صراحة نيوز – خسرت الدول الأربع التي فرضت حصاراً على الدوحة، منذ نحو نصف عام، رهانها على انهيار الاقتصاد القطري، بل على العكس تكشف جميع المؤشرات الاقتصادية، الحفاظ على قوة الريال القطري واستقرار احتياطي النقد الأجنبي. كما تحولت محنة الحصار إلى منحة للعديد من القطاعات الإنتاجية التي استفادت من ضخ الدولة تمويلات ضخمة فيها، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات ساهمت في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
“الحكومة القطرية نجحت في الحفاظ على متانة الريال عبر إجراءات وقرارات متتالية، أدت إلى استقرار سعره بين 3.64 و3.65 ريالات للدولار “
متانة الريال
رغم الضربات العديدة التي وجهتها دول الحصار للعملة القطرية من أجل إضعافها، ومنها التلاعب بالسندات القطرية في الخارج، عبر شرائها ثم بيعها بسعر أقل، إلا أن الحكومة القطرية نجحت في الحفاظ على متانة الريال عبر إجراءات وقرارات متتالية، أدت إلى استقرار سعره بين 3.64 و3.65 ريالات للدولار، كما وفّر مصرف قطر المركزي الكميات المطلوبة للأفراد والمستثمرين. واستطاعت قطر الحفاظ على استقرار الاحتياطي النقدي رغم الحصار.
وحسب بيانات مصرف قطر المركزي، فإن الاحتياطي الأجنبي للبلاد ارتفع إلى 131.5 مليار ريال (نحو 36.1 مليار دولار)، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أساس شهري، وبنسبة زيادة 1.5%، مقارنة بنهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي هذا السياق، أكد محافظ مصرف قطر المركزي، عبدالله بن سعود آل ثاني، أمس، أنه تم التغلب تماما على آثار الحصار الجائر المفروض على قطر من بعض دول الجوار. وأضاف أن ما يملكه مصرف قطر المركزي من احتياطات دولية وسيولة بالعملات الأجنبية يمثل أكثر من ضعفي القاعدة النقدية.
وأكد محافظ “المركزي”، في كلمة له خلال النسخة السادسة لمؤتمر يوروموني 2017، أمس، أن إجمالي موجودات البنوك التجارية العاملة في دولة قطر حقق، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017، نموا قدره 12.8%، مقارنة بعام 2016، كما زادت ودائع العملاء لدى البنوك التجارية خلال نفس الفترة بأكثر من 17.5% مقارنة بعام 2016.
” رغم تحديات الحصار، فإن شركة قطر للبترول واصلت استراتيجية التوسع والتحديث لقطاع الغاز إنتاجاً وتصديراً “
وأكد المحلل الاقتصادي أحمد عقل، لـ “العربي الجديد”، أن المؤشرات المالية تعكس قوة الاقتصاد القطري الذي نجح في كسر الحصار والحفاظ على الاستقرار المالي للبلاد، مشيراً إلى أن وجود الصندوق السيادي القطري باستثمارات أكثر من 300 مليار دولار ساهم في توازن القطاع المالي، حيث تم ضخ مبالغ لدعم الريال، كما يعتزم تمويل استثمارات في قطاعات مختلفة مثل الخطوط الجوية القطرية، ومشروع “كتارا” الثقافي. وأكد أن قطر لديها مصادر دخل رئيسية مثل الغاز والنفط وفّرت النقد الأجنبي بشكل دوري، ما دعّم الدولة في مواصلة خططها التنموية، وأبرزها تطوير البنية التحتية ومواصلة مشروعات كأس العالم 2022.
توسع الغاز
ورغم تحديات الحصار، فإن شركة قطر للبترول واصلت استراتيجية التوسع والتحديث لقطاع الغاز إنتاجاً وتصديراً. وأعلنت قطر عن استهدافها زيادة إنتاج الغاز المسال إلى نحو 100 مليون طن سنوياً، من نحو 77 مليون طن حالياً.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول، سعد شريدة الكعبي، يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي، إن دولة قطر ستحافظ على مكانتها كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم. وأضاف الكعبي أن هناك نمواً في الطلب العالمي على الغاز، ودولة قطر تؤمّن جزءاً كبيراً من هذا الاحتياج، وهناك توسع في استثماراتنا داخل قطر وخارجها، ولن يتجاوزنا أحد”.
زراعة وألبان
استطاعت قطر، خلال 6 أشهر من الحصار، التحول من الاستيراد إلى السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي للعديد من السلع الضرورية، وضخت الحكومة والقطاع الخاص استثمارات كبيرة في المجال الزراعي، وإنشاء مشروعات ثروة حيوانية وألبان. وحسب تقارير رسمية، اتجهت قطر إلى تفعيل عمل المزارع التي يبلغ عددها نحو 1400 مزرعة حالياً، كما تستهدف الحكومة الوصول بها إلى نحو 3 آلاف مزرعة خلال السنوات المقبلة، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من العديد من السلع الزراعية من خضروات وفواكه بحلول عام 2030، وفقاً لخطط الدولة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، أكد رجل الأعمال القطري أحمد الخلف، لـ “العربي الجديد”، أن أحد أهم المكاسب لقطر من الحصار هو اتجاهها نحو الاكتفاء الذاتي، بدلا من الاعتماد على الاستيراد. وأضاف الخلف أن قطر ستحقق الاكتفاء من سلع ضرورية خلال 5 سنوات، ما يساهم في تعزيز أمنها الغذائي، كما ستوفر مبالغ طائلة كانت تضخها لاستيراد هذه السلع من الخارج، مثل الألبان التي شهدت استثماراتها ارتفاعا كبيرا في السوق المحلي.
أسواق بديلة
نجحت قطر في استحداث أسواق بديلة للاستيراد من دول الحصار، حيث اتجهت إلى سلطنة عمان وتركيا والهند وماليزيا ودول أخرى، ما أحدث استقرارا في الأسواق وتوازنا في الأسعار.
وأكد نائب رئيس غرفة قطر، محمد بن طوار، لـ”العربي الجديد”، أن قطر أوجدت بدائل أفضل من دول الخليج التي أغلقت منافذها البرية والجوية والبحرية معنا، في محاولة لضرب الاقتصاد، إلا أنها لم تنجح. وأشار بن طوار إلى أن المحنة تحولت إلى منحة، وافتتحت قطر ميناء حمد الدولي، أحد أكبر موانئ المنطقة رسميا، وافتتحت العديد من الخطوط الملاحية الجديدة مع سلطنة عمان وتركيا والهند والعديد من دول العالم.
وتابع بن طوار أن أحد المكاسب المهمة هو توسيع استراتيجية تنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات السياحية والصناعية والتجارية، ما يساهم في تقليص الاعتماد على النفط والغاز.