صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القوي
قال تعالى في محكم كتابه ” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ” صدق الله العظيم .
هناك ثلاثة أبعاد للعلاقات بين أي دولتين متنازعتين وبين أي معسكرين متناحرين يتمثل البعد الأول في علاقة الغالب بالمغلوب أي أن ينتصر أحد الطرفين عسكريا وسياسيا ويحقق أهدافه التي من أجلها خاض الحرب
والبعد الثاني هو علاقة المهزوم بالمهزوم أي أن يخسر الطرفان المتنازعان وتستمر الحرب بكل ما تمثله من خسائر وويلات وضحايا ودمار واستنزاف لكل القدرات العسكرية والإقتصادية والإجتماعية والحياتية وهدر لكل القيم الإنسانية وتهديد دائم لسيادة الدولة وقيادتها وشعبها ومقوماتها وسيادتها .
أما البعد الثالث فهو علاقة الغالب بالغالب أي أن يضع الطرفان حدا للعداء ولأي عمل عسكري ولحرب استنزاف لا ترحم وأن تلجأ القيادات السياسية والعسكرية في البلدين إلى الطرق السلمية والمفاوضات المباشرة ولا مانع هنا من إختيار مظلة الأمم المتحدة لإجراء مثل هذه المفاوضات من أجل التوصل إلى حل مشرف يحفظ كرامة الطرفين وحياة أبناء الشعبين بالإضافة إلى توجيه الطاقات نحو البناء والتقدم .
إن المملكة العربية السعودية من خلال موقعها ومكانتها الدينية في العالم الإسلامي وبين كافة المسلمين تستطيع في هذا الشهر الفضيل ومن خلال دعوتها إلى القمم الثلاث الخليجية والعربية بتاريخ 30/5/2019 والقمة الإسلامية العادية في 31/5/2019 في مكة المكرمة في ظلال الكعبة المشرفة قبلة المسلمين أن تكسب إحترام العالم بأسره .
وما أحوجنا اليوم إلى التوصل إلى توافق وإتفاق بين كافة الدول الإسلامية وإصدار ميثاق شرف من خلال التضامن والتعاون والتكافل من أجل وأد أي صراع بين الدول الإسلامية وإيجاد حلول لوقف نزيف الدم في العالم العربي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المسلمة وفي نبذ الإرهاب الديني والفكري ونبذ كل أشكال التطرف والعمل على إعادة الوجه المشرق إلى ألأمة الإسلامية والنأي عن كل شبهات الإرهاب والإقتتال بين العشرات من الفصائل والتنظيمات التي تتستر خلف الإسلام وتتخذ منالدين شعارا لها . ومحاولة رأب الصدع بين أهل السنة والشيعة وعدم السماح لأي نفوذ أجنبي في إيقاع الشرخ بين الأخوة المسلمين مهما تعددت مذاهبهم أو اختلفت آراؤهم .
إن أي دولة في العالم يدفعها حب البقاء والإستمرار والحفاظ على سيادتها لا بد وأن تتصرف تلقائيا أو عن تخطيط مسبق لتحقيق هذا البقاء والحفاظ على مقومات الدولة ومصالحها وتحقيق أهدافها . وإن كل ما تقوم به الدولة في هذا السبيل هو إنعكاس للتفاعل بين مفهوم الأمن القومي للدولة وللظروف والتهديدات التي تحيط بها . ولما كانت هذه التهديدات مختلفة بين دولة وأخرى اختلفت السياسات العليا التي تنتهجها الدول في إطار المفهوم الشامل للأمن القومي الخاص بها . ولكن هناك بعض الأسس والمبادىء الأولية التي تلتقي عندها أو على الأقل تتشابه في مدلولاتها وتركيبها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وعسكريا .
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السياسة العامة للدولة تهدف في صلبها إلى تحقيق المبادىء والأهداف والمصالح القومية وهي تشكل في مجموعها ما يعرف بالأغراض القومية . كما أن الدستور والقوى السياسية والمقومات الإقتصادية والإستراتيجية الحربية تساهم في إعطاء الدولة القوة والقدرة في الإستمرار وتحمل المسوؤليات والحفاظ على سيادة الدولة واستقرار نظامها وتحقيق أهدافها القومية ومجابهة أي أخطار داخلية وخارجية .
