صراحة نيوز – بعد 13 عاما من العمل على كشف الحقيقة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، تدخل المحكمة الخاصة بلبنان مرحلتها الأخيرة مع بدء المرافعات الختامية في الإدعاء ضد المتهمين الأربعة بالإعداد لاغتياله، وسط أجواء سياسية داخلية وخارجية معقدة.
فخلال خطاب جماهيري، في أغسطس/آب الماضي، جدد أمين عام “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، إعلانه عدم الاعتراف بهذه المحكمة، محذرا المراهنين عليها من “اللعب بالنار”.
فيما جدد رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، التمسك بالمحكمة لمعرفة حقيقة اغتيال والده، الذي يتهم الإدعاء العام للمحكمة عناصر من “حزب الله” باغتياله عبر تفجير سيارة مفخخة في العاصمة بيروت.
وتم اغتيال الحريري في فترة كانت سوريا، حليف “حزب الله”، تمارس فيها وصاية على لبنان، لكن بعد شهرين من الاغتيال اضطرت القوات السورية إلى مغادرة لبنان بعد 29 عاما من التواجد على أراضيه.
** المحكمة
المحكمة الخاصة بلبنان هي محكمة ذات طابع دولي، يوجد مقرها الرئيسي في إحدى ضواحي مدينة لاهاي بهولندا، ولها مكتب في بيروت.
وهي أول محكمة من نوعها في العالم للتحقيق في قضية اغتيال، وتعمل بمقتضى نظام هجين مستمد من القانون الجنائي اللبناني وقضاء لبناني دولي مختلط.
والولاية الرئيسية للمحكمة هي محاكمة المتهمين بمنفذي تفجير فبراير/شباط 2005، الذي أسقط 23 قتيلا، بينهم الحريري.
وأنشئت المحكمة في 13 ديسمبر/كانون أول 2005، بناءً على طلب قدمته الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة.
وتوصل لبنان والأمم المتحدة إلى اتفاق بشأن المحكمة جعلته المنظمة الدولية نافذا من خلال إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا برقم 1757.
ودخل قانون إنشاء المحكمة حيز التنفيذ، 10 يونيو/حزيران 2007، وعقدت أولى جلساتها العلنية في لاهاي، مارس/آذار 2009.
وتتألف المحكمة من أربعة أجهزة، هي: الغرف، الإدعاء، مكتب الدفاع وقلم المحكمة.
وهذه المحكمة هي هيئة قضائية مستقلة تضم قضاة لبنانيين ودوليين وليست تابعة للأمم المتحدة ولا جزءا من النظام القضائي اللبناني، غير أنها تقضي بموجب قانون العقوبات اللبناني.
وهي المحكمة الأولى من نوعها التي تتناول الإرهاب بوصفه جريمة قائمة بذاتها.
** التمويل
تشكل المساهمات الطوعية من دول 51 بالمائة من تمويل المحكمة، ويساهم لبنان بالنسبة المتبقية.
** الاختصاص
للمحكمة “ﺍختصاص على ﺍﻷشخاص المسؤولين عن الهجوم الذي وقع في 14 فبراير/شباط 2005، وأدى إلى مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وإلى مقتل أو إصابة أشخاص آخرين”.
ويشمل الاختصاص كذلك اعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 أكتوبر/تشرين أول 2004 و12 ديسمبر/ كانون أول 2005؛ إذا تبين أنها مرتبطة بأحداث 14 فبراير/ شباط ومماثلة لها من حيث طبيعتها وخطورتها.
وولاية المحكمة تجيز لها أيضا ممارسة الاختصاص على جرائم ارتكبت في أي تاريخ لاحق، ويقرر ذلك الطرفان (لبنان والأمم المتحدة) وبموافقة مجلس الأمن، إذا كانت هذه الجرائم مرتبطة باعتداء 14 فبراير/شباط 2005.
