تصادف اليوم الذكرى الثامنة عشر لرحيل المغفور له بإذن الله محمد عودة القرعان أمين الأمة في عصره كما وصفه الراحل العظيم المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه .
والحديث عن سيرة ومسيرة الراحل لا يُمكن اختزاله ببضع كلمات فقد ضرب مثلا فريدا في النزاهة في جميع المناصب التي تولاها ويكفي الإشارة الى موقفه من المال الذي أعمى بصيرة الكثيرين الذين لم يتوانوا عن نهب مقدرات الوطن حين باتوا في مواقع العمل العام فهو بالنسبة له ليس أكثر من ” وسخ أدين “
عاش شريفا صاحب كلمة لم يرضخ للمغريات ولم يُجامل على المصالح الوطنية ولم يُهادن أحدا طيلة حياته لغاية أو مصلحة خاصة .
ولد في الطفيلة سنة 1916م وهي السنة التي انطلقت فيها الثورة العربية الكبرى، وكان والده عودة القرعان معلما في الطفيلة ومن الشخصيات الوطنية والسياسية المعروفة الذي انضم للعمل الحزبي و شكل بتاريخ 25/9/1937م مع مجموعة من الشخصيات الأردنية (حزب الإخاء الأردني ) من ضمنهم رفيفان المجالي ، وموسى المعايطة وسالم عرار ، وحمد بن جازي ، وصالح العوران وحسن العطيوي .
تلقى تعليمه في مدرسة الطفيلة ثم مدرسة الكرك ومنها إلى مدرسة السلط الثانوية وهناك التقى بالعديد من الشخصيات الوطنية على مستوى الأردن ، أنهى دراسته فيها عام 1934م ، وانتقل بعدها إلى دمشق لمواصلة دراسته الجامعية وتخرج في جامعة دمشق سنة 1940م ، وهناك التقى شخصيات وطنية على مستوى الوطن العربي ،ممن كانوا يقاومون المستعمر ويطالبون برحيله .
بعد ان انهى دراسته عاد إلى الاردن وعمل في وزارة المالية و دائرة الأراضي ثم دائرة ضريبة الدخل وبقي فيها حتى عام 1958م ، حيث انتقل إلى وزارة المالية ليعمل وكيلا “مديرا” لدائرة الجمارك.ثم انتقل إلى مؤسسة الإقراض الزراعي مديرا لها وعرضت عليه عدة مرات الحقائب الوزارية الا انها كان يرفض ذلك .
في عام 1983 اصبح عضوا في مجلس الأعيان وبقي كذلك حتى عام 1997 وتميز اثناء عضويته بنقد ما يجب نقده وتقديم الأراء والأفكار التي يعتقد انها في مصلحة الوطن والذي لم يرق للكثيرين من المتنفذين وقد خرج من مجلس الأعيان في عهد حكومة ” زيد سمير الرفاعي ” .
عاش أبو عوده نزيها نظيف اليد لا يحابي ولا يجامل أحدا على حساب أحد حتى لوكان صديقا أو مقربا ، حريصا على المال حرصه على وطنه وأمته ، سيارة الحكومة المصروفة له عندما كان مديرا للإقراض الزراعي ينتهي عملها بانتهاء عمله الرسمي ويودعها في الكراج ، كان يمكن أن يكون ثريا لو مد يده للمال العام وهو على رأس مؤسسة مالية ، يدير أموالها ومشاريعها ، لم يكن له رصيد في البنك ، ولم يكن له ثروة ، ولم يكوّن عصابة لنهب المال العام ، ولم يصنع مؤسسة للفساد في هذا البلد ، وعندما كان وكيلا للجمارك كانت لأحد المسؤولين معاملة جمركية ولم يستطع هذا المسؤول الطلب من القرعان أن يساعده لأنه يعلم نزاهته ونظافته وعدم محاباته ، فكان أن طلب من وزير المالية آنذاك التدخل ، فاتصل بالقرعان وامتثل لأمر الوزير ، ولكن بعد أن استفسر هذا الوزير عن الحل الذي قام به القرعان وهو يعرفه تبين أن صاحبنا قد دفع المبلغ المترتب على المعاملة من جيبه الخاص بعد ان قام بخصم كمبيالة لدى البنك .
