صراحة نيوز – بقلم موسى العدوانإذا كان التاريخ يعلمنا ما حدث في الماضي وكيف حدث وما هي نتائج ما حدث، فإنني أود أن أسجل بداية قناعتي الراسخة، بأن إحياء ذكرى الحروب الماضية، ليس اجترارا لحوادث معينة وسردا لقصص سابقة، كروايات وحكايات لملئ الفراغ والتسلية، بل إنها تذكير للأجيال الحاضرة واللاحقة، بتضحيات رجال قدّموا دماءهم وأرواحهم دفاعا عن أوطانهم، ليأخذ اللاحقون منها دروسا وعبرا، في تقديس أوطانهم والذود عنها بكل غال ونفيس.ففي الذكرى الثالثة والخمسين لحرب حزيران المشؤومة التي تصادف في 5 حزيران، لا أجد ضرورة للتذكير بمجرياتها ونتائجها الكارثية، بعد أن كُتب عنها الكثير من المقالات والتحليلات العسكرية والأدبية، بل سأختصر أسبابها ونتائجها لمن يجهلها في الحقائق التالية :1. أن حرب حزيران في عام 1967 وقعت نتيجة مغامرة سياسية غير مدروسة، ودون استعداد وتخطيط إستراتيجي على مستوى الأمة العربية.
2. أن الأردن خاض تلك الحرب بإستراتيجية مصرية، بقيادة الفريق عبد المنعم رياض قائد الجبهة الشرقية، والتي كانت تقضي بتوجه القوات الأردنية نحو مدينة الخليل، للاتقاء بالقوات المصرية القادمة ( افتراضا ) من بئر السبع، حسب أوامر المشير عبد الحكيم عامر. وكان هذا خلافا للإستراتيجية الأردنية الموضوعة سابقا في ( خطة طارق الدفاعية )، والتي صُممت لحشد القوات الأردنية في المرتفعات الحيوية المجاورة للقدس، حفاظا على المدينة المقدسة نظرا لأهميتها الدينية والمعنوية، إلى أن يتطور الموقف نحو التعرض.
3. أن الحرب حُسمت لصالح إسرائيل في الساعات الأولى من صباح 5 حزيران، بعد أن دُمّر سلاح الجو المصري على الأرض والذي كان ينتظر منه الكثير، وأصبحت السيادة الجوية في كافة مسارح العمليات لصالح سلاح الجو الإسرائيلي.
4. لا شك بأن خسارة تلك الحرب واحتلال أجزاء من ثلاث دول عربية، ألقت بظلالها السوداء على مستقبل ومصير الأمة العربية، وكانت بداية السقوط الذي نعاني منه اليوم، وإلى فترات قادمة لا يعلمها إلاّ الله تعالى.5. عندما سئل الفريق عبد المنعم رياض عن سبب هزيمة الجيوش العربية في تلك الحرب قال : ” لقد هَزمتْ السياسات العربية الجيوش العربية، قبل أن تهزمها الحرب “. وهذا دليل على عدم الاستعداد وتهيئة البيئة المناسبة لخوض الحرب، في جميع الساحات العربية سياسيا وعسكريا وقياديا ولوجستيا.ورغم تلك النتائج المؤسفة للحرب، فلابد من الاعتراف بأن كانت هناك بطولات فردية وأيضا على مستوى الوحدات الفرعية والكتائب. من بين تلك البطولات ما قامت به كتيبة الحسين الثانية بقيادة الرائد منصور كريشان
( الشهيد في وقت لاحق ). فقد كانت الكتيبة تحتل منطقة دفاعية في سلسلة المرتفعات الحيوية شمال القدس، والممتدة من تل الذخيرة شمالا وحتى أسوار القدس جنوبا، وكانت تسيطر على الطريق الهامّ بين رام الله والقدس.ونظرا لكون هذه المنطقة تشكل مفتاح العبور إلى القدس، فقد قامت القوات الإسرائيلية بهجمات متعددة محاولة السيطرة عليها، ولكن الكتيبة الثانية صدتها وأوقعت بها خسائر كبيرة. وفي ليلة 5 / 6 حزيران عاد العدو لحشد خيرة قواته، والمؤلفة من لواء المظليين 55 مسندا بالدبابات والمدفعية وسلاح الجو، يقودها العقيد موردخاي غور، وأسندت له مهمة الهجوم على الكتيبة الثانية واحتلال مواقعها الهامة.