صراحة نيوز – بقلم عبد الفتاج طوقان
إن التطبيق الواسع للاستراتيجيات اللازمة للحد من الفيضانات عبر المجالات العامة والخاصة أمر معقد وغير موجود في الأردن، وغير متعارف عليه في امانة عمان الكبرى وبعض من الحكومات المتعاقبة باستثناء المقولة الشهيرة لكل رئيس حكومة قبل موسم الشتاء ” عليكم بالاستعدادات القصوى للشتاء” ومن ثم صور لبعض من المسؤولين بجانب سيارات معطلة يدفعونها، وبالوعات او ثلوج متساقطة وعبارات، او المسك بيد عجوز نصفه مبلل عالق في الفيضان.
بها أن الفيضانات تحتاج إلى خبراء مهندسين وخبراء البيئة معا والي جهد جماعي، حيث لا يكفي عبارة تصريف من راس العين الي عين غزال ثم سيل الزرقاء شاخت وحضرت فيضانات عده ولم يهتم أحد بدراسة كفاءتها وسعتها، وماذا يحتاج وسط البلد وماذا تحتاج العاصمة من شبكات لتصريف الامطار؟.
واقصد لقد اجتهدت في بداية حياتي العملية و قمت بعمل دراسة القيتها في محاضرة بمدرسة الراهبات بحضور وزراء و مسؤولين ومندوبي الصحافة الأردنية ونشرتها جريدة الشرق الاوسط السعودية و الانباء الكويتية في بداية الثمانينات و تغافلت عن نشرها الصحافة المحلية رغم حضورهم ، كانت بعنوان” الإخفاق و الانفاق في المشاريع الكبرى”، و كان من ضمنها شبكات تصريف الامطار، شراء مقاسم للهواتف في وقت العالم يتحول الي الهواتف المتنقلة و شبكات جديدة هوائية، مشروع قناة الغور و ميولها التي حولت بعض من الأرض الزراعية الي ارض مالحة ، جسر العبدلي و تبديل مساره، جسر المخابرات و هبوطه، و غيرها من المشاريع ، ولم ينتبه احد.
وبعدها عندما تولي دولة د. عبد الرؤوف الروابدة منصب امين عام عمان في بدايات الثمانينات وفي محاضره له بنادي الروتاري -عمان، توجهت له بسـؤال عن متي سنجد دراسات لحماية الأردن مستقبلا من الامطار والفيضانات بإقامة شبكة تصريف للأمطار حديثة، فكان الرد:” الأردن فقير مائيا والحمد لله لا فيضان، ثم انها تحتاج الي ٤٠٠ مليون دينار واعذروني هذا اخر سؤال لان ام عصام بانتظاري في البيت “وأطلق ضحكته الشهيرة وغادر ولم يتم أي شيء من حينها.
عموما تشير الأبحاث العالمية حول تكيف المدن مع المناخ الحضري من خلال التخطيط الهندسي المسبق لإدارة الفيضانات والذي غالباً ما يكون عملية من أعلى إلى أسفل وهذا يتطابق مع طبيعة عمان وجبالها السبعة.
نادراً ما كانت برامج الانتعاش بعد الفيضانات للاستفادة منها متاحة أمام الحكومات الأردنية وأهمل النظر في احتياجات المجتمعات المحلية.
لذا الان وبعد هذا الفيضان، هناك حاجة سريعة لاتخاذ قرارات مشتركة بشأن إدارة المياه لتطوير المجتمع الاردني المرن ومساعدته على التكيف مع المناخ المتغير بسرعة.
واقصد يمكن أن تصبح التحديات الجديدة فرصًا إيجابية في بلد فقير مائيا، إذا أمكن توحيد الأهداف البيئية مع أهداف الاستدامة والعدالة الاجتماعية.
علاوة على ذلك، لا يزال تنفيذ تدابير التكيف مع الفيضانات متقطعاً للغاية وغائب عن الحكومة والأمانة، ان لم يكن غير متواجدا في ذهن الحكومات المتعاقبة ولا امانة عمان الكبرى.
بالإمكان الاستفادة من الفيضانات والامطار وحماية وسط البلد من ” الغرق ” ان لم يكن التهديد بالإزالة، عوضا عن اهتمام غالبً من الأمانة على تكريم فنانات وراقصات عربيات، واختصار اعمالها على بعض من الأراضي الرطبة المركزية في المتنزهات والحدائق الكبيرة والصرف على التهاني والمناسبات.