وإن السياسة العامة للدولة تتفرع إلى أربعة فروع رئيسة هي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والسياسة العسكرية والسياسة الإقتصادية . وكل هذه السياسات تصب في ينبوع واحد هو الإستراتيجية القومية للأمن القومي للدولة .
ومن أجل العودة إلى موضوع هذا البحث المباشر وهو الصراع القائم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول العربية وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي وما ينضوي تحت هذا الصراع من بسط نفوذ الإيرانيين في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولة تحقيق مشروع الهلال الشيعي للسيطرة على الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية “حيث لم يبق غير الأردن صامدا ومنيعا في وجه هذا المشروع” ومن محاولات متكررة من أجل التدخل السافر في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية وفي مقدمتها مملكة البحرين وما سبقه من قيام القوات الإيرانية بتاريخ 30/11/1971 بإحتلال جزيرة طنب الصغرى وطنب الكبرى من إمارة رأس الخيمة وجزيرة أبو موسى من إمارة الشارقة أي قبل أيام معدودة من تشكيل وإٍستقلال دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 2/12/1971 هذه الجزر التي تمثل أهمية استراتيجية عظيمة وتمنح إيران السيطرة العسكرية المباشرة على مضيق هرمز .
ولقد شهدت العقود الماضية العديد من الأحداث العدائية بين الجانب العربي والإيراني ولعل أبرزها قيام سلاح الجو الإيراني بمحاولة قصف المنشآت النفطية السعودية عام 1984 حيث تم إسقاط طائرتين إيرانيتين وإصابة ثالثة .
إن ما نرغب بالتركيز عليه الآن هو تعاظم وتزايد النفوذ الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن . ولا بد لنا هنا من الإعتراف بأن العالم العربي بدل أن يحقق لنفسه أمنه القومي الشامل المتمثل في حاية وتنمية القيم الإجتماعية والحفاظ على المصالح الحيوية لا سيما القيم الدينية السمحة والأهداف السياسية والإقتصادية والنفسية والعسكرية والحفاظ على السيادة العربية وحفظ كرامة الإنسان العربي والمحافظة على حقوقه وحريته واسترجاع الأراضي المحتلة وفي مقدمتها فلسطين ومرتفعات الجولان . وبدل أن يتحقق التنسيق والتكامل بين الدول العربية على المستوى السياسي والإستراتيجي ووضع الخطط الإستراتيجية اللازمة لتنظيم العلاقات العربية العربية والعلاقات العربية الدولية وما يصاحبها من تخطيط للمعاهدات والتعاون السياسي والإقتصادي والعسكري والأمني والإجتماعي وتأمين أعلى مستوى من التسليح وتعبئة الإمكانات والطاقات لتحقيق التضامن العربي ولا أقول الوحدة العربية وكسب تأييد الشعوب المسلمة .
