رابطة الكتاب عشية الانتخابات.. مراجعات الماضي وأسئلة التغيير
22 فبراير 2022
صراحة نيوز – أيام قليلة تفصل عن انتخابات الهيئة الإدارية لرابطة الكتّاب الأردنيين التي تعقد الجمعة المقبل، لكنها جديرة بمراجعة تجربة واحدة من أقدم المؤسسات الثقافية في الأردن والعالم العربي، بعد مرور نحو ثمانية وأربعين عاماً على إنشائها، والدور المأمول لها في مستقبل تكتنفه العديد من الأسئلة المشروعة.
الرابطة التي اجتمع مؤسّسوها على همّ وطني وثقافي، استطاعت أن تعبّر عن استقلالية موقفها في مراحل حرجة، ووسّعت مناخات حرية الرأي والتعبير في البلاد، كما كانت أفضل ممثّل للثقافة الأردنية في الخارج، وفي المقابل، تواجه الرابطة أصعب التحديات بسبب شحّ الإيرادات والاختلاف حول رؤية شاملة واضحة لمأسستها وتطوير برامجها وآليات عملها.
العيش الكريم لأعضاء الرابطة والاشتباك مع الواقع والشأن العام عنوانان أساسيان يتشارك فيهما العديد من المثقفين، ومنهم الكاتب والباحث في الشؤون السياسية الدكتور جمال الشلبي الذي استذكر كتّاباً رحلوا دون أن تؤمن لهم رابطتهم الحق في العلاج والطبابة من خلال تحصيل تأمين صحي يليق بهم، مقدّماً مقترحات لمشاريع قد تنهض بالرابطة على غرار النقابات الأخرى، مثل استملاك قطعة أرض بثمن مناسب لبناء سكنٍ على المدى البعيد، مما يستدعي فتح علاقات وقنوات تواصل جيدة مع المؤسسات في القطاع الخاص من أجل دعم الثقافة والمثقفين وتطوير الرابطة، وفكرة أن يعيش الكاتب بكرامة.
وانتقد كذلك بقاء الرابطة في موقعها الحالي، مما يدفع إلى ضرورة التفكير بمقرّ دائم في موقع مناسب، ولكن الأهمّ من ذلك كلّه أن توزّع الهيئات الإدارية المشاركات في المؤتمرات على أساس الكفاءة والتخصّص وليس على أسس شخصية، والأمر ينطبق كذلك على الجوائز.
ودعا الشلبي إلى ضرورة الالتفات إلى الدراسات البحثية والفكرية والنقدية بمثل الانتباه إلى الأدب من شعر ورواية وقصة قصيرة التي تتركّز النشاطات غالباً حولها، وأن لا تنحصر الثقافة في مجموعة أمسيات بينما يغيب مشروع نشر حقيقي ومركز للدارسات عن القائمين على الرابطة.
واستنكر الحالة السائدة على مدار دورات سابقة في تجاهل أعضاء الهيئة العامة من التفكير والمشاركة في رسم سياسات الرابطة، ولا يتمّ استدعاؤهم إلا في موسم الانتخابات، مما يسبب نفور الكثير منهم وابتعادهم عن مؤسستهم الأولى، لافتا إلى أنه لا يمكن الخروج من هذا المأزق سوى بعقد لقاءات دورية لجميع أعضاء الهيئات العامة من أجل الاستماع إلى مشاكلهم وهمومهم.
كما اقترح تشكيل مجلس حكماء يمثّل جميع التيارات والاتجاهات يمكنهم الفصل في الخلافات التي قد تنشأ عبر ممارستهم دوراً استشارياً، ولا يكونوا سلطة فوق سلطة الهيئة الإدارية، مؤكداً على أهمية التواصل والتحاور والتفاعل البنّاء، بدلاً من تراشق الكتّاب على منصات التواصل الاجتماعي أو انغلاقهم في جزر معزولة عن بعضها بعضاً.
