الصحافة الورقیة وفرص البقاء

15 أغسطس 2019
الصحافة الورقیة وفرص البقاء

صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات

 

العلاقة بیني وبین الصحافة قدیمة جدا فقد شاركت ومنذ أن كنت طالبا في الصفوف الابتدائیة في بیع الصحف خلال العطل الصیفیة والفصلیة.

 

كان ذلك قبل ولادة المؤسسة الصحفیة – الرأي بسنوات فقد كانت جریدة الصباح والدستور الصحیفتین الاوسع انتشارا في نھایة الستینیات من القرن الماضي.

 

 في تلك الایام كنا نفرد الصحف على ارصفة الشوارع ویقف بعض الفضولیین ممن لا یرغبون في شراء الصحیفة لتصفح العناوین قبل وصولھم الى مكاتبھم واعمالھم.

 

لاستثارة ھذه الفئة من القراء كنا نختار بعض العناوین المثیرة وننادي بھا بأعلى صوت مما قد یدفع ھؤلاء القراء لشراء الصحیفة التي كنا نبیعھا بـ20 فلسا

 

. الصحافة ورؤساء التحریر كانوا شدیدي الحرص على حشد اكبر عدد من العناوین المثیرة في الصفحة الاولى.

 

اخبار الدولة والسیاسات العامة تتقدم على كل الاخبار تلیھا الاخبار العربیة والدولیة التي غالبا ما تطبع باللون الاحمر.

 

غالبیة القصص تشتمل على عناصر الخبر ویجري تقدیمھا بقوالب جذابة حیث تستخدم الصورة والعنوان كعناصر للجذب ویعطي للقصة حیزا لا یسمح بنشر اكثر من بضع كلمات قبل ان تظھر عبارة“ البقیة على الصفحة رقم

 

…“. كنتیجة لھذا الاخراج وحاجة القارئ الى الاخبار ومصداقیة وحرفیة الوكالات والكتاب والمحررین كانت قراءة الصحیفة عملیة وطقسا لا یخلو من المتعة والتسلیة واشبه ما یكون بالاستعراض الاكروباتي الذي یقوم بھا اللاعب المحترف ھذه الایام فتجد القراءة عملیة طویلة یتخللھا منظر تقلیب الصفحات لمتابعة الخبر او القصة وخشخشة للاوراق وحدیث مع من یحیطون بمن استحوذ على الصحیفة او انتزع بعض صفحاتھا لقراءة اسماء الاموات او لحل الكلمات المتقاطعة وقراءة الابراج.

 

الطقس الیومي الذي كان یمارسه الناس في الشارع والمكتب وعلى طاولات المقاھي وبرندات البیوت العمانیة لم یعد موجودا الیوم.

 

فقد حلت المواقع الاخباریة مكان الصحف وتجمدت الصحافة عند المراحل الاولى لوجودھا دون جھود او مبادرات كافیة للتطویر والتجدید وكسب الجمھور.

 

في حالات كثیرة انزلقت الصحف واصبحت تعتمد في ما تنشره على الاشاعات والاقوال غیر الموثقة مما افقدھا الكثیر من مصداقیتھا وسمعتھا التي اسست لھا اجیال من الرواد.

 

في بلدان اخرى استفادت الصحف الورقیة من ثورة المعلومات والاتصالات فقد كّرست الكثیر من الوقت والجھد لإعداد قصص وتحقیقات وحوارات معمقة تصل الى ما لا تصل له الوسائل الاخرى وتشكل قاعدة یعود لھا القراء والمحللون وتشكل مرجعیة یمكن العودة لھا من قبل الباحثین والمقررین.

 

 مع كل المنافسة القائمة بین وسائل الاتصال والصحافة ما تزال النیویورك تایمز والواشنطن بوست والاھرام مصادر مھمة للمعلومات والتوثیق كونھا ترتبط بمراكز دراسات واستطلاعات قادرة على دراسة وفھم وتحلیل الواقع وملتزمة بمنھجیة صارمة في التحقیق والمتابعة للاحداث والقضایا العالمیة بعیدا عن التبعیة والانحیازات التي تقع فیھا الصحافة غیر المستقلة في بلدان العالم النامي.

 

الصحافة الورقیة التي كانت المصدر الاول والاھم للاخبار والقصص والتوعیة والتثقیف تعاني الیوم من تحدیات تتجاوز قدرتھا على التكیف.

 

في مجتمعات تعاني الكثیر من الازمات الاقتصادیة والتجاذبات السیاسیة تجد الصحافة الورقیة نفسھا عالقة بین خیار الالتزام بالمعاییر المھنیة والاخلاقیة او الدخول في لعبة السبق الاخباري على حساب الدقة والموضوعیة والمعاییر المھنیة

الاخبار العاجلة