هناك حاجة إلى شبكة تصريف امطار حديثة ومراقبة الكترونيا ويتم التحكم فيها عن بعد، والتي تتسرب المياه فيها إلى النسيج الحضري الكثيف في عمان مع إعادة دراسة التدابير القائمة على الطبيعة الصغيرة والمتوسطة.
ومع هذا الفيضان الذي أضر بالتجار وبضائعهم التي فسدت وغرقت والحق الأذى بالسيارات والمحال بخسارة لا نقل عن مائه مليون دينار مبدئيا لوسط البلد بمفردها غير شارع الشهيد وصفي التل وغير خريبة السوق وغيرها من الأمكنة، وأصاب الجدران الاستنادية والاساسات، حيث لا يوجد دليل واحد على أي معالجة او خطة قدمت منذ سنوات، ولا على أي دراسة حصرت الخسائر في كل فيضان سابق حدث، ومن اول فيضان تم في سقف السيل من ٥٤ عاما، حتى الآن.
على أن المصائب والكوارث المتراكمة من هذه الأنظمة الحاكمة وأمناء العاصمة وطرق تعينهم واختيارهم لا بد وان تكون امام مكتب رئيس الوزراء عند اختيار امينا عاما جديدا للأمانة.
قد يكون من الأفضل الاهتمام بعمان العاصمة ورعايتها ومعاجلة ما يحدث لها ضمن خطة هندسية متطورة شاملة وفاعلة لتجنب الفيضانات المفاجئة الهائلة التي قد تتسبب بمزيد من الكوارث وانهاء وسط البلد التجاري الذي هو عامود الاقتصاد في العاصمة، عوضا عن اختيار عشوائي لترضية فريق او انصياع لتوجيه من دائرة لاحتضان شخص ومكافأته، او تناقل وزير مياه او اشغال ممن اثبت فشلهم مسبقا.
ولذلك، فإني ادعو بسبب الحاجة إلى البدء فورا في وضع اسس تعيين امينا للعاصمة حتى لو كان بالانتخاب مقابل برامج حقيقة شعارها ” لا لغرق ْعمان ” عوضا عن تزوير في أوراق رسمية. واقصد ان يكون من الخبراء المهندسين، لا حاملي شهادات تخرج من كليات هندسية، ومن اصحاب الرؤي والقدرة على المعالجة واختبار التدابير الهندسية والخطط الاستراتيجية للتعامل مع الفيضانات القادمة من الان ورصدها بصورة منهجية على النطاق الحضري وهو أمر ملح.
نحتاج أن نطرح أسئلة مثل: ماذا لو كان كل سطح من أسطح بنايات عمان غرق بالفيضان، ماذا لو كان كل رصيف غير قادر ان يحتفظ بالقدرة المائية، ماذا لو تم تحويل كل مساحة لوقوف السيارات الي حديقة مطرية؟ وغيرها من كوارث متوقعه ومن الحلول بالإضافة الي خطط الصيانة للعبارات وإعادة توصيفها وانشاء أماكن تجميع للأمطار للاستفادة منها؟
بالنظر إلى كيفية يتم تصميم المدن وأدائها في العالم، هناك الكثير لتتعلمه الأردن من التجارب الدولية.
لدينا الكثير للقيام به لتعديل هذه المعرفة للسياق المحلي واكرر هنا ان ذلك اهم من استحضار وزير متقاعد او لواء سابق للترضية والمحاصصة التي كانت سببا في الخراب والفساد الذي وصلت اليه عمان وغيرها من المدن.
الاردن بحاجة ماسة إلى خبرات دولية والي تطبيق هذه المعرفة، لأننا إذا لم نتعلم بسرعة كيفية العمل مع المياه في عمان، فإن المياه سوف تصيبها بشلل أكثر صعوبة في المستقبل من الشلل الفكري الواقع في الساحة في التعامل مع إدارة الفيضانات لسنوات.
لقد نزلت الامطار في عاصمة تايوان لمده ثلاث أيام بكثافة غير طبيعية وبضعف كميات ما نزل في عمان، وما زالت مستمرة ولم يحدث بها أي فيضان، فهل نطالب باستيراد امين عمان تايواني مثلا؟
هناك حاجة لجهد جماعي واسع وامينا جديدا مؤتمن حتى لا نفقد المدرج الروماني ووسط البلد حيث آن القانون لا يسمح بالرجوع على ورثة المهندس الروماني” مكسيموس ” الذي صمم المدرج الروماني في فيلادلفيا (عمان) في القرن الثاني الميلادي لانقضاء مده العشر سنوات ضمان، وهو ما يعرف بالضمان العشري لسلامة المنشاء.
سلامتك وتعيش.