بيومها العالمي..الترجمة قادرة على إلغاء الحدود ورصد التقدم

30 سبتمبر 2022
بيومها العالمي..الترجمة قادرة على إلغاء الحدود ورصد التقدم

صراحة نيوز – الترجمة في يومها العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة، والموافق للثلاثين من أيلول كل عام، هي المشروع الوحيد الذي يُلغي الحدود الجغرافية في العالم، وفي الوقت ذاته، هي المؤشر على تقدم حضارة ما، إذ يمكن التنبؤ من خلاله إلى أين تسير، فإذا ازدهرت في دولة يعني أنها تحثّ الخطى نحو التطور، وإن تباطأت، فهذا تخلف عن ركب العالم المتسارع.
وفي العالم تنشط الترجمة، كلما نشط فعل القراءة والتثقف، لكنها في الوطن العربي، تشير إلى الوضع العام الذي يعتريه بمختلف الأصعدة، ومحليا، مشاريع قليلة وتحديات وصعوبات من الممكن حلها، وفق ما يقترح متخصصون بشؤون الترجمة.
يقول رئيس جمعية المترجمين الأردنيين الدكتور محمد عبيدات لوكالة الأنباء الأردنية (صراحة نيوز)، إن واقع الترجمة في عالمنا العربي انحدر بشكل كبير وإلى وادٍ سحيق في آخر سبعة قرون نتيجة لتردي الأوضاع السياسية التي سيطرت على بلادنا ولفترة طويلة، مضيفًا أن بعض الدول العربية كادت أن تخسر لغتها لصالح لغة المستعمر، مما أضعف واقع العلوم كافة ومنها الترجمة، ونتج عن كل ذلك عدد من الترجمات الخجولة نسبياً.

*أرقام دون المأمول
ويضيف عبيدات، أن تقرير التنمية الإنسانية العربية؛ يبين أن مجموع الكتب التي تُرجمت إلى اللغة العربية منذ عهد الخليفة المأمون وحتى نهاية القرن العشرين لا يكاد يتعدى العشرة آلاف كتاب، وهو رقم تترجمه دولة كإسبانيا وحدها في عام واحد مثلا.
وعن الترجمة في الأردن؛ فبحسب أرقام رئيس جمعية المترجمين زودته بها دائرة المكتبة الوطنية، تظهر أن مجموع عدد الكتب المترجمة بلغ نحو 240 كتابا خلال الأعوام 2017 و2018 منها نحو 170 كتاباً في حقل الآداب واللغات و52 كتابا في مجال العلوم الإنسانية والفلسفة و11 كتاباً في مجال العلوم التجريبية والرياضيات وكان النصيب الأكبر للغة الإنجليزية بنحو 170 كتاباً.
“كما أظهرت أرقام دائرة المكتبة الوطنية، أن نصيب الأسد من الكتب المترجمة ناجم عن مبادرات فردية نتج عنها ترجمة نحو 230 كتاباً بينما لا يوجد أي كتاب واحد مترجم برعاية جهة رسمية (في الفترة المشار إليها)، مما يعني بحسب هذه الإحصائية البسيطة أن ما يُترجم في بلادنا لا يواكب ولا يجاري ما يتم إنتاجه من علوم في العالم الغربي” بحسب عبيدات.
ويوافق مؤسس دار جبل عمان ناشرون سنان صويص والرئيس التنفيذي للدار في حديثه لـ(صراحة نيوز)، على ما ذهب إليه عبيدات، فيما يتعلق بأن “هناك تأخرًا، وأن الجهد المقدم هو جهد غير رسمي، ومن بعض دور النشر بالغالب التي ترى فرصة في ذلك. لكن مثل هذه الفرص لا تخلو من أخطار تكون عالية أحيانًا؛ لأن لهذه الموضوعات جمهورا محدودا، كما أن شيوع القرصنة وانتهاك حقوق الطبع تعد عاملاً إضافيًّا أيضًا في تثبيط جهود الاستثمار جراء ارتفاع التكلفة”.

*مِنَح الترجمة
على الرغم من ذلك، يرى صويص أن المنطقة شهدت حركة ترجمة نشطة، ولا سيما بوجود مبادرات عدة أُطلقت في منطقتنا، وأسهمت في دعم الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، مثل منحة “كلمة” الممولة من هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ومنحة الشارقة للترجمة على المستوى العربي، وهناك برامج أخرى على المستوى المحلي في بعض الدول كما هي الحال في السعودية من قبل هيئة النشر والترجمة لدعم الناشرين السعوديين، إضافة إلى مبادرات أخرى عدة من وزارات الثقافة.
ويتقاطع رئيس اتحاد الناشرين جبر أبو فارس مع صويص بأن حركة الترجمة بدأت تنشط في السنوات الأخيرة وذلك بسبب وجود منح للترجمة من بعض الدول العربية؛ إذ تساعد هذه المنح، الناشر وتشجعه على نشر الكتب المترجمة.
ويشير أبو فارس إلى أن حركة النشر من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية جيدة في المجالات الأدبية والطفل وبعض المجالات الأخرى مثل الفلسفة والتربية، لكن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى أقل وتنشط في حقلي علوم اللغة العربية والدراسات الإسلامية خاصة.
في السياق، يشيد المدير العام للمؤسسة العربية للدراسات والنشر الناشر ماهر كيالي بالمشاريع النوعية التي بدأت تنتهجها دول كالسعودية والإمارات لتشجيع الترجمة.

