* د. البخيت: الشخصية الأردنية بناءة ومبادرة ولديها الخبرة في إدارة الندرة وتستند إلى قيم عروبية
* د. البخيت: الأردنيون كانوا رواداً في ممارسة الحياة الديمقراطية واحترام الحرية والاستقلال والتعددية
* د. أبوحمور: مبادىء الهاشميين ورسالة النهضة العربية وركائز الشخصية الوطنية صنعت نهضة الأردن
* د. أبوحمور: الأردنيون ظلوا في قلب الأحداث القومية وتعاملوا بإيجابية مع قضايا أمتهم ودافعوا عن حقوقها
عمّان- صراحة نيوز – استضاف منتدى الفكر العربي، مساء الاثنين 14/8/2017، رئيس الوزراء الأسبق د. معروف البخيت، الذي قدم محاضرة بعنوان “محطات من تطور الشخصية الوطنية الأردنية”، دعا فيها إلى تأكيد ركائز هذه الشخصية وصورتها في الثقافة وبناء الشخصية الوطنية التي تأسست على الانفتاح والتواصل والتنوير، كما أكد أهمية تعرف الجيل الجديد على تضحيات الآباء والأجداد الذين بنوا وطناً بثقافة الأمل والاستثمار بالإنسان. أدار اللقاء وقدمه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمّور.
د. محمد أبوحمور
وقال د. محمد أبوحمور في كلمته التقديمية: إن الحديث عن الشخصية الوطنية الأردنية، هو حديث عن نموذج عربي التكوين، مرتبط بهويته العروبية والإسلامية الحضارية والثقافية. وقد أعطته الجغرافيا التاريخية بحكم موقع الأردن عمقاً في التفاعل مع ثقافات وحضارات عالمية عرفتها المنطقة أو مرت بها.
وأضاف د. أبوحمّور أن أحداث التاريخ، ولا سيما خلال فترة المئتي عام الأخيرة أوجدت ظروفاً دقيقة وحاسمة، عبَّرت عن معدن هذه الشخصية وأصالة تكوينها. وحين نصف الشخصية الأردنية بأنها شخصية نهضوية بنّاءة وإيجابية، طامحة إلى التحرر والاستقلال والتقدم، فإننا لا نغالي وإنما نتحدث عن وقائع مشهودة تاريخياً، ومن أبرزها مساهمة الأردنيين المعروفة في الثورة العربية الكبرى حتى وصول جيش الثورة بزعامة الأمير فيصل بن الحسين إلى دمشق، وإعلان أوّل دولة عربية مستقلة في العصر الحديث (1918-1920)، وكفاحهم إلى جانب إخوانهم من أهالي بلاد الشام لاستعادة هذه الدولة العربية، التي قضت عليها اتفاقية سايكس- بيكو واتفاقيات القوتين العظميين في ذلك الحين، بريطانيا وفرنسا، لتقاسم النفوذ الانتدابي في المنطقة.
وقال د. أبوحمّور: إن ما قدمه الأردنيون من تضحيات ومواقف وطنية وقومية منذ انكشاف المؤامرات الاستعمارية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، والنكث بالعهود المقطوعة من بريطانيا لقائد النهضة العربية الشريف الحسين بن علي في دولة عربية واحدة مستقلة تضم بلاد الشام والحجاز والعراق، وبدء تنفيذ وعد بلفور لمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، وما تبع ذلك من حروب وصراعات بين العرب وإسرائيل، كل ذلك يؤكد غلبة التكوين العروبي على الشخصية الأردنية، ولا سيما أنه في الوقت الذي كانت تبدو فيه صورة القضية الفلسطينية غائبة عن المشهد العربي، بقي الأردن وقيادته الهاشمية يتمسكون بمركزية هذه القضية ومحوريتها والدفاع عن الحقوق العربية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس ومقدساتها.
وأضاف د. أبوحمور أنه قدر للأردنيين أن يكونوا في قلب الأحداث القومية دوماً، ومنذ مطالع القرن العشرين، ورغم أن الأردن – بحدوده السياسية الحالية – لم تكن قد تشكلت فيه الدولة الحديثة بعد، إلا أن كيانه الوطني عبَّر عن نفسه بشكل واضح وجليّ. وما عرفناه في الأردن الحديث من تقديم للشأن القومي في كثير من الحالات هو جزء من الشخصية الأردنية، وليس مسألة عارضة.