جمع المرحوم في شخصيته صفات العدل والصراحة وحفظ الحقوق للموظفين الذين يعملون معه ، دون محاباة أو شللية ، وكان محاربا شرسا للفساد والمفسدين .
ومما روي عنه انه وحين كان بعض الموظفين في الدولة يعتقلون لأسباب سياسية في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات وكان المسؤولون عنهم في المؤسسات الأخرى يفصلونهم من العمل دون انتظار للقرار النهائي من المحكمة إلا الموظفين الذين يعملون في المؤسسة التي يكون القرعان مسؤولا فيها ، فقد كان ينتظر حتى يفرج عنهم فيعيدهم إلى وظائفهم السابقة مع صرف رواتبهم كاملة وكافة مستحقاتهم المالية.
شارك القرعان في العمل السياسي منذ أن كان في مدرسة السلط التي كانت مسرحا للنشاط السياسي والعمل الحزبي وقد ساهمت هذه المدرسة في تشكيل الوعي السياسي لدى القرعان فكان لقاءه بالرموز الوطنية هناك، وفي دمشق درس الحقوق في جامعتها ،وتخرج فيها عام 1940م وهناك كان نضوج تجربته السياسية حيث كانت هذه الجامعة ملتقى الوطنيين والأحرار العرب من مختلف البلاد ، وكانوا قد اجتمعوا على محاربة المستعمر الفرنسي والبريطاني ، وتشكلت هناك حركات التحرر والمقاومة والمعارضة لكل مخططات المستعمرين وخلال دراسته في دمشق كان الطلبة الأردنيون في سوريا ولبنان ومصر على تواصل دائم ،وقد تداعوا في ايار من عام 1937م إلى عمان ، وعقدوا مؤتمرا حضره طلبة الثانوية العامة في الأردن وهم من مدرسة السلط الثانوية واختار المؤتمرون محمد عودة القرعان ليرأس المؤتمر وخرج المؤتمر ببيان سياسي يعكس المستوى السياسي الرفيع للطلبة في هذا السن وكانت مطالبهم ما يلي :
تعديل المعاهدة البريطانية الأردنية وقبول الأردن دولة في عصبة الأمم المتحدة وتأليف حكومة أردنية دستورية مسؤولة أمام المجلس التشريعي واستنكار الحركة الصهيونية ووجودها في فلسطين والاحتجاج على قرار تقسيم فلسطين .
وبعد أن عاد القرعان إلى الأردن انضم إلى صفوف المعارضة الأردنية التي كانت يتزعمها د. محمد صبحي أبو غنيمة ،وكان معه عدد كبير من الشخصيات الأردنية التي كانت تطالب بإلغاء المعاهدة البريطانية ،والوقوف ضد الوجود اليهودي في فلسطين وواصل محمد عوده القرعان العمل السياسي وحاول مع أحمد التل وشفيق ارشيدات وسليمان النابلسي وأمين الخصاونه وغيرهم من أعضاء الحركة الوطنية الأردنية تأطير حركتهم الوطنية في شكل حزب سياسي أطلقوا عليه اسم (الحزب العربي الأردني)وقد تقدموا بطلب ترخيص لتأسيسه في 7/6/1946م ، وعندما قدم طلب الترخيص رفض مجلس الوزراء ترخيص هذا الحزب والموافقة على تأسيسه .ولكن المؤسسين لهذا الحزب رفضوا عدم الترخيص واعتبروا الحزب قائما واختاروا د. محمد صبحي أبو غنيمة رئيسا له .
لم يتوقف القرعان عن العمل السياسي ففي عام 1952م أسس مع حمد الفرحان ونجيب الرشدان وعبد الوهاب المجالي ومجموعة من الشخصيات الأردنية حركة القوميين العرب . وكان على اتصال مستمر فيما بعد بوصفي التل وعبد الوهاب المجالي ود. عبدالسلام المجالي وإبراهيم القطان ،وغيرهم من الشخصيات الأردنية .
تم تكريمه رحمه الله بمنحه وسام النهضة من الدرجة الثانية ووسام الاستقلال من الدرجة الأولى وقد رحل الى الرفيق الاعلى في اليوم الثالث عشر من شهر شباط من عام 2003 تاركا ارثاَ خالدا من المجد والسمعة الطيبة والنزاهة والامانة قل نظيرها .