وبكل أسف فإن نظرة سريعة إلى عالمنا العربي اليوم وما تشهده ساحات العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وفلسطين من قتل ودمار وإرهاب وتهجير . ففي سوريا وحدها أكثر من ثمانية مليون لاجىء موزعين بين الأردن وتركيا ولبنان وأكثر من عشرة ملايين سوري نازحين داخل سوريا تم إقتلاعهم من أرضهم ومن قراهم ومن مدنهم ولا يعلم أحد عدد القتلى وعدد الجرحى وما هي القيمة الفعلية للدمار الشامل للبنى التحتية في شتى أنحاء سوريا كما لا يعلم أحد بالتحديد تعداد الفصائل المتحاربة ونوعية الأسلحة المتوفرة وما هي جنسياتهم المختلفة وقد تحولت الدول العربية إلى ساحات قتال ودمار تقوم في أرجائها الدول العظمى بتجربة طائراتها وصواريخها وقذائفها المحمومة فالأرض العربية أصبحت مشبعة باليورانيوم المنضب والمياه العربية والسموات العربية ملوثة مسمومة . والسؤال الذي أطرحه اليوم ما مصير الأطفال الذين نشأوا وترعرعوا في ظل القصف والقتل والفقر والبؤس والجوع والخوف وما هو مستقبلهم
إن الأمن القومي العربي يكاد يكون معدوما في عالمنا العربي ويقف عاجزا أمام العوامل الضاغطة والمتفجرة على المسرح السياسي العربي والعالمي . حيث أن كل دولة تتقوقع على نفسها وتتمسك بحاجتها للجيوش المدربة وإلى أجهزة الأمن لمجابهة التهديدات الداخلية أو لحمايتها من جارتها العربية . وافتقرت الدول العربية في تطبيقاتها العملية وعلاقاتها العربية العربية إلى ألإرتفاع لمستوى الأمن القومي الشامل . وباءت كل محاولات التوفيق والتكامل بين المستوى الوطني والمستوى القومي بالفشل وبدل أن يكون الأمن الوطني لبنة قوية في بناء الأمن القومي العربي أصبح الخلاف والإنقسام وسياسة المحاور وإثارة المذهبية والطائفية الدينية والوقوع ضحايا للتبعية الخارجية النهج الأبرز الذي رضخت له وأذعنت إليه السياسات العربية . لقد كانت الدول العربية الأرض الخصبة التي تم فوق ترابها إطلاق الحرب الرابعة ” الحرب الخفية ” المتمثلة في إحياء وإيقاظ الخلايا النائمة تحت مظلة الربيع العربي والفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد حيث يقتل العربي أخاه العربي ويقتل المسلم أخاه المسلم في عملية مخطط لها من أجل تفتيت وتقسيم العالم العربي والإسلامي وإيقاع الشرخ الأكبر بين المعسكرين السني والشيعي وما يصحب هذه الحروب من إستنزاف للقدرات الإقتصادية مثل النفط والغاز ومن امتهان لكرامة الإنسان العربي حتى أصبح القتل والرعب والإرهاب سمة من سمات الحياة اليومية في العالم العربي .
إن الدول العظمى بالتعاون مع الصهيونية العالمية قد توصلت إلى معادلة تم من خلالها تقسيم مناطق العالم إلى مناطق نفوذ وإلى إستغلال جشع يرتكز على إستنزاف طاقات وقدرات الدول المغلوبة على أمرها من دول العالم الثالث. ويشاء القدر أن تكون الدول العربية والدول الإسلامية قبلة الأطماع ورحما لعمليات الإجهاض .
وإننا في هذه العجالة لا نريد العودة إلى الصراع بين الأمبراطوريتين الفارسية ( الساسانية) والإمبراطورية الرومانية والذي استمر طوال سبعة قرون وكانت بعض أجزاء من العالم العربي أرضا للحروب والمعارك بين هاتين الإمبراطوريتين حيث احتلت الإمبراطورية الفارسية العراق وامتدت لتصل اليمن وكانت مصر والشام تتقلبان بين الإمبراطوريتين بالإضافة إلى إحتلال الإمبراطورية الرومانية دول شمال إفريقيا.
كما أننا لا نريد العودة إلى يوم ذي قار ومعركة القادسية حيث كانت البدايات الأولى في الطريق لإنتشار الحق ورفع راية ألإسلام في الإمبراطورية الفارسية .
ولا نريد العودة إلى الصراع بين العثمانيين وبين الصفويين والذي استمر لقرون عديدة كان أشهر أعوامها عام 1535 حين قام العثمانيون بالسيطرة على المنطقة العربية وتم لهم دخول بغداد بالإضافة إلى الأجزاء الشمالية الغربية من دولة الصفويين
ونحن حتما لا نريد العودة إلى التاريخ الأسود عام 1907 حين تم الإتفاق بين كل من بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا بحضور رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في ذلك الوقت ديفيد ويلفسون وتم إقرار وثيقة كامبل بنرمان السرية التي قضت بضرورة إحتلال الدول العربية الممتدة من شواطىء الخليج الفارسي ( الإسم المستخدم في ذلك الوقت ) إلى المحيط الأطلسي والإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومحاربة أي توجه وحدوي فيها . ولقد نجم عن هذا المخطط المجرم إحتلال العالم العربي وإستعماره وتقسيمه والإستيلاء على منابع النفط فيه والقيام بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين حيث نجم عن مخطط بنرمان إتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 وتم تتويج هذا المخطط المجرم بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29/11/1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15/5/1948 وثيقة إعلان دولة إسرائيل وبتاريخ 11/5/1948 تبوأت إسرائيل مقعدها في الأمم المتحدة بصفتها العضو 59 في المنظمة الدولية .
