صراحة نيوز – بقلم الدكتور عديل الشرمان
لا يخلو مجلس من مجالسنا من حديث عن الإصلاح والتغيير، حتى بات همّنا، ومبلغ علمنا، وفيه مصيرنا، والكل يريد إصلاح الحال، فمنذ عقدين من الزمن أو أكثر والمواطن الفقير، وميسور الحال، والسياسي والقائد والمدير والوزير حتى المقمط والذي في السرير يريد الإصلاح والتغيير، وبات كل الشعب يريد، وإذا الشعب عقودا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، لكن الليل لم ينجلي، ولا القيد إنكسر، وكأنه حلم وقد إندثر، وصرنا نبحث عن الفاعل المستتر الذي أسقط اليمامة المسكينة من أعلى الشجرة.
كما يقولون المجالس مدارس، وأنت تجلس مستمعا لحديث الحاضرين، آراء الناس متباينة حول سبل الإصلاح، لكنّ معظمهم متفقون على أن البلد يمر في ظروف صعبة تهدد أمنه واستقراره، إلا قلة من الحاضرين الذين يملأون الجو تفاؤلا وهم يمتدحون السياسات ويعظّمون الإنجازات، ويؤلهون أصحاب القرارات.
ذلك الجالس بأدب وخشوع، وكله خنوع، والعالم الجليل، والذي كان يرمي الوطن بحجارة من سجيل، فقد انبرى للدفاع عن حالنا بالتبجيل، ويحمد الله على نعمه لدرجة تظن أن إسمه قد ورد في القرآن والإنجيل… معذور فقد تم تعيينه للتو في منصب قيادي، وبات جزء من منظومة الفساد وأصحاب القرار.
وفي مداخلة لآخر وقد بدا لك وقاره، وكلامه المهذب الرتيب، وكأنه في الحاضرين خطيب، وهو ما زال يردد أن الوطن بخير حتى تظن أنه سيرثه أو سيورّثه… أيضا صاحبنا معذور فقد كان رئيسا لأحد الأجهزة أو المؤسسات الحكومية، وعضوا في مجالس عدد من الشركات، وهو عين سابق، ووزير محتمل لاحق، مسكين ليس له شركات، ولا يعيش إلا على الفتات مما يتقاضاه من رواتب وامتيازات.
أما ذلك الذي استشاط غضبا دفاعا عن الوطن، وقد عبس بوجه متحدث فقير أعمى، فهو أحد اللاعبين الذي أجاد فن المراوغة من خط الدفاع ليتسلل من خلف الصفوف إلى مواقع السلطة بغير حق، وتسلل معه كثيرون من المقربين فأغرقوا مرمى الخصم بالأهداف حتى تمزق شبك المرمى.
أمثال هؤلاء هم الفاعلون المستترون الذين أنتجوا أوضاعا أكثر بؤسا، وفاقموا من حالة الكبت والاحتقان لدى شريحة كبيرة من المواطنين، ولا يرون في الاصلاح الحقيقي صلاحا لهم، لأنه سيحبط أعمالهم، ويحيط بأموالهم، ويبدد مخططاتهم، وينال من مكتسباتهم.
أمام هذا الحال، لا يعتقد الكثيرون بأن الاصلاح والتغيير المرجو سيكون جادا بحجم الأماني والطموحات، ولا يتعدى حسب ظنهم أنه جرعة من لقاح غير فعّال، وعملية استبدال واعادة احلال وجوه جديدة بأخرى قديمة ذات عقلية عقيمة وعديمة القيمة تعيدنا إلى الوراء وتفقدنا الثقة بإمكانية التغيير، وتصيبنا بالإحباط لإقناعنا باستحالة الاصلاح، ولتبرهن لنا أن العيب فينا، وليس بمتخذي القرار.
الإصلاح لن يتم من خلال اولئك الذين يصرّون على الجلوس بمحاذاة النافذة ويطلّون على غيرهم من أبراج عاجية مرتفعة ولا يعرفون تفاصيل الطرق الصعبة المتعرجة التي يسلكها المواطنون، والاصلاح لا يتم بفكر منتهي الصلاحية، ولا بعقول متحجّرة مشبّعة بالأنانية وحب الذات، وصلت حد الشبع من الأكل الخمط، لا تجيد إلا دقّ الطبول، ولا من خلال أشخاص ذوي تاريخ ملوث، ولا بأيد ملطخة بالفساد والاعتداء على أموال العباد، بل يحتاج الى أياد بيضاء تسر الناظرين، يفعلون ما يقولون، وليس بما يؤمرون.
فهؤلاء المشبّعون والمشبعون بتشديد الباء تارة وفتحها تارة أخرى، والمأمورون لا يجيدون إلا العزف والدقّ على الأوتار الممزقة، وهم اشد ّ براعة في قرع الطبول والمزمار في حضرة صاحب القرار، وعزف الحان التملق والرياء والتي باتت جزء من ثقافتهم متخذين من الوطنية والقلم غطاء للعقلانية الزائفة، يظهرون همهم وخوفهم على الوطن ومنعته وأمنه، ويخفون خوفهم على مكاسبهم ومناصبهم الباطلة، ولا خير في كثير من نجواهم، ومخطئ حد الاستخفاف بالعقول من يظن أن يستقيم حال الوطن بوجودهم في ساحة الاصلاح الذي فات أكثر من عقدين من الزمن على استحقاقاته حتى تحوّل إلى ورقة لعب بالوقت، وأماني في أحلام اليقظة.
الحديث عن لجان الاصلاح قد يصيب الاصلاح في مقتل، فيقتل المقتول، فكم من لجان ذهبت نتائجها أدراج الرياح، وباتت حبرا على ورق، فالخلل ظاهر للعيان، ومواطنه مكشوفة، ويستطيع المواطن البسيط أن يؤشر إليه بوضوح، ولا يحتاج الاصلاح والتغيير أكثر من قرارات وإرادة سياسية، ولا ضرورة برأيي لإضاعة الوقت وتكبد النفقات لتنتهي لجان الاصلاح إلى نتائج وتوصيات تعيدنا إلى المربع الأول، وهي نتائج وتوصيات معروفة لدى الجميع، وتعلمها الأجهزة المعنية بالمراقبة والمساءلة، هذا إلا إذا أردناه تنفيسا لحالة الكبت والاحتقان، أو أن يتفرق دم قرارات لجان الاصلاح بين القبائل فتتحملها كافة أطياف المجتمع، ولا نعود نخشى لومة لائم.