صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
الجحود آفة أخلاقية ودينية ، لا بل آفة إنسانية ، إنتشرت في هذا الزمان الرديء ، الجحود فَنٌّ رديء في التملص ، والخلاص ، ونكران الجميل ، وعدم تقديرٍ لمن قَدَّمَ ، وجَادَ ، وأعطى ، ووهب ، وسَانَدَ ، وأسدى ، ووقَفَ ، وأَمَدَّ ، الجحود ضَعّْفٌ في القيم ، وأنانية في الطبع ، وعدم قدرة على العطاء ، وتنصلٌ من الوفاء ، أين النكران من الإحسان !؟
كل إنسان معطاء ، وعنده القدرة على الوفاء ، يكون عرضة للجحود ، الجاحد في أحايين كثيرة يكون حاسداً ، حاقداً ، هو كالسمكة والجمل في آنٍ معاً ، كالسمكة في قِصر الذاكرة وعدم حفظ الجميل ، وكالجمل في الحقد ، ولهذا يوصف الحاقد ، بأنه أحقدُ من جَمل ، حيث يُجهد نفسه لتخزين مبررات وأسباب قد تكون واهية أحياناً، ليصنع ويبرر جحوده او حقده .
الجحود صفة غير نبيلة ، وعلى مجتمعنا دخيلة،
ولدى كلٍ منا عدداً وفيراً من الأمثلة ، على الجحود ، ونكران الجميل او ربما الجمائل ، فما ان تُسدي خدمة لقريب او صديق ، وربما تتمكن من تقديم اكثر من خدمةلنفس الشخص ، وإن تصادف ولَم تتمكن من تقديم خدمة إضافية اخرى ، فلن يتورع ، ولن يتردد في مهاجمتك ، والطعن بشخصك ، والتشهير بك ، بما فيك ، وبما ليس فيك ، وبأقذر الألفاظ ، والتفنن بنكران الجميل ، حتى لربما يعتبرك عدواً ، وكأنه يطلب منك ان تنذر نفسك وقدراتك وعلاقاتك لخدمته ، وانا شخصياً اعرف عن قرب عدة حالات ، تم تقديم خدمات من شخص كان في موقع المسؤولية ، وعَيّن لشخص ثلاثة ابناء ، ولَم يتمكن من تعيين الرابع ، قامت الدنيا ولَم تقعد ، وبدأ بالتشهير به وتشويه سمعته ، وكأنه قد قسّم الأدوار ، بانه عليه خِلفَةُ الأولاد ، وعلى هذا القريب مسؤولية تعيينهم !!!! ويسود الان تعبير غريب ، وهو : ليس في خدمة الاقارب جمايل ، أي على من يقدم خدمة لقريبه ان لا يُحمِّله جميلاً ، أليس هذا تصرفاً غريباً !؟ أليس هذا جحوداً شنيعاً !؟
ومن مهازل القدر ان يصل الجحود الى نكران ما قدَّم الوالدان لابنائهما ، حيث لا يحترمون كِبر الوالدين وحاجتهما للرعاية ، فيزجون بأحدهما او كليهما في ملجأ العجزة ، او يسيئون إليهما ، بدل ان يحترموا كِبرهما ، وحاجتهما للعناية والرعاية والمعاملة الطيبة ، متغافلين ومتناسين قُدسية مكانة الوالدين عند كل الأديان ، وحتى الأعراف والعادات والتقاليد الانسانية النبيلة ، وقد حَصَلت عدة حوادث شنيعة للوالدين في بلدنا ، وصلت بعضها درجة القتل والتعذيب والتشويه ، هل هناك جحودٌ أبشع وأفظع من هذا الجحود !؟ دون الإلتفات الى الآية العظيمة (( وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا ))، كما يحضرني قول جميل للشاعر الكبير محمود درويش (( أحسنوا لمن تحبون ، فإن الشوق بعد الموت لا يُطاق )) .
كل هذه المرارة في الوصف ، لا تعني نكران وجود الأوفياء والمخلصين والمُقَدِّرين و المُثَمِّنين والمُمْتَنِّين لمن يسدي لديهم خدمةً او معروفاً او جميلاً ، والحمد لله ان هذه الفئة السيئة الذكر ، الناكرة للجميل ما زالت قليلة العدد ، محدودة التأثير في مجتمعنا ، وان السواد الأعظم من الناس يكِنون كل الاحترام والتقدير لكل من أسدى اليهم معروفاً ، ولو بنصيحة ، او حتى كلمة طيبة .
ولكن ما يبعث على الخوف ، ان كل جيلٍ تنحدر قيمه درجات عن الجيل الذي سبقه ، مع كل الأسف ، والسؤال : هل من نهاية للانحدار !؟
وهذا ليس خيالاً ، بل من مشاهدات اجتماعيه حقيقية وواقعية.
ما أروع الأنسان عندما يتحلى بالقيم والخُلق القويم ، ويستقيم في تعاملاته ، ويحفظ الجميل لمن أسدى ، ويغض الطرف عمّن قصّر ، وفكر وتدبّر ، وترك سمعة عطرة عند كل إنسان تعامل معه ، وفي كل أرضٍ حلّ بها ، لعله يفوز بالحسنيين ، الدنيا والآخرة . وأختم ببيت من الشعر :
ذَهَبَ الوفاءُ ذَهابَ أَمسِ الذاهبِ ..فالناسُ بين مُخَاتِلٍ ومُوارِبِ .