صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
نعرف أن هناك من يقيم غيره سواء كانوا من مرؤوسيه أو من غيرهم، ولكن هل هناك من يقيم نفسه ويعترف بقدراته ؟ هذا ما سنعرفه من خلال القصة الواقعية التالية :
العميد الركن صالح عبد الغني حجازي رحمه الله، كان من أوائل ضباط الجيش العربي الأردني، والذي طويت صفحته ولم يعد يذكره أحد، له قصة في الخدمة العسكرية لابد من التذكير بها. هذا الضباط كان من أكفأ ضباط الجيش العربي القدامى، خاصة وأنه قد تخرج من كلية الأركان البريطانية كامبرلي. وكان ذو شخصية مميزة ويتصف بصفات عسكرية صارمة، لا يجامل ولا يتحيز في تعامله مع مرؤوسيه أو مع الآخرين. وقد كان وهو برتبة ملازم أول، قائدا للفصيل الذي كنت أنتمي إليه في الكلية الحربية الملكية، إضافة لكونه معلما لمواضيع التكتيك والإدارة في الكلية.
بعد حرب حزيران 1967 عُين العميد صالح عبد الغني قائدا للواء المدرع 40، رغم أن صنفه ضابط مشاة وليس ضابط دروع، وهو أمر غير مألوف في القوات المساحة الأردنية، ولكن جرى له ذلك الاستثناء لكونه من الضباط المميزين. في زيارة له لإحدى كتائب الدبابات واستفساره عن سير التدريب، أبلغه قائد الكتيبة وهو الرائد مرزوق، أنه قام بتدريب أطقم الدبابات وحتى الطهاة على رماية الدبابات وإصابة الأهداف بدقة متناهية.
وعندما خرجت الكتيبة إلى ميدان الرماية في وقت لاحق، حضر قائد اللواء العميد صالح رماية الدبابات على الأهداف الميدانية. ولسوء حظ قائد الكتيبة كانت الرماية غير دقيقة، وليست بالمستوى الذي تحدث عنه قائدها في زيارة قائد اللواء له سابقا. عندها ضحك صالح وخاطب قائد الكتيبة قائلا : أعتقد يا أخ مرزوق أنك دربت أطقم الدبابات على الطهي ولم تدربهم على الرماية، وعليك إعادة تدريب جنودك بصورة أفضل، وانصرف من الميدان غاضبا.
أمضى العميد صالح قائدا للواء المدرع 40 بضعة أشهر، ولكنه لم ينسجم في العمل بتلك القيادة، التي كان يتمناها الكثيرون من زملائه. فما كان منه إلا أن رفع كتابا إلى القيادة العامة، يعترف به بأنه لا يصلح أن يكون قائدا للواء مدرع، لأنه لا يتقن الأمور الفنية وتكتيكات الدروع، التي يتقنها القادة والضباط المرؤوسين. ولهذا اقترح أن يتم نقله إلى لواء مشاة يتناسب مع تخصصه. فاستجابت له القيادة مقدّرة له هذا التقييم الذاتي، الذي لا يقدم عليه إلا من يحترم نفسه ويعمل من أجل صالح وطنه.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : هل هناك قائد عسكري، أو موظف مدني سواء كان رئيسا للوزراء، أو وزيرا، أو عينا، أو نائبا، أو رئيسا للديوان، أو مسؤولا في إي من الإدارات الحكومية، يقيّم نفسه، ويقول أنني لا استطيع القيام بمسؤولية هذا العمل، وعليّ أن أخلي مكاني لمن هو أكفأ مني في خدمة الوطن ؟ أعتقد أن هذا ضربا من المستحيل، ولن يحدث في أي مؤسسة من مؤسسات دول العالم الثالث المتخلف . . !
التاريخ : 15 / 9 / 2018