبرل .. الخ )) .
المفكر المغربي / المهدي المنجرة ، قال (( إذا أردت ان تهدِم مُجتمعاً ، إهدم التعليم ، وإذا أردت ان تهدم التعليم ، إهدم المُعلم )) . رئيس وزراء سنغافورة المؤسس / لي كوان يو ، بدأ نهضته بالاهتمام بالمعلم ، والتعليم ، حيث رفع سقوف رواتب المعلمين الى ارقام فلكية في بلد فقير ولا يمتلك اية موارد . رئيس وزراء ماليزيا / مهاتير محمد ، وضع ثلاثة ركائز اساسية للنهوض في ماليزيا : ١) وحدة البلاد . ٢) منع الاقتتال . ٣) النهوض بالتعليم . والأهم ان ديننا الاسلامي الحنيف هو دين (( إقرأ )) .
التعليم عن بُعد ، أربك كل المنظومة التعليمية في المدارس ، وأنهك المعلمين . ما اعظم مكانتك ، ومهنتك ، ورسالتك ايها المعلم ، ضاع الوطن بعد ان اهملناك وضيعناك . حتى أصبح (( التعليم عن بُعد )) ، هو فعلياً ، وواقعياً (( بُعد عن التعليم )) .