صراحة نيوز – بعد نصف قرن، ليس ما يشير إلى أن العرب استوعبوا دروسا من حرب 1967. هناك من تعلّم وهناك من لم يتعلّم. هناك خصوصا من رفض الاستفادة من رفضه المشاركة في تلك الحرب.
تمرّ هذه الأيّام الذكرى الـ55 لحرب حزيران – يونيو 1967 التي غيرت المنطقة كلّيا في ضوء احتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة. ردّ العرب على الهزيمة في قمة الخرطوم.
خرجت القمّة باللاءات الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف. عكست تلك اللاءات العقم العربي بأبهى مظاهره، وهو العقم الذي جعل ضابطا ريفيا مثل جمال عبدالناصر يأخذ مصر إلى فخ الحرب التي ورطه فيها النظام البعثي السوري والتي ذهب ضحيتها الأردن.
وجد الملك حسين نفسه، وقتذاك، مضطرا لخوض حرب كان يعرف، سلفا، أنّها خاسرة في ضوء مزايدات جمال عبدالناصر وجهله وتآمر البعث السوري… وتواطؤ الاتحاد السوفياتي. لا يزال اللغز الأبرز في الحرب لماذا لم يفعل الكرملين شيئا من أجل تفادي الحرب وحماية حلفائه، علما أنّه كان يعرف تماما موازين القوى في المنطقة وميلها عسكريّا لمصلحة إسرائيل. سيتبيّن في يوم من الأيّام أن الاتحاد السوفياتي، الذي لم يكن يوما ضدّ إسرائيل، تقصّد هزيمة العرب في تلك الحرب كي يزداد اعتماد مصر وسوريا عليه!
كانت اللاءات الثلاث بين أسوأ القرارات العربية. لا يقلّ مثل هذا الموقف غباء عن قرار رفض الاعتراف بقرار تقسيم فلسطين في العام 1947.
بعد نصف قرن وخمس سنوات، ليس ما يشير إلى أن جميع العرب استوعبوا دروسا من تلك الحرب التي كانت بمثابة كارثة عليهم. هناك من تعلّم وهناك من لم يتعلّم. هناك خصوصا من رفض الاستفادة من رفضه المشاركة في تلك الحرب وتمكنه من المحافظة على أرضه. المعني هنا لبنان الذي امتلك في حينه رئيسا للجمهوريّة اسمه شارل حلو. امتنع شارل حلو، الذي وصف بالرئيس الضعيف، عن دخول الحرب وحال دون احتلال إسرائيل لأي أرض لبنانيّة. دفع لبنان في ما بعد ثمنا غاليا بسبب تحلّي رئيس الجمهوريّة فيه بالحكمة!
مع مرور السنوات، تغيّر كلّ ما في المنطقة العربيّة التي لم يستوعب الحكام فيها معنى ما حصل في العام 1967 وفي السنوات اللاحقة، خصوصا معنى عقد اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل في آذار – مارس 1979.
تبدو الصورة بعد خمسة وخمسين عاما على الكارثة كالآتي: مصر استعادت كل أراضيها بعدما قرّر أنور السادات السير في اتجاه السلام، فيما لا تزال مرتفعات الجولان السوريّة محتلة برغبة من النظام السوري نفسه الذي لم يرد يوما استعادتها. أمّا الضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة، فقد كشفت السنوات التي تلت حرب 1967 أنّ إسرائيل مصممة على بقائهما تحت سيطرتها وتحويلهما إلى أرض طاردة لأهلها.
لعب العرب دورا مهمّا في مساعدة إسرائيل في ذلك عندما اتخذوا، في قمّة الرباط للعام 1974، قرارا باعتبار “منظمة التحرير الفلسطينيّة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”. قطع القرار الطريق على الأردن الذي كان في استطاعته الاستناد، من وجهة نظر القانون، إلى القرارات الدولية لاستعادة أرض كانت تحت سيادته واحتلتها إسرائيل.
عملت المملكة الأردنيّة ما صبّ في مصلحتها عندما وافقت في العام 1994 على توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، وهو اتفاق سبقه حدثان في غاية الأهمّية. أولهما قرار فكّ الارتباط بالضفّة الغربية صيف العام 1988 وثانيهما توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينيّة وحكومة إسرائيل في خريف العام 1993.
غيّرت حرب 1967 المنطقة. قسمتها بين منطقين مختلفين توجد حرب بينهما، خصوصا بعد دخول “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران على خط المتاجرة بالقدس وفلسطين… وبعد سقوط العراق وتحوله إلى “ساحة” إيرانية لا أكثر، بفضل إدارة جورج بوش الابن والجهلة من المحافظين الجدد الذين كانوا يتحكمون به. في السنة 2022 ما زالت المنطقة تعيش في ظلّ آثار حرب 1967 ولكن في ظلّ نتائج حرب العراق للعام 2003 أيضا.
ستتغيّر المنطقة أكثر في السنوات القليلة المقبلة. من اعتقد أنّ في استطاعته المتاجرة بالجولان والاستعاضة عنه باحتلال لبنان، كما فعل النظام السوري، سيكتشف عاجلا أم آجلا أنّه لم يعد من شيء اسمه لبنان ولم يعد يوجد شيء آخر اسمه سوريا. المنطقة كلّها تتفكّك، بما في ذلك العراق، الذي فقد حريّة قراره وبات يتحكم به المنطق الإيراني. تتحكّم المزايدات الإيرانيّة بالعراق على الرغم من كلّ الرفض الذي يظهره الشعب العراقي لهيمنة المنطق الإيراني القائم على إثارة الغرائز المذهبيّة.
يكمن الذكاء لدى الحكّام في القدرة على التعاطي مع الواقع. هذا ما فعله أنور السادات الذي أنقذ مصر ومكّنها من استعادة أرضها المحتلة وثرواتها في سيناء. هذا ما فعله أيضا الملك حسين الذي لم يحافظ على الأردن بعد هزيمة 1967 فحسب، بل استطاع القضاء أيضا على محاولة المنظمات الفلسطينية المسلّحة الهادفة إلى إزالة المملكة من الوجود في العام 1970.
فتح النظام السوري الأبواب أمام المزايدة على أنور السادات الذي عرف كيف يحمي مصر ولم يخض حرب تشرين الأوّل – أكتوبر 1973 سوى من أجل التوصل إلى تسوية سياسيّة. في المقابل، أراد النظام السوري الذي خسر الجولان، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع، الانطلاق من حرب تشرين لتحقيق مآرب أخرى، من بينها وضع اليد على لبنان والقرار الفلسطيني.
ولّد ذلك منطقين عربيين لا يمكن أن يكون هناك أي التقاء بينهما. منطق مصريّ في أساسه وحدة الشعب والتفافه حول المصلحة الوطنيّة لدولة كبيرة… ومنطق نظام أقلّوي يرى في فلسطين غطاء لغياب أي شرعيّة لديه في الداخل السوري بأكثريّته السنّية.
في انتظار سقوط المنطق الأقلّوي، قد تشهد المنطقة مزيدا من الأحداث الكبيرة التي لا تقلّ شأنا عن الزلزال العراقي الذي وقع في العام 2003. سيكون في أساس هذه الأحداث الوضع غير الطبيعي لإيران الساعية إلى الهيمنة على المنطقة عبر ميليشيات مذهبيّة تعرف كيف تدمّر وتزرع الفوضى ولا شيء آخر غير ذلك.