*تحديات
وفيما يتعلق بتحديات الترجمة، يقول كيالي إنها تتعلق بتكلفة الترجمة والوقت الطويل الذي يحتاجه إتمامها، ومحدودية الأسواق في الوطن العربي بما لا يتناسب مع كلفة الترجمة، كما أن الناشر الأجنبي يطلب حقوقًا مقدمًا، بمبالغ كبيرة.
ومن التحديات التي تواجه حركة الترجمة، يرى صويص أنها تتلخص بـارتفاع تكلفة الترجمة؛ إذ إنّها تتطلب مترجمين من جودة واختصاص وخبرات معينة، علاوة على مشكلة القرصنة وانتهاك حقوق الطبع، وعدم وجود مصطلحات عربية تعبِّر عن بعض المفاهيم الحديثة في مجالات معيّنة، إلا أنه يعتبر أن ثمة إقبالا جيدا في مجالات محددة ينتهجها عدد محدود من دور النشر المدير العام للمؤسسة العربية للدراسات والنشر.
وعن الحلول التي يرى الناشر كيالي أنها مناسبة للدفع بحركة الترجمة، فتتمثل بدعمها على نطاق واسع من الدول العربية والأجنبية، وتشجيع المكتبات العامة على اقتناء الكتب، وإعطاء أسعار حقوق خاصة للترجمة العربية.
مدير دائرة الترجمة في صحيفة الغد اليومية، علاء الدين أبو زينة، يشدد على أن الدول ينبغي أن تدرك أنها تستثمر في الترجمة وتنفق عليها كجزء من استثمارها في مواطنيها وتطوير شخصيتها العامة، وأن تكون –بالضرورة- متحررة من فكرة الربح التجاري المباشر لأن مردود الاستثمار المعرفي يظهر في هذه الشخصية.
فيما يذهب أستاذ العلاقات الدولية الدكتور جمال الشلبي إلى أن جهودًا أردنية وعربية بدأت تُبذل، بعد أن دفعت تقارير الأمم المتحدة، الوطن العربي، مع مطلع القرن الحادي والعشرين، إلى التفكير بالترجمة على أساس أنها رمز من رموز التقدم، فاهتمت الكثير من المؤسسات والمراكز وحتى الجامعات العربية بها.
ويوضح أن هناك تصاعدا وتوسعا أصبح للترجمة من لغات جديدة، ولا سيما الدول الصاعدة سياسيا واقتصاديا مثل تركيا والصين وغيرها، مبينا أن الترجمة في الوطن العربي ازدهرت عما كانت عليه قبل القرن الحادي والعشرين، لكنه يرى أن أهم معيقات حركة الترجمة تتمثل بإيجاد المترجمين والباحثين المتخصصين بالترجمة في مختلف الحقول.