كما أننا لا نريد العودة إلى الحروب العربية الإسرائيلية ونتائجها المؤلمة معنويا وماديا وما استنزفته هذه الحروب من شهداء وتبعات النزوح وإقتلاع الإنسان العربي من أرضه وبيته وتشريده وما تكبدته هذه الحروب من تكلفة مالية باهظة على حساب التنمية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والصحية .
ونحن كما ذكرنا لا نريد العودة إلى بطون التاريخ والتقلبات التي شهدتها هذه العصور وإنما من أجل توضيح ما نرجو التوصل إليه في هذه المقدمة العجولة نعود إلى منتصف الستينات حيث أخذ الشاه محمد رضا بهلوي ببناء القوات المسلحة الإيرانية وحصل على دعم مطلق من إدارة الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون ” للحصول على أحدث الأسلحة والطائرات المتطورة وخلال سنوات أصبحت إيران أقوى قوة دفاعية في منطقة الشرق الأوسط والدولة التي تشرف على الحدود الجنوبية لجمهوريات الإتحاد السوفياتي ولقد قامت القوات الإيرانية تحت قيادة الشاه محمد رضا بهلوي بتاريخ 30/11/1971 كما أسلفنا سابقاً بإحتلال جزيرة طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة أبو موسى .
بتاريخ 16/1/1979 قام الشاه محمد رضا بهلوي بمغادرة إيران وبتاريخ 1/2/1979 وصل الإمام الخميني إلى طهران وتم استقباله استقبال الفاتحين وخرجت إيران بكل ملايينها تهتف بسقوط الشاه وبتاريخ 1/4/1979 تم الإعلان عن تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران .
ومنذ استلام الإمام الخميني سدة الحكم أخذت العلاقات الإيرانية العراقية تسوء تدريجيا كما لو أن هناك عداء شخصيا بين الرئيس صدام حسين والإمام الخميني الذي قضى فترة من حياته بلغت 13 عاما منفيا في العراق وبتاريخ 17/4/1980 أعلن الإمام الخميني بأنه سوف يحتل العراق وأنه سوف يتقدم بقواته وأتباعه حتى يصل بغداد . وبتاريخ 2/9/1980 بدأت الإصطدامات والمناوشات في قصر شيرين . وبتاريخ 17/9/1980 أعلن الرئيس العراقي إلغاء معاهدة عام 1975 لأن إيران رفضت الإلتزام بها .
كما أعلن أن شط العرب كله عربي وأن مقاطعة خوزستان ” عربستان ” عربية عراقية وأن على إيران أن تعيد الجزر الثلاث للإدارة العربية كما طالب بحق العراق في مياه الأنهار التي تنبع من شمال إيران والتي تصب قي شط العرب ونهر دجلة . وبتاريخ 22/9/1980 بدأ الهجوم العراقي الرئيسي على الأراضي الإيرانية . واستمرت الحرب العراقية الإيرانية ثمانية أعوام مخلفة نحو مليون قتيل وخسائر مادية بلغت 400 مليار دولار أمريكي .
وبعد مفاوضات طويلة تحت إشراف مجلس الأمن ودول العالم وبتاريخ 18/7/1988 أعلنت إيران قبولها قرار مجلس الأمن رقم 589 ووقف الحرب مع العراق . وبتاريخ 20/8/1988 وافق البلدان على وقف إطلاق النار لتبدأ بعدها المفاوضات المباشرة بين العراق وإيران في جنيف بتاريخ 25/8/1988 وجرت عدة جولات من المفاوضات وفي نهاية شهر تموز وبداية شهر آب عام 1990 انسحبت القوات العراقية من الأراضي الإيرانية وقامت بإطلاق سراح كافة الأسرى الإيرانيين . لتقوم بعدها مباشرة بتاريخ 2/9/1990 بغزو الكويت لتنتهي حرب الخليج الأولى ولتبدأ حرب الخليج الثانية هذه المرة دولة العراق بعد أن كانت تحارب إيران أصبحت تحتل دولة عربية هي دولة الكويت . وسوف نتناول في بحث لاحق بالتفصيل أبعاد ونتائج حرب الخليج الثانية والتي سميت بعاصفة الصحراء عام 1991 كما سنتناول حرب الخليج الثالثة والتي بدأت بتاريخ 20/3/2003 كنتيجة فعلية للحرب ضد الإرهاب التي أعلنها الرئيس جورج بوش بعد أحداث تدمير مبنى برجي التجارة العالمي في نيويورك بتاريخ 11/9/2001 والتي كان نتيجتها إحتلال أفغانستان والقضاء على نظام طالبان وإحتلال العراق والقضاء على نظام الرئيس العراقي صدام حسين . كما سنتناول بالتفصيل بدايات الربيع العربي أو بالأصح حرب الخلايا النائمة وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وقيام هذا التنظيم بالإستيلاء على معظم المحافظات السنية في وسط العراق .
ولا بد لنا هنا من التوقف عند المخطط الإجرامي الثاني لتفتيت العالم العربي والإسلامي والذي يعرف بوثيقة بيرنارد لويس . هذه الوثيقة التي انطلقت فعلا إثر إطلاق مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي زبغنيو بريجنسكي سؤاله الشهير ” كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود إتفاقية سايكس بيكو” . وعقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية بدأ بيرنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا وكلا على حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان والباكستان والسعودية ودول الخليج ودول المغرب العربي وتفتيت كل منها إلى مجموعات من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية وقد أرفق بمشروعه مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت وسوف نتناول بالتفصيل وثيقة بيرنارد لويس وإرتباطها بحرب الخلايا النائمة والتي عرفت بحرب الجيل الرابع والربيع العربي والفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد .
ولو عدنا إلى المخططات الخاصة بتفتيت الجمهوريات الإسلامية غير العربية وهي إيران والباكستان وأفغانستان لوجدنا أنه يتم تقسيمها إلى 10 كانتونات عرقية ضعيفة وهي :- كردستان وأذربيجان وتركستان وعربستان وإيرانستان ( أي ما يتبقى من إيران بعد التقسيم ) وبوخونستان وبلوشستان وأفغانستان ( أي ما يتبقى منها بعد التقسيم ) وباكستان ( أي ما يتبقى منها بعد التقسيم ) وكشمير .
أما تركيا فيتم انتزاع جزء منها يتم ضمه للدولة الكردية المزمع إقامتها في العراق .
أما بالنسبة إلى دول شبه الجزيرة العربية كما أسماها بيرنارد لويس فهو يدعو إلى إلغاء السعودية والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن شبه الجزيرة العربية ثلاث دول فقط وهي
1: دولة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين والجزء الشرقي للمملكة العربية السعودية .
2: دولة نجد السنية
3: دولة الحجاز السنية .
وإن السبيل الأمثل لتحقيق هذا المخطط هو إيقاع شرخ بين السنة بقيادة المملكة العربية السعودية وبين الشيعة بقيادة إيران حتى يتحول هذا الشرخ إلى حرب أو مجموعة من الحروب التي تستنزف القدرات الإقتصادية والمالية والعسكرية والبشرية لهذه الدول المسلمة .
أيها القادة العرب هذه هي المخططات المجرمة التي رسمها عراب الصهيونية برنارد لويس والتي وافق عليها الكونغرس الأمريكي وهي موجودة في الخطط ذات الأولوية في وزارة الدفاع الأمريكية وكمرجع رئيس لمجلس الأمن القومي ومدعومة دعما كاملا من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك) .
هذه المخططات تهدف إلى إيقاع الفتنة بين الدول العربية والدول الإسلامية وتهدف إلى إيقاع شرخ بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة وإن أي خلاف مهما عظم قابل للحل بالطرق الدبلوماسية والمفاوضات المباشرة ووضع نقاط الخلاف بكل وضوح على طاولة المفاوضات لا سيما التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية في الدول العربية وإن ما طرحه الجانب الإيراني حول توقيع اتفاقية عدم إعتداء يعتبر خطوة أولى لبداية المفاوضات .
