صراحة نيوز – بقلم نضال منصور
كان الحال في الأردن مختلفاً نسبياً للصحافة هذا العام، فقد حقق تقدماً 6 درجات على مؤشر منظمة “مراسلون بلا حدود” ومقرها باريس، وقد سُئلت طوال الأيام الماضية من وسائل الإعلام وناشطين حقوقيين إن كنت أوافق على هذه النتيجة، وكنت أجيب بلا تردد بأنني أتفق مع تقييم مراسلون بلا حدود، ومركز حماية وحرية الصحفيين في تقريره السنوي لحالة الحريات الإعلامية للعام 2017 الذي سيطلقه نهاية الأسبوع والذي يذهب بالاتجاه نفسه.
وتفسير تحسن مؤشر الحريات الصحفية بالأردن واضح لمن يرصد ويوثق ويتابع، وهذا ما نقوم به يومياً، فخلال 2017 تراجعت الانتهاكات الجسيمة بالأردن من مجموع النسبة الكلية للانتهاكات التي وقعت.
لم يعرف الأردن منذ تأسيسه الانتهاكات الجسيمة الخطيرة جداً مثل قتل الصحفيين واختطافهم أو اختفائهم قسراً، وأكثر الانتهاكات الجسيمة التي كانت تقع في السنوات الماضية تمثلت بتعرض بعض الصحفيين للاعتداء خلال تغطية المسيرات والمظاهرات، وكانت الحكومة وأجهزة إنفاذ القانون تؤكدان أنها حالات فردية غير ممنهجة.
يضاف لبعض حالات الاعتداءات الجسيمة، توقيف وحبس صحفيين في قضايا الإعلام خاصة بعد تعديل المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية، والتي أجازت للمدعين العامين صلاحية التوقيف.
إذن التقدم في مؤشر الحريات الصحفية بالأردن ناجم عن أن الاعتداءات الجسدية وحتى قرارات التوقيف للإعلاميين تراجعت، وما بقي لافتاً حتى الآن انتهاكات غير جسيمة يتقدمها “منع التغطية”، وأبرز الأمثلة الصارخة عليها وقعت العام الماضي كان منع وسائل الإعلام من تغطية قصة الإفراج عن الجندي “أحمد الدقامسة” من السجن، ومحاصرة قرية “إبدر” ومنع وسائل الإعلام من الدخول، وكذلك منع المصورين الصحفيين من التصوير خلال الساعات الأولى من الانتخابات البلدية واللامركزية في أيلول (سبتمبر) الماضي، ولم يتوقف الأمر قبل تدخل مباشر من رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب الدكتور خالد الكلالدة الذي أكد حق الإعلاميين بالتغطية المستقلة، موضحاً أن المنع يقتصر على تصوير معازل الانتخاب.
التقدم الذي حققه الأردن لا يعود فقط لتراجع نسب الانتهاكات الجسيمة، ولكن يجدر الإشارة الى قرار مدير هيئة الإعلام، المحامي محمد قطيشات، بالتوقف عن إصدار تعاميم حظر النشر، وكذلك الامتناع عن إقامة دعاوى قضائية إعلامية ضد الصحفيين.
لا أحبذ أن يحتفي الأردن بتقدمه 6 درجات على مؤشر الحرية مع أن ذلك خطوة جيدة وبالاتجاه الصحيح، فنحن ما نزال متأخرين في المؤشر عالمياً، ويستحق الأردن أن يكون مصنفاً من الدول التي تتوفر بها حريات صحفية حقيقية، وليس حريات جزئية.
لا يوجد ما يمنع أن نكون في ريادة حرية الإعلام في العالم العربي، بل وننظم الى دول العالم الديمقراطية التي لا تغادر المواقع المتقدمة بحرية الصحافة لأنها تؤمن بأن الصحافة الحرة حق للمجتمع.
خريطة الطريق حتى يمضي الأردن خطوات أفضل في حرية الإعلام، ويتحسن مؤشره ويتقدم، ليست صعبة أو مستحيلة، وإنما تتطلب أولاً إرادة سياسية حاسمة، وإيمانا بأهمية استقلالية وسائل الإعلام، وبأنها رقيب على السلطات كافة، وبدورها الأساسي في التنمية المستدامة.
إذا اقتنعوا بذلك، فإنهم يستطيعون البدء بمراجعة جدية للتشريعات والمواد القانونية المقيدة لحرية الصحافة، فيعملون على إصلاحها وتنقيحها، وبالتزامن مع ذلك، فإن الحكومة مطالبة بسياسات إعلامية داعمة للحريات قولاً وفعلاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الخطة الاستراتيجية للإعلام انتهت ولم تجدد، والأهم أنها لم تحقق الأهداف التي نصت عليها وأخذت مباركة الملك عليها.
هل تتذكرون أن الخطة دعت لإصلاح التشريعات، ففوجئنا بتعديل قانون المطبوعات والنشر العام 2012 بالاتجاه العكسي، وتكرر الأمر بقانون الجرائم الإلكترونية وإعادة العقوبات السالبة للحرية.
وهل تتذكرون المطالبة بتأسيس “مجلس شكاوى” مستقل يُنصف المجتمع من تجاوزات الإعلام، وحين تبلور المشروع وأصبح واضح المعالم، وتوافقت عليه أكثرية الأطراف الفاعلة في المشهد الإعلامي، تآمروا عليه وتراجعت الحكومة عن إقراره باللحظة الأخيرة.
يتحقق التقدم في ملف الإعلام بالأردن بالالتزام بممارسات داعمة لحرية الصحافة، فنحن من غير المقبول أن تمر قضايا الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون من دون تحقيق مستقل، ومن دون الوصول لمرتكبي الانتهاكات لمساءلتهم عن أفعالهم، حتى لا يفلتوا من العقاب.
في العام 2017 وقعت اعتداءات على الصحفيين، ليس من جهات إنفاذ القانون فقط، ولكن من مواطنين مجهولي الهوية، ولم يُعثر عليهم، ولم يُجلبوا للعدالة، وأفلتوا من العقاب!
حرية الإعلام حق، وتقدم الأردن قيمة إيجابية، وخطوة أولى حتى يضع أقدامه مع الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان.