صراحة نيوز – انتقدت الزميلة الكاتبة سهير جرادات التوجه الحكومي لتقديم مقترحات تهدف الى تعديل قانون الجرائم الالكترونية .
وقالت في مقالة جديدة لها بعنوان ..( الحرية لا تليق بنا ) ان “حوصلة الحكومة ضيقة ” ، لا تتحمل النقد، أو أن يواجهها أحد بخطئها ، وتسعى بكل جهدها للتحكم بالأصوات الصادرة من هنا وهناك ، لتحمي نفسها من خلال وضع قوانين تضمن سكوتنا؛حتى لا يصلها صوت الحق ، وإجبارنا على اسماعها ما تريد سماعه .
نص المقال
الحرية لا تليق بنا
فجأة ، ودون أي مقدمات ، قررت الحكومة أن الحرية لا تليق بنا ، وباشرت بوضع تعديلات مقترحة على قانون الجرائم الالكترونية ، للتستر على الفاسدين وعدم ازعاجهم في تداول أخبارهم ، لضمان بيئة ملائمة لهم للتطور والازدهار والتوسع في عالم الفساد ، وحمايتهم من أن يُفتضح أمرهم ، إلا في حالة واحدة فقط ، إذا أرادت الحكومة أو كان في نيتها افتضاح أمر هؤلاء الفاسدين ، أو أن تكشف عن قضية فساد وهوية مرتكبيها .
وهبت الحكومة هبة رجل واحد للقضاء على ذلك العالم الافتراضي، الذي وجد فيه المواطن ملاذا له ليتنفس من خلاله ويعبر عن حالة الضيق التي ترافقه جراء حالة الغلاء التي نشهدها من ارتفاع الأسعار وما يرافقها من ارتفاع في مستوى المعيشة ، إلى جانب حالة الكبت التي تلازمنا بسبب تفشي الفساد وغياب العدالة .
لتظهر هذه التعديلات المقترحة أن : “حوصلة الحكومة ضيقة ” ، لا تتحمل النقد، أو أن يواجهها أحد بخطئها ، وتسعى بكل جهدها للتحكم بالأصوات الصادرة من هنا وهناك ، لتحمي نفسها من خلال وضع قوانين تضمن سكوتنا؛حتى لا يصلها صوت الحق ، وإجبارنا على اسماعها ما تريد سماعه .
صحيح اننا شعوب عربية ـــ اثبتنا مع حداثتنا بالحرية ـــ أنها لا تليق بنا ، لأن بعضنا أساء استخدامها ، والأخطر من سوء استخدامها هو الإكراه والإجبار على الصمت ، من خلال قوننة آلية لتكميم الأفواه”؛ لاعتقاد الحكومة أن أضرار فقدان منبر الحرية أكثر بكثير من تركه مفتوحا أمام المواطن ..
ولاحظنا كيف هبت الحكومة هبة رجل واحد للقضاء على ذلك العالم الافتراضي، الذي وجد فيه المواطن ملاذا له ليتنفس من خلاله ويعبر عن حالة الضيق التي ترافقه جراء حالة الغلاء التي نشهدها من ارتفاع الأسعار وما يرافقها من ارتفاع في مستوى المعيشة ، إلى جانب حالة الكبت التي تلازمنا بسبب تفشي الفساد وغياب العدالة .
وتجاهلت الحكومة أن المشكلة لا تكمن في القوانين المقيدة للحريات ، بل في الاكراه على الصمت ، والكبت المكره على ايصال صوت الاعتراض على هذه الأفعال والسكوت عنها ، متناسية أن ذلك سيولد الانفجار في حال اتسعت دائرة الفساد ، رغم أن الحديث عن قضايا الفساد والفاسدين في أغلب الأحيان لا يُغير من الواقع شيئا.
لا يختلف اثنان على أن عملية ضبط الأصوات النشاز وغير المسؤولة التي تعتمد على الإساءة لغيرها، وتعمل على تشويه سمعتهم عن طريق تداول الاشاعات والأكاذيب ، وما يرافقها من عمليات اغتيال للشخصية وبث الكراهية، جعل ضبطها مطلبا مشروعا ، إلا أن وضع مواد “مطاطة وفضفاضة ” في مشروع القانون تجرم الصالح “بعروى” الطالح ، وتغلظ العقوبات التي تسمح بتوقيف الصحفيين وحبسهم، والتي يرفضها سيد البلاد كما أكد في أكثر من موقف .
إلى جانب أنه يبث في النفوس أن وضعها جاء للتستر على الفاسدين وعدم ازعاجهم في تداول أخبارهم ، لضمان بيئة ملائمة لهم للتطور والازدهار والتوسع في عالم الفساد ، وحمايتهم من أن يُفتضح أمرهم ، إلا في حالة واحدة فقط ، إذا أرادت الحكومة أو كان في نيتها افتضاح أمر هؤلاء الفاسدين ، أو أن تكشف عن قضية فساد وهوية مرتكبيها .
في ضوء اللقاءات التي جمعتني في مناسبات مختلفة مع عدد من النواب والأعيان ، فإن القاسم المشترك للحديث معهم، كان حول التعديلات التي سيشهدها قانون الجرائم الالكترونية ، وركزت آراء الأعيان على حث الاعلام للتصدي لهذا القانون وبالتحديد للمادة 11 منه ، وإيصال وجهات نظرهم حول حرية التعبير إلى مجلس الملك، فيما ذهب النواب إلى التعليق على الأخبار المغلوطة والشائعات التي يتم تداولها في المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي عنهم ، وتغتال شخصياتهم ، وأنهم شرعوا في رفع قضايا على منشورات ضدهم في مواقع التواصل ، حتى بدأنا ندخل في حوار عقيم حول التفريق بين الاعلاميين الحقيقيين وأشباه الاعلاميين والدخلاء على المهنة .
وفي حال استمرت الحكومة في خطوتها ، وفي ضوء تلاقي مصالحها وأهدافها مع مجلس النواب، وكتب لمشروع قانون الجرائم الالكترونية ،وخاصة المادة (11) منه أن يرى النور ، فانها تكون بذلك قد قضت على ما حققناه من حريات ، وستدفعنا الى التراجع خلفا خطوات كبيرة ، وتحولنا إلى بيئة خصبة تتسع فيها وتنمو رقعة الفساد وحماية الفاسدين ومصالحهم.