*جهود وزارة الثقافة
الأمين العام لوزارة الثقافة هزاع البراري، يرى أن الترجمة تسير باتجاهين: ترجمة ما يكتب أردنيًّا في مجالات الأدب والفكر والفنون، للغات الحيّة، كذلك الترجمة من الآداب والمعارف العالمية، ونشرها من خلال منشورات الوزارة سواء في مكتبة الأسرة، ومختلف سلاسل النشر لديها، كالمجلات الصادرة عن الوزارة، إذ إن هناك نشرًا لبعض الدراسات والمقالات المترجمة.
وفيما يتعلق بجهود الوزارة بالترجمة، يقول البراري لـ(صراحة نيوز) إن الوزارة لديها مشاريع عدة لها علاقة مباشرة وغير مباشرة فيما يتعلق بالترجمة، مبنيا أن الاعتماد على ما هو مترجم للعربية يتم من خلال عدد من المترجمين ودور النشر الحاصلة على حقوق الترجمة، لأن الحصول على الملكية الفكرية من الكاتب الغربي ودار نشره مباشرة، يتطلب تكاليف مالية مرتفعة خصوصا في ظل الظرف المالي العام.
ويشير إلى أن الوزارة قامت بمشروعات عدة تتعلق بالترجمة منها ترجمة مختارات من القصة القصيرة والشعر لكتاب أردنيين، إلى اللغات الحية ونشرها.
ويبين أنها وضمن الاحتفالات بمئوية تأسيس الدولة الأردنية عملت على ترجمة مئة قصة ومئة قصيدة، تعبّر عن تطور الكتابة في الأردن خلال مئة عام، كما تم ترجمة كتاب بعنوان “الحكمة في إدارة الندرة” في المناسبة ذاتها وهو يكشف عن عبقرية الدولة الأردنية بتمكنها من إدارة ندرة الموارد والمساحة وغيرها، مشيرا إلى أن الوزارة قطعت شوطًا كبيرًا في ترجمته للآن إلى خمس لغات عالمية وسيصدر بالتعاون مع دور نشر، وقام بتأليفه مجموعة من المفكرين ورجال الدولة الأردنية.
ويشير إلى الاتفاقية التي وقعتها الوزارة وجامعة ميتشغن الأميركية، ويتم من خلالها توفير عدد من الروايات الأردنية لترجمتها من قبل مترجمين تكلفهم الجامعة بإشراف منها، وصدرت باكورة هذه الأعمال قبل ما يزيد على عام، والآن يتم إعداد مجموعة جديدة.
ويعرب البراري عن طموح الوزارة لبناء شراكات متعددة مع مجموعة من المؤسسات المحلية أو الأجنبية للتوسع في مجال الترجمة.
ويرى البراري أن حركة الترجمة محليا وعربيا ليست بالوتيرة المطلوبة، وأن السوق المحلي يحتاج لكتب مترجمة؛ إذ من الملاحظ في معارض الكتب الإقبال الكبير عليها.
ويؤكد البراري أن هناك دورا يجب أن تقوم به الجامعات، بأن يكون لها برامج نشر وترجمة، ولا سيما أن الجامعات تضم أكاديميين متخصصين يتقنون اللغات ولديهم القدرة على ترجمة الكتب حسب تخصصاتهم.
ويختم البراري بالقول إن الجهات المعنية من دور نشر وجامعات ومؤسسات ثقافية، إذا قامت بأدوارها فيما يتعلق بالترجمة، فسنستطيع كوزارة ثقافة بذل الجهود لإحداث نقلة في هذا المجال.

*مهارات المترجمين
ويشير كيالي إلى قضية مهمة على صعيد الترجمة، هي كفاءة المترجم الذي يحتاج اطلاعًا واسعًا خاصة في الموضوع المترجَم، مشيرًا إلى أهمية إيجاد حلول أهمها دعم الترجمة على نطاق واسع من الدول العربية والأجنبية، وتشجيع المكتبات العامة على اقتناء الكتب المترجمة، وتطوير مهارات العاملين في الترجمة.
ويقترب من هذا الرأي أبو زينة؛ بقوله إن المترجمين، في جزء كبير من نشاطهم، هم أناس مبدعون، ويعني “الإبداع” امتلاك قدرات ومواهب إدراكية وتعبيرية ولغوية طبيعية غير مصطنعة، تدعمها معرفة متخصصة باللغتين وثقافتيهما، مشيرا إلى ترجمة الأدب التي تحتاج مترجما مبدعا يحتفظ بدلالات المضمون وجماليات الشكل، دون التجني على المُنشئ الأصلي أو الهبوط بنصه من الإبداع إلى العادية.
وبشأن تسويق المنتج المعرفي العربي إلى اللغات العالمية على أهمية ذلك، يرى أبو زينة أنه غير منافس معرفياً، ومصحوب بصورة نمطية عن العرب، مما أفضى إلى كساد سلعتنا باعتبارها أقل جودة.
وعن تحديات الترجمة وسبل تطويرها في المستويين المحلي والعربي، يركز مدير مركز الترجمة في الجامعة الأردنية الدكتور توفيق عمر في حديثه لـ(صراحة نيوز) ، على أهمية إيجاد المترجم البارع الذي يمتلك القدرة على إتقان ترجمة تخصصية معينة وهي تحتاج المعرفة والإلمام اللازمين.
ويلفت الدكتور عمر إلى أن مركز الترجمة في الجامعة الأردنية، وهو أول مركز متخصص في الترجمة على مستوى الجامعات في الأردن، والذي جاء ليسد ثغرة بدأت في الاتساع تهتم بالجانب المادي على حساب الجانب المعرفي المتقن، ويهدف إلى تزويد المجتمع المحلي والإقليمي بخدمة ترجمة رائدة في جودتها وذات مهنية عالية لاعتماد المركز على مترجمين متخصصين ومؤهلين من داخل البنية الأكاديمية للجامعة الأردنية.
وبحسب أرقام وزارة الثقافة، فإن مكتبة الأسرة إحدى مشاريع الوزارة للتشجيع على القراءة عبر توفير كتب بأسعار رمزية، قدّمت للقارئ الأردني 116 كتابا مترجما خلال الأعوام 2007 – 2020، منها 7 كتب في عام 2018، و8 كتب في 2019 ومثلها في 2020 في حقول الأدب والعلوم والفنون والأطفال، من اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والفارسية والإيطالية والبوسنية واليابانية والصينية والتركية.
محمد الدحيات- بترا

الاخبار العاجلة