وختم الشلبي بالإشارة إلى أهمية تحويل الرابطة إلى نقابة من شأنها تطوير آليات عملها ولجانها وقدرتها على تحقيق مكاسب أفضل لأعضائها، ولكن ذلك يحتاج إلى رؤية قانونية ودراسة معمقة لجدوى ذلك، مع التذكير أن المسميات قد لا تحدث فارقاً في حال عدم توافر الرؤية الواضحة والإرادة الصادقة.
أما الكاتب والباحث في تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر الدكتور أمجد الزعبي، فلفت إلى أن وجود هيئة إدارية متناسقة يمثل خطوة أولى لإعادة بناء هيكل الرابطة، بحيث تكون ممثلاً حقيقياً لواقع الكتاب الأردنيين، ورافعة لإبداعهم، بعيداً عن المحاصصات والشخصنة، مبيناً أن تعزيز التكاتف وترابط الكتّاب يقوّي موقعهم ومكانتهم أمام تغوّل المؤسسات الرسمية للضغط عليها لتوفير راتب تقاعدي ورفع مزايا التأمين الصحيّ لجميع الكتّاب مثلما هو الحال في بعض روابط الكتّاب العربية.
ونبّه إلى غياب الجانب النقدي عن عشرات الأعمال الفكرية والأدبية التي ينشرها أعضاء الرابطة كلّ عام، وتُترك بلا جهد لتقييمها وإقامة حوارات حول مضامينها، مما يجسّر الفجوة بين الكتّاب الذين لا يتواصلون في الواقع حول نتاجاتهم المعرفية والإبداعية وتنقطع بينهم النقاشات كذلك حول إدارة رابطتهم وتطويرها.
ورأى الزعبي أن تحوّل الرابطة إلى نقابة ليس ضرورياً، بينما المطلوب هو تعزيز الاحترافية في الكتابة ضمن فضاء حرّ لجميع الكتّاب دون الارتهان إلى أيديولوجيات، والسعي إلى إنتاج مشروع ثقافي وفكري للرابطة يستجيب لاشتراطات العصر الراهن.
وفي قراءته لتاريخ الرابطة خلال ما يقارب الخمسين عاما، أوضح القاص كمال ميرزا، أن رابطة الكتّاب لم تصبح مؤسسة ولا تزال تفتقر للتنظيم، حيث يغلب عليها العمل الارتجالي المرتبط بأشخاص وليس بممارسات وآليات محدّدة ومتوافق عليها، مما أدى إلى أمرين أولهما يتمثل في غياب التقاليد والإرث المؤسسي، والثاني يكمن في عدم توجّه خدماتها إلى الجمهور المستهدف الأساسي لها، وهم أعضاؤها الذين يُحرمون من أبسط أساسيات الحياة التي يجب أن تتوفر للإنسان قبل كونه مثقفاً، كما انها لا تستجيب لأي همّ من همومهم مما سهّل أن تكون الرابطة مستلبة وحوّلها إلى ساحة صراع لمراكز قوى، وبذلك غدا أعضاء الرابطة أنفسهم غير فاعلين ومشاركين في أمور رابطتهم.
الخطوة الأولى في المأسسة، بحسب ميرزا، تقررها تعليمات ومنهجية تضمن استمراريتها بغض النظر عن الهدف، سواء أكان ثقافياً من نشر وترجمة وتبني أعمال أدبية من خلال عمل اللجان، أو إيجاد نظام تقاعد واستثمار وتأمين صحي وتعليم لأبناء أعضاء الرابطة، وتوسيع الحقوق المكتسبة لهم، وفق آليات وأنظمة واضحة تلتزم فيها جميع الهيئات الإدارية المتعاقبة، وغياب هذه الحقوق يكون على حساب إبداع الكاتب واستقلالية موقفه.
وشدّد ميرزا على أن الكتّاب هم حرّاس الوعي وضمير المجتمع، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد احتدام الصراع الأيديولوجي قياساً بفترات سابقة، مبيناً أن عدم الاهتمام وضيق الأفق ينتجان عجزاً عن تأمين حقوق الكتّاب، بينما تغيب الرابطة عن كثير من المبادرات والمشاريع الثقافية في الأردن التي يجب أن تكون أساساً لها، من خلال ضغط تمارسه الهيئة الإدارية على صانع القرار من أجل المشاركة والانخراط في هذه المبادرات.
