قبل أسابيع قليلة، أدانت محكمة أميركية أما بارتكاب “جريمة قتل من الدرجة الأولى” بسبب اتباعها نظاما غذائيا نباتيا مع طفلها، مما تسبب في تجويعه وإصابته بسوء التغذية والجفاف ثم وفاته.
وقبل أن نكمل قصة هذه الشابة مع أطفالها، ستدفعنا هذه القصة للتساؤل عن مدى صحة توجه بعض الأهالي إلى اتباع أنظمة غذائية نباتية، وترويجهم إلى صيحة اتباع هذه الأنظمة الغذائية مع أطفالهم من سن مبكرة، تبدأ بعد الفطام مباشرة.
ويطرح هذا التقرير تساؤلات مثل:
هل اعتماد الأطفال على البروتين النباتي يغنيهم عن البروتين الحيواني؟ وهل النظام الغذائي النباتي أفضل للطفل من غيره؟ وإلى أي مدى يحتاج الطفل إلى البروتين الحيواني ضمن نظامه الغذائي في مراحل تكوينه ونموه الأولى؟
سجن أمّ مدى الحياة
قضت محكمة في ولاية فلوريدا الأميركية بالسجن مدى الحياة على أم (39 عاما) بتهمة قتل ابنها (18 شهرا) عمدا، والتسبب في معاناة إخوته الأكبر سنا من سوء التغذية الحاد، وذلك نتيجة اتباعها نظاما غذائيا نباتيا للأولاد اقتصر على الفواكه والخضراوات النيئة.
ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، اتهمت الأم شيلا أوليري وزوجها رايان أوليري بإساءة معاملة أطفالهما الأربعة وإهمالهم بعد 3 أشهر من وفاة أصغر أطفالهما في عمر 18 شهرا، بسبب سوء التغذية والجفاف حسب شبكة “سي إن بي سي” (CNBC) الأميركية.
وأصيب أصغر الأطفال بصعوبة تنفس اضطر معها الوالدان إلى الاتصال بالإسعاف، وأثار وزن الطفل استغراب المسعفين، إذ كان يزن نحو 7 كيلوغرامات ونصف كيلوغرام في حين أن عمره عام ونصف العام، ويعد هذا الوزن طبيعيا لرضيع عمره 7 أشهر فقط، وعندها اعترف الوالدان أن ذلك يعود إلى اتباعهما نظاما غذائيا نباتيا معه اعتمد نظامه على حليب الثدي مع الفاكهة والخضروات النيئة فقط.
وتوفي الرضيع إثر هذه الأزمة الصحية، وأرجع تقرير الطب الشرعي الوفاة إلى مضاعفات سوء التغذية، بما في ذلك الجفاف وتضخم الكبد وانتفاخ اليدين والقدمين والساقين، في حين كان أشقاؤه الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات يعانون آثار “سوء التغذية الشديد”، حسب موقع “بيبول” (People) الأميركي.
أحيل الوالدان إلى المحاكمة، ورغم تأكيدهما أنهما لم يقصدا قتل ابنهما، فإن المحكمة رأت أنهما مذنبان؛ إذ أدينت الأم بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى والقتل العمد وإساءة معاملة أطفالها وإهمالهم، وحكم عليها بالسجن مدى الحياة، في حين يقبع الزوج في السجن، في انتظار محاكمته بالتهم نفسها.
هل النظام النباتي يناسب الأطفال؟
النظام الغذائي النباتي يعني عدم أكل اللحوم والدجاج والأسماك، كما يختار بعض النباتيين عدم تناول أي طعام يأتي من الحيوانات، مثل منتجات الألبان أو البيض، وينظر متبعو هذه الحميات إلى أن الأطعمة النباتية أكثر صحية من اللحوم كونها مليئة بالكوليسترول والدهون المشبعة ذات السعرات الحرارية العالية، ويرون إمكانية تعويض كافة احتياجات الجسم من العناصر الغذائية من المنتجات النباتية، إلى جانب نسبة الألياف الإضافية التي توفرها هذه الأطعمة النباتية.