وقال د. أبوحمور: إن مبادىء الهاشميين ورسالة النهضة العربية ومكونات الشخصية الوطنية الأردنية تمازجت لتصنع نهضة الأردن الحديث، ولتشكل نموذجاً ومرتكزاً للقضايا العربية على مختلف الأصعدة. وإذا كان الأردن يُعد بلداً صغيراً بالمساحة نسبياً، قليل الموارد والإمكانات، فإن دوره العربي والإقليمي والعالمي يتجاوز بكثير هذه الإمكانات المادية، ويتصف بالريادة سواء في علاقة الحكم بالشعب وتأكيد التنوع في إطار الوحدة عملياً في النسيج الاجتماعي، أو في إدارة الموارد، وكذلك في علاقاته المتميزة بالعالم، القائمة على الاحترام والتفهم والتفاهم، ومشاركته في كل ما يخدم قضايا السلم العالمي والتفاهم الإنساني.
د. معروف البخيت
من جهته، قال د. معروف البخيت في محاضرته: إن هناك ثلاث خلفيات أثرت بشكل مباشر في تشكّل الشخصية الأردنية المعاصرة، وإن فهم هذه الشخصية ورسم ملامحها المستقبلية يتطلبان التوقف عند هذه الخلفيات، وفي مقدمتها البنية الاجتماعية الأردنية والتقاليد الثقافية الاجتماعية المستندة على احترام البُنى الاجتماعية القرابية وعلى رأسها العشائر، بمفهومها الاجتماعي والقيمي النبيل، القائم على الكرم والبذل والتكافل الاجتماعي، وليس بمفهومها ووظائفها السياسية.
وأضاف د. البخيت أن نمو المجتمع الأردني ونضجه وتطوره خلال أكثر من قرن ونصف القرن جاء في ظل ما سمّاه “حالة طوارىء تاريخية” لم تتوقف بدءاً من الصراع والنضال ضد الهيمنة العثمانية إلى النضال للتخلص من الانتداب البريطاني، وصولاً الى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ثم الصراعات المحيطة التي لم تتوقف. وهذه الحالة من الطوارئ أوجدت حالة أخرى من الترقب والاستعداد الدائم، وتركت آثارها على شخصية الأردني ومزاجه وطريقة تفكيره وآلية اتخاذه للقرارات والمواقف، فكرست الشخصية الجادة المستعدة والمتنبهة دوماً، والقادرة على المبادرة والتضحية في الوقت نفسه.
وأشار د. البخيت إلى أن المجتمع الأردني بنى دولته ومؤسساته في ظلّ حالة من الندرة؛ أي بموارد محدودة وظروف صعبة، ما جعل الأردنيين خبراء في إدارة الندرة والتكيّف مع هذه الحالة في إدارة الموارد الطبيعية والمياه والطاقة وغيرها، وهي الحالة أيضاً التي أوجدت لديهم القدرة والمراس على التكيف مع ظروف مختلفة.
ووصف د. البخيت الشخصية الأردنية بأنها بنّاءة بالرغم من واقع الندرة، مشيراً إلى ملامح من تطور التعليم والرعاية الصحية والمياه وسائر الخدمات خلال العقد الأول من نشأة الدولة الأردنية الحديثة أو إمارة شرقي الأردن منذ عام 1921، ما يوضح حجم النقلة النوعية ومستواها في القطاعات الأساسية، والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة مؤسسية، تأسست عليها تالياً نهضة الأردن واستقلاله.
وأوضح د. البخيت أن لشخصية المغفور له الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، الدورَ الكبير في تحديد صورة وملامح الدولة الأردنية، وتعزيز قيم الاعتدال والوسطية والانفتاح، وهو ما ميّز القيادة الهاشمية على مر العصور، فكان الملوك الهاشميون، دوماً، يتمثلون رسالة الثورة العربية الكبرى، وقادوا مسيرة شاقة للبناء والنهضة وتأسيس الدولة الحديثة، ودافعوا عن المنجزات وعن استقلال الإرادة الوطنية، وتحملوا الكثير وقدموا التضحيات الجليلة. وهذه الحالة من الانسجام بين القيادة والشعب، ومع استمرارية التواصل، والاندفاع نحو الإصلاح الدائم والتنمية؛ تركت أثراً مهماً في تطور الشخصية الوطنية الأردنية، وفي سلوكها السياسي؛ سواءً أكانت داخل الحكم أم المعارضة.