من جهتها، رأت الروائية سميحة خريس، أن الظروف الحالية التي تعيشها رابطة الكتّاب تجعل من الصعوبة بمكان تحقيق مكاسب يحلم بها الكتّاب، وفي مقدّمتها أن تمثّل حقوقهم وتكون منبراً حقيقياً لتقديم إنتاجاتهم والتعبير عن رؤاهم الثقافية.
ولفتت خريس إلى أن “الكتّابة” ما زالت لم تصنّف كمهنة حتى الآن، مما يحول دون تحويل الرابطة إلى نقابة، بل إنه يجري طرح هذا الموضوع واستغلاله في سياق الحملات الانتخابية فقط، ولا سبيل لإنقاذ المشهد إلا بامتلاك وعي سياسي واجتماعي لدور الرابطة وتقدير مكانة الكاتب وأهميته في المجتمع.
وحتى تستعيد الرابطة دورها المأمول، أكدت الشاعرة زليخة أبو ريشة على مسألتين؛ الأولى تشترط اشتباك الرابطة بالشأن العام بوضوح ودون خوف أو تردد، ومن منطلق تقدمي حداثي ليبرالي مدني، داعية الى تمكين الرابطة من القيام بدورها مجتمعيا.
والمسألة الثانية أن تتحول الرابطة الى نقابة تحمي المصالح والوجود الثقافي لأعضائها، بحسب أبو ريشة التي لفتت إلى أمثلة كثيرة لأعضاء بلا عمل وليس لديهم قدرة على النشر، وإلى أن الرابطة لا تمارس تأثيرها على الناشر، فلا هي انشأت دار نشر خاصة بها، ولا واجهت دور النشر واتحاد الناشرين في تغولهم على الكتاب. وترى أبو ريشة أنه لا أهمية للحديث عن إنجازات في ظلّ غياب الدعم أو إزالة عقبة من أمام الكتاب، وعدم الاهتمام بالحريات الثقافية وحريات الرأي والتعبير.
بدوره، قال القاص والباحث نايف النوايسة، “بصفتي عضوا قديما في الرابطة، وكنت عضواً في هيئاتها الإدارية التي حاربنا داخلها ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لأن تكون رابطة كتاب ومثقفين وتتبنى بنهجها ونظامها الداخلي وما يتفق مع ما يريده المثقفون في ما يتعلق برؤاهم الفكرية والثقافية، وعلى رأس ذلك أن يكون المثقف متصالحاً مع نفسه كمثقف، وأن لا يكون متشظياً في اتجاهات عديدة حتى لا يقع في الاحتراب الذي نشهده اليوم، وهو ما يباعد الحالة الوفاقية بين المثقفين ويضعف رابطتهم، بسبب خضوع هذه التيارات لبعض الجهات التي تسعى إلى تحقيق أهدافها وتحيّد الرابطة عن أولوياتها في مقاومة التطبيع والدفاع عن الحريات والتضامن مع الكتّاب في العالم العربي، وفرض قيم التسامح والاختلاف وقبول الآخر”.
والنوايسة الذي يؤكد أن انقسام الرابطة وتشظيها لا يمثله، دعا جميع الأفرقاء إلى أن ينحازوا إلى الرابطة كمنبر ثقافي يعبّر عن طموحات المثقف الأردني تجاه قضاياه الرئيسة، ويوسّع سقف حرياتهم، ويضمن الحماية لهم، وينشر مؤلفاتهم، ويوفّر لهم الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والمسكن الكريم، ويجمع شتاتهم ويتبنى همومهم.
“تأسّست الرابطة مؤسسة قوية فاعلة ثم بدأت تتراجع ولكن لا نريد لها السقوط والانهيار، ولمواجهة ذلك على المثقف أن يشتبك مع واقعه وقضاياه، إذ إنه لا يمتلك ترف الفرجة والصمت”، يختم النوايسة.