** سير المحاكمة
أعلن رئيس قلم المحكمة، هرمان فون هايبل، أن المحاكمة يمكن أن تبدأ في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول 2011، بـ”وجود أو غياب المتهمين”.
جاء ذلك بعد أن قدم المدعي العام للمحكمة، القاضي دانيال بيلمار، في 17 يناير/كانون الثاني 2011، إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، دانيال فرانسين، مسودة القرار الظني، الذي “سيبقى سريا في هذه المرحلة”.
وشدد بيلمار على أن “من تمت تسميتهم بالقرار الظني أبرياء حتى إثبات التهمة عليهم”.
وفي 6 مايو/أيار 2011، أعلن المكتب الإعلامي للمحكمة أن بيلمار أودع لدى قاضي الإجراءات التمهيدية قرارا اتهاميا “معدلا” هو الثاني من نوعه يحل محل قرار الاتهام الموسع المؤرخ في 11 مارس/آذار 2011؛ بسبب إضافة عناصر أساسية جديدة إليه لم تتوفر لدى المدعي العام من قبل.
وأفادت تقارير صحفية بأن بيلمار يتهم عناصر من “حزب الله”؛ ما أدى إلى تأزم العلاقات السياسية بين شركاء الحكم في لبنان، وانسحاب 11 وزيرا من “حزب الله” وحلفائه من حكومة سعد الحريري، التي سقطت في يناير/كانون الثاني 2011؛ بعد أن فقدت نصابها القانوني.
وحسب نص الاتهام، فإن مصطفى بدر الدين (52 عاما) وسليم عياش (50 عاما)، وهما مسؤولان عسكريان في “حزب الله”، دبرا ونفذا الخطة التي أدت إلى مقتل الحريري مع 22 آخرين، بينهم منفذ الاعتداء، وإصابة 226 شخصا.
كما يتهم الإدعاء العام، وفق نص الاتهام، العنصرين الأمنيين حسين عنيسي (39 عاما) وأسد صبرا (37 عاما) بتسجيل شريط فيديو مزيف، تضمن تبني الجريمة باسم مجموعة وهمية أطلقت على نفسها اسم “جماعة النصر والجهاد في بلاد الشام”.
وفي 30 يونيو/حزيران 2011، سلمت المحكمة القرار الاتهامي إلى النائب العام اللبناني، سعيد ميرزا، وتضمن 4 مذكرات توقيف بحق المتهمين الأربعة.
وجاء الإعلان عن تسليم القرار الاتهامي إلى السلطات اللبنانية غداة إعلان الحكومة اللبنانية توصلها إلى صيغة “مقبولة من جميع الأطراف” حول الفقرة المتعلقة بالمحكمة الدولية، وهي الفقرة الأكثر حساسية في البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي، التي شُكلت في 13 يونيو/ حزيران.
وتتم محاكمة المتهمين غيابيا لعدم تمكن السلطات اللبنانية من القبض عليهم، بعد أن وصف زعيم “حزب الله” حسن نصر الله قرار المحكمة الاتهامي بأنه سياسي، واعتبر أن توقيت صدوره يستهدف إثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة.
بينما دعا سعد الحريري “حزب الله” إلى التعاون مع المحكمة؛ بما يؤدي إلى تسليم المتهمين، والكف عن ما وصفها بسياسة “الهروب إلى الأمام”.
وقدَّم المدعي العام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، في 17 يناير/كانون الثاني 2011، قرار الاتهام الأصلي الصادر بحق سليم عياش، و حسين عنيسي، و أسد صبرا، و مصطفى أمين بدر الدين.
ولاحقا، عُدِّل قرار الاتهام نتيجة لمستجدات متصلة بالقضية، منها ضم قضية عياش وآخرين وقضية حسن مرعي (متهم آخر) و وفاة بدر الدين.
وفي 16 يناير/كانون الثاني 2014، بدأت المحاكمة في قضية عياش وآخرين بتصريحات قدَّمها الإدعاء والممثل القانوني للمتضررين، ومحامو الدفاع عن بدر الدين وعنيسي.