وأكد د. البخيت أن الأداء الديمقراطي، بصرف النظر عن مسمّاه أو شكله أو مستوى نضجه، كان ملفتاً في الحالة الاردنية، ومنذ ما قبل تأسيس الإمارة. ويمكن القول إن النزعة نحو الديمقراطية والشراكة، ورفض الاستئثار والاستبداد، هي نزعة أصيلة في الشخصية الوطنية الاردنية. وقد تعامل الاردنيون مع الأحداث السياسية الكبرى، التي ألمّت بالمنطقة، بمنطق من التشارك والحوار والنقاش العام على قاعدة التمثيل، ابتداء من مؤتمر «أم قيس» الشهير (2 أيلول 1920م)، مرورا بالتشكيل البسيط في طبيعته، الكبير في دلالاته، للحكومات المحلية الثلاث، التي سبقت قيام الدولة الحديثة، وإعلان إمارة شرق الاردن عام 1921، حيث اتجه الأردنيون نحو التمثيل النيابي مبكرا. بل، لقد ناضل الاردنيون، في عشرينيات القرن المنصرم، في سبيل قيام مجالس نيابية، تمثل فئات المجتمع كافة، وتحاسب الحكومات وتراقبها، حتى في ظل وجود الانتداب البريطاني.
وأشار في هذا الصدد إلى أن وزارة المرحوم حسن خالد أبو الهدى الثالثة (تألفت بتاريخ 17/11/1929)؛ تشكلت من ست حقائب وزارية، شغل ثلاثةً منها أعضاءٌ من المجلس النيابي (هم: علاء الدين طوقان، عودة القسوس وسعيد المفتي)، ما يعني أن نصف عدد الوزراء كان من النواب؛ فيما كانت الحكومة كلها حكومة مسؤولةً أمام مجلس النواب (أطلق عليه في حينه اسم المجلس التشريعي)، وهي تجربة مبكرة جداً على الصعيد الإقليمي كله لتأليف الوزارات البرلمانية. وقال: إن هذا الشكل من التعبير الديمقراطي الحضاري المتقدم ربما يكون أول شكل ناضج ومنجز للديمقراطية، على مستوى الإقليم، خصوصاً، إذا ما اخذنا بعين الاعتبار، استمرارية التجربة، وعدم انقطاعها، (كما حدث تالياً في مصر أو العراق، مع نهاية العهد الملكي الدستوري فيهما، وانتقالهما إلى تجارب أخرى، ابتعدت عن النمط البرلماني الملكي الدستوري).
وبالانتقال إلى عهد الاستقلال، وبشكل خاص، مع خمسينات القرن المنصرم، حقق الأردنيون إنجازاً مهماً واستثنائيا، مع قيام حكومة المرحوم سليمان النابلسي (29/ 10/ 1956- 10/ 4/ 1957)، بوصفها حكومة استكملت كافة شروط ومواصفات الحكومة البرلمانية. وقد تكون هذه الحكومة بالذات، هي أول، وربما أيضاً، آخر حكومة يشهدها الإقليم العربي كله، تقوم على أساس مواصفات برلمانية حزبية ديمقراطية كاملة، مما يُسجّل للأردن، بقيادته ومؤسساته وأحزابه المعارضة، فضل السبق، وعياً وإنجازاً وتطوراً ديموقراطياً.
كما أشار د. البخيت إلى أن مؤسستين ساهمتا في استكمال نضوج الشخصية الأردنية المعاصرة خلال العقود الماضية، وهما: المؤسسة العسكرية الأردنية التي أعادت انتاج الشخصية الأردنية وأطّرتها وطنياً، والمؤسسة التعليمية الأردنية التي عملت على عملية إعادة انتاج موازية للشخصية الأردنية ولكنها معرفية وتأهلية.
وفي إطار قراءته لعناصر تكوين الشخصية الأردنية تاريخياً، أكد د. البخيت على ضرورة التمييز بين التاريخ الحافز والتاريخ العبء، موضحاً أن قوة الدولة من زاوية القوة الناعمة تعد التاريخ المركزي للدولة مصدراً أساسياً لقوتها، لأنه أحد الأسس المرجعية لتشكل الشخصية الوطنية.
وأضاف أن الأردن ينتمي جغرافياً وثقافياً لمنظومة بلاد الشام، إلا أنه أيضاً متداخل ومشتبك جغرافياً وديموغرافياً مع الجزيرة العربية ومصر. وأن الأرض الأردنية كانت على الدوام حاضرة وفاعلة في مجريات التاريخ، وشكلت نقطة التقاء للجماعات والمعتقدات والثقافات، مما أثر في تشكيل الشخصية الأردنية.
وقال: إن المجتمع الأردني تشكّل من مسلمين ومسيحيين التحموا معاً في شخصية واحدة ومنظومة متكاملة، وكانوا دائماً نموذجاً للتآخي. وقام المسيحيون الأردنيون بدور كبير ورائد في مجال التعليم ومكافحة الأمية، ولاحقاً في مجال جمع وحماية التراث، وخلال عهد الإمارة كانوا رواداً في الإدارة العامة وفي المعارضة الحزبية، والصحافة والإعلام، وفي التأسيس للمدنية الأردنية.