صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
بداية أودّ ان أوضح انني مع الوطن أولاً وأخيراً ، بعدها ، أعلن عن دعمي ، ومساندتي ، لنقابة المعلمين ، لإنتزاع حقوقٍ ، وعدت بها حكومة سابقة ، وتنصلت منها الحكومة الحالية ، وهذا التنصل الحكومي ، ليس بمستغرب على من يعرف نهج الحكومات الاردنية ، غير الممتد ، وغير العابر للحكومات ، ويحترف التنصل من الالتزامات ، ويترك الوطن في سُبات ، وتُسَيِّره المُناكفات .
بداية لابد من توضيح هام ، صحيح ان الهدف الأساس لإنشاء النقابات هو تنظيم المهن ، وضبط أدائها ، والحرص على حماية أعضائها ، وتحصيل مكتسباتهم ، ولكن لتحصيل المكتسبات ، لابد من التعامل مع الحكومات ، وهذا يأخذ النقابات الى ضرورة التعاطي بالسياسة ، لا بل ووجوب إحترافها . وبما ان السياسة هي فن الممكن ، كما ان التعامل بالسياسة يوجب عدم إيصاد الأبواب ، بالمطلق ، بل يجب ، لا بل ، من الضروري الإبقاء على الأبواب ، مُوارِبة ، نعم مُوارِبة ، والمُواربة هنا لا تعني ، الخداع ، مطلقاً ، انها تعني الإنفتاح ، والاستعداد للحوار ، وسعة الصدر ، والتفتح الذهني ، والبعد عن الصَلَفْ ، خلافاً للصلف الحزبي . العمل السياسي ، لا يؤمن ، لا بل يشطب من قاموس ممارسيه ، كلمة (( لا )) ، لان مفهومها قطعي ، سلبي ، يقود للفشل .
أصابت النقابة في إتخاذ قرار الإضراب ، وأصابت عندما قللت من إنعكاسات الاعتصام ، وأصابت في الإعلان عن نأيها بنفسها عن التنظيمات الحزبية ، وأصابت في تصريحاتها في بداية الإضراب ، مما أحدث حالة من التعاطف الشعبي مع مطالبها .
أخطأت النقابة ، لا بل أضرت بمنتسبيها ومصالحهم ، وخسِرت عندما أحدثت جدلاً شعبياً ، بين مؤيد ومعارض ، ثم مع استمرار الإضراب ، حدثت خلخلة في مواقف الشارع ، فمن استمر في التأييد ، تحول الى عناد ، وتصلب في الرأي ، وتعاطفٍ بِتشدد لدرجة إحتقار اي رأي آخر ، ورفض الالتفات الى الآثار السلبية للإضراب ، وتحول الكثير من الناس من مؤيد للنقابة الى معارض لموقفها ، خاصة أهالي الطلبة المتضررين من الإضراب .
أعتقد جازماً ، ان المرحوم النقيب السابق احمد الحجايا ، لو لم تختطفه يد المنون ، لهدَّد بالإضراب ، دون تنفيذه ، وحتى لو نفذه لما استمر فيه . لماذا !؟ لانه نقابي محترف ، هدفه تحقيق المصالح ، دون إحداث اي جدل ، يسمح بالغمز على وطنية النقابة ، ونهجه هذا لانه نقابي فقط ، لَم تتقولب ، ولَم تتشرب عقليته بالنهج الحزبي ، الذي تسيطر عليه المغالبة ، والإصرار ، ويسود فيه نهج الثبات على المواقف الذي يعتبره انتصار ، رغم حجم الأضرار .
لو كان نهج النقابة حصيفاً ، وعقلانياً ، لحددت مدة الإضراب منذ البداية ، ليوم او يومين على الأكثر ، وتعلن انها تعود ليس إنكساراً ، بل إستجابة لمصلحة الوطن ، وأنها ستستمر في التفاوض مع الحكومة ، والتلويح بالإضراب ، خاصة ايّام الامتحانات ، لان التلويح يحدث ضرراً بموقف الحكومة ، وتخشى الحكومة من حدوثه ، وسلبيات انعكاسه على الناس ، وزيادة التعاطف الشعبي ، ولان التلويح في العمل النقابي يُحدث صدى اكثر من التصريح او التنفيذ .
أما الحكومة ، فقد فشلت ، وضعُفت ، واهتزت ، لكن ذلك لم يضرها شعبياً ، لان صورتها هي هكذا من قبل ، ومن بعد الإضراب . والغريب انني كلما فكرت في الحكومة وادائها بشكل عام ، ارى انها تشبه الى حد بعيد اداء لجان التصفية للشركات المتعثرة ، فلا ابداع يرتجى ، ولا إنجاز يتحقق ، والهدف إغلاق ملفات ، ودفن عثرات .
وعليه فان المربية الفاضلة حسنية الدبابية ، مديرة مدرسة الخنساء في سحاب ، هي ألتي إختطفت الأضواء ، وتجلت وطنيتها ، ولقنت النقابة والحكومة درساً وطنياً عظيماً في الانتماء ، وانتصرت لوطنيتها ، وقيمها ، ومهنتها ، وطالباتها ، ومنطقتها .
وفي غياب النضج ، عند الحكومة ، والنقابة ، اصبح الخاسر الأكبر هو الوطن .. يا وطن .. يامن تُرَبِّي العِللَ ، لمن فيك قَطَنْ .