صراحة نيوز – بقلم فارس الحباشنة
و أخيرا، أعلن رئيس الحكومة عن تشكيل الحكومة . و يبدو أن الرزاز لم يعد يعرف بوصلته . حكومة حائرة و تائه ما بين وزراء الحكومة السابقة من لا يرغبون في ترك كراسيهم ، و بين حكايات تقال بصوت حفيف بان كهنة الغرف المغلقة سلموا الرزاز صباح اليوم الخميس قائمة الوزراء .
رواة الجلسات الخاصة يتناقلوا حكايات ظريفة عن تشكيل الحكومة ، و تفاصيل مثيرة للسخرية ، فكل الشخوص الذين استدعائهم الرزاز للتشاور لم يجري اختيار أحد منهم ، وحتى أن رجائي المعشر جاء تعيينه بنصحية و توصية من جهة غامضة .
الرزاز تفاجيء اليوم بأسماء الوزراء ، وحتى انه حينما تسلم القائمة نطق بجملة اعتراضية ” لاحول ولا قوة الا بيد الله” قالها : بواسع من الحسرة ، عندما وجد أسماء 15 وزيرا من الحكومة المخلوعة ، ووزير يحتفظ بحقيبتين أثنتين من الوزن الثقيل : البلديات و النقل ، وموسى المعايطة بقى محتفظا بوزارة الشؤون البرلمانية . جملة أعتراضية لمن يقولها الرزاز ولكن سيأتي يوما يبوح بها دون مواربة ” أشيء بجعل العاقل يمزق أواعيه ويطلم على رأسه” .
تشكيلة حكومية بلا طعم ولا نكهة ولا لون سياسي . الكاهل القاسي رجائي المعشر نائب رئيس الحكومة سيهندس ثقة النواب بالطول والعرض ومن فوق الطاولة وتحتها ، فهو خير خبير و عليم في نفوس الأردنيين ، وبالأخص أهل السلطة ، ولا تنسوا أن الرجل رئيسا لمجلس أدارة البنك الأهلي ، ومن هوامير البزنس في البلد .
تشكيلة حكمت على الحكومة بموت سريري بطيء . تشكيلة على مقاصة بنكية وجهوية وفئوية . 10 وزراء من أربد و 5 وزراء من أصول شامية و 6 وزراء سلطية ، و 4 وزراء من البنك الاهلي ،والاخيرة هوية تعويضية بديلة عن فقدان الرزاز للبوصلة .
حكومة على مقاسات ، يبدو أنها ستظهر خسارة قاسية جدا للبعض ، وخسارة ممكن تحملها مرحليا للبعض الأخر ، و خسارة غير قابلة للتعويض لقسم ثالث . وهي خسائر أصحابها يجروون بلا شك مراجعات ، وبعضهم ضرب رأسه في الحيط بعد الحيط الأول .
ومن يدخل الى كواليس حكومة الرزاز ، يندهش من التفاصيل ، وثمة روح غريبة تسكن الدوار الرابع . و لربما أن الرزاز قد يكتشف في عطلة العيد ما وقع من خديعة ومكر وغدر . فالرجل لا أقل ولا أكثر من موظف أتسع فراغه ، فلا هو كاريزما ولالديه مشروع و نهج ، ولكنه بالنسبة للجماهير قد خان الوصاية والأمانة الشعبية قبل أن يبدأ .
كم أن الشعب الأردني مغدور و ضحية ؟ أساطير عاطفية تفجر كوميديا ، أذ لو كانت كل الفرص السياسية متاحة فلا يصلح للرزاز أن يكون رئيس الحكومة الذي جال في وجد وخيال الأردنيين كاسطورة ومخلص ومنقذ ، فلا يصلح لأي مناسبة بعدما أعلن عن تشكيلة حكومة منتهية الصلاحية .
كوميديا بيضاء وسوداء ، حكومة بلونيين ، فلو تضع خطا رفيعا بين الفريق الوزراء لادواء القسم لهاني الملقي ، و خطا رفيعا موازيا لادواء القسم للبنك الاهلي . الرزاز لم يعرف أن يكون مضمد جروح للأردنيين و يا حسرتي ، حتى أنه لم يعرف كيف يصنع أملا ويبدد خوفا و يزرع سكينة و قليل من الثقة .
تركيبة وتشكيلة حكومية عجيبة و غريبة . حكومة بلا سياسيين ، وحكومة تنفيع و تلزيم لأصدقاء ومحاسيب و أقارب وما شأكل ، حكومة بلا صلاحيات و تنفذ . حكومة قديمة ، والجديد رئيس الحكومة ، غيرت ولم تتغير ، شرعيتها من هاني الملقي والبنك الاهلى ، خلطة غريبة وعجيبة ترضى بعض السحرة وأهل الكنهوت ، ولكنها تفجر غضبا جديدا في الشارع الاردني .
ورثة الكراسي وحيث المعرفة والسلطة تسيران من أعلى الى اسفل ، والترتيبات كلها تدار في الكواليس المغلقة ، أو وفق مساحات وقوائم يحددها الكهنة خلف ستارهم الغامض والسحري .
هبة أيار ، وستعود في حزيران ، فهي نقطة أرتكاز جديدة في السياسة الأردنية ، عندما تبدأ الديمقراطية الشعبية من أسفل الى أعلى . فالحراك حرر علاقات تقليدية قديمة ، وفجر قوة في المجتمع ، وغير أنها مازلت في مرحلة الطفولة ، والتكون الأول بلا تجارب وخبرات ، وكلما زرع غرس يتم التأمر و الاعتداء عليه لازالته ومحموه .
انها لحظة صراع ما العقل القديم يريد أعادة كل شيء على موديله الجاهز ، وهو العقل الذي أختار رجائي المعشر ، وما بين عقل جديد أميل الى تفكيك الموديلات و الاصنام والهوامير والديناصورات من الأبدين والخالدين في السلطة .
تاريخ الاردن ، ومواصفات رؤوساء الحكومات ، لا توحي بأمكانية تغيير و أصلاح حقيقي . لذلك ، على الارجح سنكون أمام جولات من الانفعال والغضب الشعبي ، في مواجهة منظومة بمصالحها التقليدية القائمة منذ فجر ولادة الدولة الاردنية .