وطلبت غرفة الدرجة الأولى، في 11 فبراير/ شباط 2014، ضمّ قضية عياش وآخرين وقضية مرعي.
وأُرجئت إجراءات المحاكمة ليُتاح لمحامي مرعي الوقت اللازم للتحضير للمحاكمة.
ثم استؤنفت المحاكمة في 18 يونيو/حزيران 2014.
توافرت تقارير عن مقتل بدر الدين في سوريا خلال مشاركته في الحرب.
وفي 11 يوليو/تموز 2016، أعلنت غرفة الاستئناف بالمحكمة أنه توافرت أدلة كافية يُستنتج منها أنه توفي بالفعل.
وطلبت غرفة الاستئناف إنهاء الإجراءات القائمة بحقه دون المساس بإمكانية مواصلتها إذا تبين لاحقا أنه على قيد الحياة.
وفي اليوم التالي، أودع قرار اتهام معدَّل.
وفي 13 مارس/آذار 2018، قدّمت المحكمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية التقرير السنوي التاسع للمحكمة، ويغطي فترة عملها من 1 مارس/ آذار 2017 إلى 28 فبراير/شباط 2018.
وقالت رئيسة المحكمة، القاضية إيفانا هردليشكوفا، إن المحكمة “أحرزت إنجازات تشكل معالم رئيسية في عملها، وسجّلت تقدما ملموسا في الفترة التي يغطيها التقرير، بما في ذلك اختتام المدعي العام عرض أدلته الرئيسية في قضية عياش وآخرين وتقديم الأدلة بالوكالة عن المتضررين من اعتداء 14 فبراير/شباط 2005”.
وتذكر غرف المحكمة في التقرير أن إجراءات المحاكمة في قضية عياش وآخرين “اقتربت من مراحلها الأخيرة”.
إذ أكمل الإدعاء عرض أدلته الرئيسية في قضية اتهام عياش وآخرين بالمسؤولية الجنائية عن اغتيال الحريري.
وفي تطور هام آخر، قدم المدعي العام، في 21 يوليو/تموز 2017، قرار اتهام سريا إلى قاضي الإجراءات التمهيدية لتصديقه.
وفي أغسطس/آب 2018، أعلنت المحكمة أن غرفة الدرجة الأولى حددت موعد المرافعات الختامية في قضية الإدعاء ضد عياش وآخرين بيوم الثلاثاء، 11 سبتمبر/ايلول الجاري، على أن تنتهي في 21 من الشهر نفسه.
** شهود ومستندات وأدلة
حسب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اضطلعت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة بما يلي منذ بدء المحاكمة، في 16 يناير/كانون الثاني 2014:
– استمعت إلى أكثر من 307 شهود.
– أودع الفرقاء 4781 مستندا.
– أصدرت أكثر من 1467 قرارا.
– المتضررون المشاركون في إجراءات المحاكمة هم 72 متضررا، 43 منهم حضروا إجراءات المحاكمة.
– وقدَّم الإدعاء أدلة تتعلق بأعمال التحضير للتفجير التي قام بها المتهمون، والخلفية السياسية في لبنان، والوضع الذي كان سائدا في البلد خلال الفترة المعنية.
وكذلك أدلة بشأن أنشطة الحريري وأسفاره وتحركاته في الأشهر السابقة على الاعتداء، وشبكات الهواتف ونمط استخدامها، بما فيها مصدر وطبيعة شبكات الهواتف التي استُخدمت في التحضير للاعتداء وتنفيذه.
وقد خبراء أدلة، بينها ما يتعلق بتحليل الهواتف الخلوية ونظم الحواسيب والمعلومات وتخزين البيانات وأمنها، وتشمل أدلة رقمية واردة من شركات الاتصالات، إضافة إلى جهود يُزعم أن المتهمين بذلوها لتجنب كشف أمرهم.