وعند الساعة الثانية والنصف صباح يوم 6 حزيران وعلى أضواء الكشافات التي نُصبت على بناية الهستدروت لإنارة منطقة المعركة. وتحت وابل من قصف الطائرات والمدفعية الثقيلة والدبابات تقدم اللواء نحو مواقع الكتيبة الثانية بكتيبتين في الأمام، توجهت إحداها نحو حي الشيخ جرّاح، وتوجهت الثانية نحو تل الذخيرة والتحمت مع رجال الكتيبة بقتال عنيف، ثم جرى تعزيز القوات المهاجمة بالكتيبة الثالثة. ونظرا لضيق المساحة سأركز حديثي هنا على معركة تل الذخيرة.فنتيجة للقصف التمهيدي المركّز الذي قام به العدو، تم تدمير معظم التحصينات والخنادق ومواقع الأسلحة في مناطق الأهداف، ثم تقدمت كتيبة المظليين 66 نحو مواقع السرية الثانية في تل الذخيرة، ولكنها جوبهت بنيران الأسلحة الخفيفة بصورة كثيفة، دون توفر إسناد لها من الأسلحة الثقيلة لكسر حدة الهجوم، الذي يفوق ثلاثة أضعاف القوة المدافعة.استمر القتال العنيف بالأيدي وبالسلاح الأبيض إضافة للأسلحة الخفيفة، من بعد منتصف الليل وحتى الساعة السابعة من صباح يوم 6 حزيران. كانت النتيجة بعد أن ثبتت السرية في مواقعها ومواجهة ذلك الهجوم الكاسح، أن استشهد منها 97 فردا من أصل 101 فردا هم كامل أفراد السرية، حيث وقع الأربعة الباقون جرحى وأسروا من قبل العدو.وإذا كانت شهادة العدو تظهر جانبا من الحقيقة، فقد كتب موردخاي غور قائد لواء المظليين 55 الذي هاجم مواقع كتيبة الحسين الثانية ما يلي وأقتبس :” على الرغم من أنني شاركت في عدة معارك في خدمتي العسكرية، إلاّ أن ما شاهدته في هذا القتال وما سمعته من القادة خلال تجوالي عليهم من موقع إلى موقع، كان أمرا لا يُصدق. وكما قال لي أحد القادة : عندما سرت باتجاه مفترق الطرق كان معي أربعة جنود فقط ممن بقوا أحياء من سريتي. وهناك سرية أخرى كانت قد احتلت هضبة تل الذخيرة من الناحية الجنوبية، لم يبقَ منها بعد انتهاء العملية سوى سبعة جنود “. انتهى الاقتباس.بعد انتهاء الحرب قام العدو ببناء نصب تذكاري في موقع تل الذخيرة، يضم متحفا عسكريا يحكي قصة تلك المعركة من الجانب الإسرائيلي، وراح يقيم احتفالا رسميا في يوم القدس من كل عام بجوار هذا النصب، تذكيرا لشعبهم بقتلاهم في تلك المعركة. أما من جانبنا – مع الأسف – فلم نفكر بإحياء ذكرى تلك المعركة المجيدة، لنذكّر بها أجيالنا الحالية واللاحقة، بتضحيات الآباء والأجداد، الذين ما زالت رفاتهم ودماؤهم تعطر الأرض المقدسة في تل الذخيرة وغيرها.لقد تمنيت على مسئولينا في مقال سابق بتاريخ 17 / 12 / 2017 أن تدرّس هذه المعركة ومثيلاتها من قبل جيشنا الأردني في فلسطين، لطلاب المدارس الرسمية والخاصة من خلال برامج التوجيه الوطني، وأن يُشاد صرحا في تل الذخيرة تخليدا لذكرى شهداء تلك المعركة، وأن يجري احتفال حوله في يوم الشهيد من كل عام، يحضره عدد من ضباط وأفراد كتيبة الحسين الثانية ( أم الشهداء ) مع عدد من ورثة شهداء تلك المعركة، ولكنني لم المس أية استجابة. وأكرر اليوم هذا الطلب عسى أن تكون هناك استجابة من قبل المسئولين، داعيا الله أن يرحم شهداء الأردن والأمة العربية في كل موقع من مواقع الشرف.التاريخ : 4 / 6 / 2020