بعد النصر في الموصل

10 يوليو 2017
بعد النصر في الموصل

الاحتفال بالنصر على “داعش” في الموصل يجب أن يكون بتعليق مشنقة شخص ما على باب بغداد.. الشخص المسؤول عن انسحاب الجيش وتسليم الموصل ومعها مخزون هائل من السلاح والعتاد والمال في البنوك! تحرير الموصل كان يتقدم على امتداد 9 أشهر شبرا شبرا عبر معارك شرسة تمتد أسابيع وتخلف دمارا هائلا، فكيف احتلت “داعش” مدينة المليوني نسمة في يوم واحد؟!

يجب أن نحصي حجم الخسائر والتضحيات لإعادة تحرير المدينة ومناطق الشمال التي سيطرت عليها “داعش”. لقد أهينت كرامة الجيش العراقي ودفع عدد كبير من أبنائه الثمن مباشرة، فمن استسلموا أو قبض عليهم تم إعدامهم دون رحمة وبطرق وحشية، وجاء الدور على الأقليات المسالمة منزوعة السلاح من اليزيديين والمسيحيين الذين تم تهجيرهم وتبديدهم وقتلهم وسبي نسائهم ونهب ممتلكاتهم، ثم كل مواطن ساقه الحظ السيئ ليقع تحت رحمة الدواعش الذين تفننوا في طرق القتل من الحرق بالنار إلى دفن المعتقلين أحياء الى التغريق بالماء أو بالأسيد، ودفع شعب الموصل ثمنا رهيبا؛ فقد قتلت أسر كاملة في مناطق الحرب ومئات الآلاف تحولوا الى لاجئين وتدمرت البيوت والمرافق فضلا عن الأضرار الموجعة التي لحقت بآثار وإرث تاريخي لا يقدر بثمن.

لن يكتمل الاحتفال دون جلب المسؤولين عن مهزلة الانسحاب أمام داعش، وقبل أيام أعلن مقتدى الصدر عن مذكرة “المليون توقيع” للمطالبة بالتحقيق في الانسحاب والمجازر اللاحقة، لكن.. نعرف مع الأسف أن الأولوية الآن ليس لمعرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين بل لتسوية تنقذ عراق ما بعد “داعش”.

لعل القوى المهيمنة في الجانب الشيعي تتعظ بعد كل ما حصل فتمد يد المصالحة وتقرر إنهاء التفرد وبناء شراكة حقيقية وكاملة تمسح الجراح وتزيل الأحقاد، بل تستأصل الطائفية من الحياة السياسية، ولعل القوى السنية قد تعلمت الدروس بعد أن رمت بنفسها (ومعها قيادات وضباط من النظام السابق) في حضن التطرف الديني السني فقوت الوحش الداعشي الذي التهمها وصنع مشروعا لا تقبله دولة أو إنسان عاقل في العالم. وقد يبدو هذا طرحا مثاليا يغفل مصالح وحسابات قوى إقليمية مثل إيران التي كان رجلها قاسم سليماني يصول ويجول بين سورية والعراق، ويشرف على إدارة معارك ولا يبالي بوحدة الأوطان والشعوب بل ببناء سلطة نافذة تحت وصاية إيران تمتد من بغداد الى شاطئ المتوسط.

نعم؛ هذا موجود لكن العراقيين من الشيعة أنفسهم الذي عانوا من الإرهاب الإجرامي ودفعوا ثمنا مرعبا لدحر “داعش” ليس بالضرورة أن يخضعوا لطموحات ولاية الفقيه التي يمقتها الشعب الإيراني نفسه، وقد تفكر الأغلبية منهم باستقلالية أكثر فمستقبل وطنهم العراقي ومصالحهم التاريخية هي في السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، وقد أعلن التحالف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم أنهم سيقدمون مشروع تسوية وطنية بعد إعلان النصر على “داعش”، وهناك حراك قوي يتخلل مختلف القوى لمواجهة مرحلة ما بعد “داعش”، وثمة دعوة لمؤتمر سني منتصف الشهر الحالي في بغداد لكنها دعوة خلافية ويحذر البعض من العودة للتخندق الطائفي، وقد يكون ضروريا البحث في تفاهم إقليمي لدعم مصالحة وطنية وحل سياسي جديد ويجب أن يلعب الأردن دورا طيبا مع القوى العراقية بهذا الاتجاه.

سر “داعش” والجهات التي دعمته سيبقى مفتوحا للبحث، لكن ما حصل أنه بات عبئا لا يمكن تحمله ووحشا يؤذي الجميع ويجب التخلص منه، وستكون المسؤولية اللاحقة هي تصحيح السياسات لدعم الاستقرار والوحدة الوطنية والمصالحات.

جميل النمري

 

 

الاخبار العاجلة