وتعوض الفاصولياء والبازلاء والمكسرات وأطعمة الصويا احتياجات البروتين التي توفرها اللحوم ومنتجات الألبان والبيض، في حين يمكن تعويض الكالسيوم الذي توفره منتجات الألبان من حليب الصويا واللوز والبرتقال والخضروات الورقية مثل الكرنب، أما بالنسبة للحديد الذي توفره اللحوم، فيمكن توفيره من بدائل نباتية مثل الشوفان والفول والخضروات الورقية وخبز القمح الكامل وغيرها من العناصر الغذائية، حسبما تشير مواقع تقدم نصائح للأغذية النباتية للأطفال مثل “أنلوك فود” (Unlock Food)، و”كيدز بلاس” (Kids Plus)، و”هيلث داي” (Health Day)، وإن كان بعض هذه المواقع يشير إلى أهمية التنوع الغذائي أيضا.
وزاد الاهتمام بالترويج لاتباع هذه الأنظمة الغذائية للأطفال مع انتشار دراسات تشير نتائجها إلى أن الأطفال الذين يتّبعون نظما غذائية نباتية ينمون بشكل طبيعي، وكانت أطوالهم والمقاييس الغذائية مطابقة مع الأطفال الذين يتناولون اللحوم، رغم أن أوزانهم كانت أقل حسبما أشارت دراسة بحثت بيانات نحو 9 آلاف طفل في كندا بين عامي 2008 و2019، نشرت نتائجها شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية.
وفي هذه الدراسة، جرى قياس مؤشر كتلة جسم المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و8 سنوات ووزنهم وطولهم ومستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية ومعدلي “فيتامين د” و”الفيريتين” في الدم (بروتين يخزن الحديد)، ووجد الباحثون عدم وجود فوارق إحصائية بين الأطفال النباتيين وغير النباتيين بالنسبة لهذه المقاييس، لكن الأطفال النباتيين كانوا أكثر عرضة لنقص الوزن بمقدار الضعف مقارنة مع غير النباتيين، ويمكن أن يكون نقص الوزن مؤشرا على سوء التغذية.
رغم ذلك، يصر بعض متخصصي التغذية على أن الأنظمة الغذائية النباتية لا تمد الجسم بما يكفي من الطاقة والبروتين وبعض العناصر الغذائية الأساسية، مثل فيتامين “ب 12” الموجود حصرا في الأطعمة الحيوانية، وهو حيوي لعمل الجهاز العصبي المركزي ونمو الحمض النووي والكالسيوم الحيوي في تكوين كتلة العظام والحديد، وهو مكون مهم لنمو الهيموغلوبين الأساسي لنمو خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين من الرئتين إلى مجرى الدم، وذكروا عناصر أخرى مهمة مثل “أوميغا 3″ والزنك و”فيتامين د” التي قد يسبب نقصها أيضا مشاكل صحية، مثل اضطرابات الطعام وفقر الدم.
بدورها، تقول ديبرا نيسيل -اختصاصية التغذية في مركز “تورانس” الصحي في ولاية كاليفورنيا الأميركية- إن استبعاد جميع الأطعمة الحيوانية قد يجعل من الصعب على الطفل أن يحصل على بعض العناصر الغذائية الأساسية، في حين أكدت اختصاصية التغذية لوري زانيني أن الأطعمة النباتية لا تعني أطعمة صحية وأن المعيار الأساسي هو جودة الأطعمة والحصول على جميع العناصر الغذائية في النظام الغذائي.
كما أشارت إلى حاجة الأطفال في مراحل النمو الأولى إلى سعرات حرارية، وهو ما لا توفره معظم الأطعمة النباتية قليلة الدهون والغنية بالألياف.
إذ أظهرت الدراسات أن كتلة العضلات لدى الأطفال الذين يتناولون اللحوم كانت أكبر بنسب وصلت إلى 80% من الأطفال الذين اعتمدوا على أطعمة نباتية، كما كانت أعلى لدى الأطفال الذين يتناولون منتجات الألبان بنسبة وصلت إلى 40%.
المصدر : مواقع إلكترونية