صراحة نيوز – تصادف غدا السبت الثالث من حزيران الذكرى السادسة والثمانون لوفاة الشريف الحسين بن علي، طيب الله ثراه، المنقذ الأعظم وقائد أول ثورة عربية كبرى في مطلع القرن العشرين، التي استهدفت تحرير الأرض والإنسان وتأسيس الدولة العربية الواحدة المستقلة.
ولد الشريف الحسين بن علي في إستانبول عام 1852 أثناء وجود والده هناك، وتلقى علومه الأولى فيها ليعود إلى مكة وينشأ فيها على العروبة وقيم الإسلام، فبرزت مواهبه وتوجهاته التي تدعو إلى التخلص من الحكم الأجنبي وتحقيق الاستقلال العربي، فكان أن نفي النفي الأول عام 1893 إلى إستانبول ليمكث فيها حتى عام 1908 فيعود أميرا على مكة يدير شؤون البلاد بعدالة وحكمة، وهو يتطلع إلى الاستقلال العربي التام الذي كان يعمل من أجله.
وحين واتت الظروف لإعلان الثورة العربية الكبرى، خاصة بعد نجاح سمو الأمير فيصل في مسعاه مع الأحرار العرب في دمشق وغيرها، أطلق الشريف الحسين طيب الله ثراه، رصاصة الثورة العربية الكبرى يوم العاشر من حزيران من عام 1916، معلنا بدء العمليات العسكرية بقيادة أنجاله الأمراء علي وعبدالله وفيصل وزيد، التي تقدمت وهي تحقق الانتصارات التي توجت بتأسيس الدولة العربية الأولى في سورية ومن ثم العراق ومن ثم كانت الدولة الأردنية.
والشريف الحسين بن علي، طيب الله ثراه، كان ثابتا عند مواقفه حازما خاصة حين الحديث عن فلسطين والقدس، وقد رفض كل المعاهدات والاتفاقيات التي لا تنص صراحة على عروبة فلسطين والقدس.
وكان الشريف الحسين بن علي، قدم تبرعا سخيا لإعمار المسجد الأقصى عام 1924 جاوز ثلاثين ألف ليرة ذهبية، والذي جاء في فترة دقيقة حين كانت جدران المسجد الأقصى وسقوفه تتعرض للتلف.
ويستذكر أهل فلسطين والمجلس الإسلامي الأعلى في القدس هذا التبرع والإعمار، خاصة بعد حدوث الزلزال المدمر عام 1927، والذي لولا لطف الله أولا والإعمار الهاشمي وترميم الأقصى لحدث ما لا تحمد عقباه.
وتعرض الشريف الحسين بن علي للنفي من جديد عام 1926 ونقل إلى قبرص ليقيم فيها، لكنه عاش فترة حياته هناك ملكا قائدا لا ينقطع عن التواصل مع أعيان الأمة يزورونه ويستذكرون مجده، وهو يواصل خدمته للأمة، وكان على علاقة وثيقة مع المجتمع المحلي، كما تبرع الشريف الحسين في قبرص لإعمار الكنيسة الأرمنية فيها.
والشريف الحسين بن علي الذي أراده العرب قاطبة قائدا لثورتهم وحمل مشعل الحرية وناضل بصدق وإخلاص لا يبتغي غير مرضاة الله سبحانه وتعالى، نستذكر سيرته العطرة التي تشكل تاريخا مجيدا ناصعا وصفحة عز في تاريخ الأشراف العرب وقادتها المخلصين.
فقد توفاه الله في مثل هذا اليوم من عام 1931 في عمان في قصر رغدان، وأبى أعيان القدس إلا أن يكون سكين الأقصى في المدينة التي أحبها وتبرع لإعمار مسجدها وأخلص لقضيتها، فينقل الملك الثائر يوم الرابع من حزيران إلى القدس ليوارى الثرى في المسجد الأقصى وكأننا مع جلالته، رحمه الله، نردد قوله المشهور الذي أفصح به حين نفيه الثاني “مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها”، ونستذكر قول العرب في جنازته الشهيرة العظيمة من القدس حين كانوا يرددون “أيها المولى العظيم فخر كل العرب، ملكك الملك الفخيم ملك جدك النبي”، وقد رثاه الشاعر العربي الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة طويلة مطلعها “لك في الأرض والسماء مأتم قام بها أبو الملائك هاشم.. عبرات الكتاب فيها جوار وعيون الحديث فيها سواجم.. قعد الآن للعزاء وقامت باكيات على الحسين الفواطم”.
ولا تزال تتجدد في آل هاشم روح النهضة وعزيمة البناء وخدمة الأمة، فتنتقل الراية من كابر إلى كابر تتعزز رفعة وشموخا، ترتفع في الإنجاز الموصول الذي يتعزز اليوم بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في المملكة الأردنية الهاشمية، فتكون خطوات التقدم والإعمار والاهتمام بإرث الأجداد وإيلاء القدس ومنبرها العظيم الاهتمام الخاص والتوجه لخدمة قضايا الأمة العربية والاهتمام بالإصلاح والتنمية الشاملة في الأردن والتوجه للاستثمار في الإنسان تدريبا وتأهيلا وتعليما، والتأكيد على قيم الإسلام السمحة التي تحترم الإنسان وتنبذ العنف والإرهاب والدعوة للحوار للوصول إلى العالم الذي يخلو من المخاطر، كل هذه إنما هي توجهات ثابتة اختطتها القيادة الهاشمية منذ فجر النهضة العربية الكبرى وتمضي قدما في ركب البناء والتطوير والتحديث نحو المستقبل الأفضل.