إن السعودية من خلال القمة الإسلامية في مكة المكرمة يمكنها أن تحقق قفزة نوعية كبيرة في تحسين العلاقات مع دول الجوار وبالذات مع إيران وإن عقد لقاءات مباشرة مع القيادة الإيرانية تمثل الخطوة الأولى في رسم استراتيجية احتواء لسياسة إيران ووضع حد لأطماعها في منطقة الخليج وأنا لا أدعي أن مثل هذه اللقاءات والتفاوض مع الجانب الإيراني ستكون سهلة ولكنها أفضل بكثير من اللجوء إلى القوة العسكرية والمخاطرة بوقوع حرب مدمرة لا ترحم تكون رحاها دول الخليج العربي وإيران .
إن عقد لقاءات مباشرة مع الإيرانيين هي خطوة هامة لتطمين بعض الدول العظمى وعلى رأسها الصين والدول الأوروبية والهند واليابان وشعورها بالإرتياح بأن المملكة العربية السعودية سوف تستمر في تزويد العالم بإنتاجها النفطي دونما توقف أو إنقطاع وأن الممرات المائية سوف تبقى مفتوحة آمنة دونما أي إعاقة أو تهديد في وجه ناقلات النفط العملاقة.
كما يمكن من جانب آخر الإتفاق على زيادة أوجه التعاون بين السعودية والصين والهند وزيادة تصدير كميات النفط المصدرة إليهما لأن الصين والهند هما من أكثر دول العالم استهلاكا للنفط والغاز والكهرباء بعد أوروبا وهما أيضا أيضا أكبر أعضاء مجموعة ( بريكس ) في تعداد السكان والتي تتكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا .
إن تحسن العلاقات بين دول الخليج وبين إيران سوف يفوت الفرصة على الولايات المتحدة من إيقاع شرخ أو نزاع لا يرحم بين إيران ودول الخليج يدفع ثمنه الباهظ الشعب العربي والشعب الإيراني والأمة الإسلامية على حد سواء .
إن قيام السعودية بمحاولة جمع الصف بين الدول الإسلامية في هذه المرحلة بالذات سوف يؤدي إلى نوع من التواصل بين الدول الإسلامية القوية في المنطقة المتمثلة في السعودية وإيران وتركيا والباكستان ومصر . كما أن هناك إمكانيات كبيرة للتنسيق والتعاون في أكثر من مجال وعلى سبيل المثال وضع خطة إستراتيجية بين دول الخليج وإيران “كما هو حاصل الآن بين قطر وإيران بشأن تصدير الغاز من الحقل المشترك” والتفكير في بناء خطوط أنابيب النفط والغاز العملاقة من خلال العراق وتركيا إلى أوروبا التي سيتعاظم إحتياجها واستهلاكها للغاز بدءا من عام 2020 كما أن هناك إمكانات كبيرة لبناء خطوط أنابيب عملاقة للنفط والغاز من الخليج العربي إلى إيران والباكستان والهند والصين .
إن أهم النتائج التي يمكن أن تنجم في حال التوصل إلى إتفاق بين دول الخليج وإيران أن حمام نزيف الدم في كل من سوريا واليمن سوف يتوقف وأن الخليج العربي سوف يتحول إلى واحة من الأمن والسلام .
أيها القادة العرب تصوروا لوهلة كيف تكون قوتكم إذا تم تحقيق التآلف والوئام بين كل من السعودية وإيران والباكستان وتركيا . وبالمقابل ما هو مصير دول الخليج وإيران إذا وقعت الحرب لا قدر الله إن الشعوب هي التي ستدفع الثمن الباهظ فاتعظوا بما حدث للعراق وسوريا واليمن من دمار إنساني ومادي ومعنوي .
في النهاية أنا أردني أقف مع السعودية قبل أن أقف مع إيران وأنا أردني أقف مع الدول العربية قبل أن أقف مع إيران أناشدكم أيها القادة المجتمعون في قمم مكة المكرمة أن تجنحوا للسلم وهو سيد الأحكام .