ثورة الموظف الحكومي

14 مايو 2017
ثورة الموظف الحكومي

تمر في مسيرة موظف القطاع العام مراحل عديدة يكتسب فيها الخبرات عبر السنين. واحيانا يصبح ما كان يوما ما منتقدا له في مرحلة سابقة مستساغا له في مرحلة لاحقة من الوظيفة. لا اخفي عليكم انني كنت اشتاط غضبا عندما اسمع لِمن عمل في المواقع المتقدمة في الدولة الاردنية في فترة ما، وخرج منها او أُخرج منها، يبدأ في مرحلة الانتقاد لما يبدو له من خلل في اجهزة الحكومة الاردنية والقليل منهم يتعدى ذلك وينتقد الدولة الاردنية.

كنت اعتبر هذا الانتقاد مُسيء للأردن وخاصة ان ذلك الشخص كان يعمل في تلك الموقع لفترة طويلة، وكنت أتساءل لماذا لم يصلح ولماذا لم يُحدث التغير او الاصلاح كما يدّعي بعدما خرج؟ اليس من الواجب عليه ان يكون اكثر موضوعية في معالجة الامور وخاصة من خلال وجوده وممارسته لعمله. اليس من الممكن أن عَمِل او ساهم بعمل بعض ما يقول من انتقاد، ويتحدث بكل جراءة بعد خروجه من دهاليز المسؤولية.

وهناك من كان يصف هؤلاء بالصفاقة لهذه التصرفات وان هؤلاء ينشدون ويهدفون من تصرفاتهم هذه العودة الى مواقع المسؤولية ليس إلا.

نعم قد يكون ذلك صحيحا ولكني لا اخفي عليكم ايضا أنني عملت في القطاع العام لمدة 36 عاما مجتهدا وعاملا بكل جد واخلاص، وتدرجت خلال هذه السنوات في اكتساب المعارف في مجال تخصصي. ولم تبخل علي الدولة الاردنية في صقل كل معارفي الوظيفية واتاحت لي ان اتعرف على معظم شعوب العالم من خلال دراساتي في المراحل العليا او من خلال المشاركة في الندوات والمؤتمرات والاعمال الاستشارية الى ان اصبحت في مرحلة لاحقة استطيع ان اعطي الافضل لبلدي.

وكنت ادّعي ولا زلت ادّعي انني لم انظر يوما ما الى إستخدام ما وصلت اليه، بعد كل هذه السنوات الطويلة، على انه مغنما شخصيا بقدر ما كنت دائما إجابيا في تعاملي مع الوظيفة وفي طريقة معالجة المشاكل الوظيفية (الفنية والادارية) من اجل الوصول الى الافضل لخدمة بلدي بالطريقة التي شاهدتها واحيانا مارستها في بعض من دول العالم المتقدم.

والان وحتى اكون اكثر صراحة، اقول بان القليل او القليل جدا من المسؤولين من يستمع او يهضم جيدا ما يقال من انتقاد حتى ولو كان ايجابيا. بل الغالبية العظمى منهم يعتبرون ذلك النقد تشويها لهم ولجهودهم ولإنجازاتهم !!!!

ويغضب ويدعي ان ما يقوم به هو الافضل، وانك لا يجب بحال من الاحوال الخروج عن الاطار المرسوم من قِبله.
ومن جهة اخرى، يجنح المسؤول مع مرور الوقت الى من يتعامل معه بالمديح وتنفيذ الرغبات المشروعة وغير المشروعة له، الامر الذي يُكسب هؤلاء “المداحون” إحترام المسؤول مع علم المسؤول بان هذا المديح زائف وغير صادر عن قلب صادق، الا انه يتوافق بالنتيجة مع رغباته.

وهنا تجد نفسك خارج اطار المساهمة في خلق جو أفضل او خلق همة عالية لمعالجة المشاكل التي من الممكن معالجتها قبل ان تتفاقم. وفي بعض الاحيان تجد نفسك مرغم على تنفيذ ما يريد المسؤول وليس ما يفترض ان يتم لصالح العمل. ومن المعلوم ايضا انك اذا خالفت ذلك فانت ستواجه حربا نفسية يقودها ممن هم من حملة سلة المديح.

والخلاصة انك لا تستطيع من خلال عملك في القطاع العام، وحتى لو كنت في احدى مواقع المسؤولية المتقدمة، ان تقدم ما تستطيع من انجاز لعمل ناضج ومفيد للقطاع الذي تعمل به لكي يكون مفيدا للوطن والمواطن.

لذلك وبعد خروجي من وظيفة القطاع العام اصبح لدي متسع افضل، وكما هو حال الكثيرين، لإن اشير الى مواطن الضعف في مؤسساتنا الوطنية مما لو لا زلت في الوظيفة.

وهنا ادركت ان من انتقد الدولة الاردنية بعد خروجه من المواقع المتقدمة كان بسبب ان اصبح لديه الحرية ان يقول ما كان يود ان يقوله وهو في المسؤولية ولم يستطع.

د. ماجد فندي الزعبي / مستشار في الزراعة والبيئة

الاخبار العاجلة