صراحة نيوز – بقلم حسن محمد الزبن إن ما نراه ونتابعه منذ عقدين وأكثر، في إدارة مؤسسة الحُكم في الأردن، تؤكد أن الملك سرّ أبيه الملك، فمنذ أن تسلم سلطاته الدستورية، مضى مع الأردن والأردنيين عبر محطات ومفاصل هامة، وتلمس حاجات الوطن الداخلية والخارجية، وصاغ الحاضر والمستقبل، والأمل لغد مشرق، بالطموح والعمل المضني، ومواجهة اعتراضات السهل والعسير، وعزز علاقات الأردن مع دول المنطقة والعالم، وتعامل مع كل ما يستهدف الأردن، بكل حكمة واقتدار. واليوم يتعامل الملك مع مؤمرة تقويض الحكم، مؤامرة استهدفته شخصيا، واستهدفت الأمن والإستقرار للوطن، مؤمرة تم الكشف عن خفاياها بادق التفاصيل في الرسالة الملكية، رسالة المصارحة والمكاشفة للشعب الأردني. الرسالة كشفت خيوط مؤامرة الفتنة، وأماطت المخفي منها، وقدمت الإجابة لكل الأسئلة التي كان يُنتظر الإجابة عليها. الأردن الذي يمضي عبر العتبات الأولى للمئوية الثانية، لا يحتمل أي نزاع داخل العائلة الهاشمية، ويرفض أي صراع على الحكم، الذي وصل للملك إليه عبر القنوات الدستورية، وتمت له الشرعية بمبايعته ملكا على الأردن. من هنا كان لا بدّ لصاحب الشرعية والرسالة من وقف وكبح تصرفات الأمير حمزة، الذي حاول مرارا وفي أكثر من موقف إحراج مؤسسة العرش بالإنقلاب على كل التوافقات والمصالحات التي سعى إليها حكيم العائلة سمو الأمير الحسن بن طلال. لكن التذبذب في مواقف الأمير ابتداءا من رسالة إعتذار للملك، إلى إنعطاف آخر بتخليه عن لقب”الأمير” عبر تغريدة له في الفضاء الالكتروني، خلقت تداعيات في الشارع الأردني، من الحيرة والاستهجان، وتساؤلات كثيرة، مما خلق تشويشا على الملك شخصيا، وعلى العائلة الهاشمية، امتد للأسرة الأردنية بكل أطيافها، وتناول الإعلام الدولي عبر فضاءاته المختلفة الحدث حينذاك، وخلق أجواءا لا تتناسب مع الظروف التي يعيشها الأردن في ظل وضع الإقليم عموما، والملك في أحوج من أي وقت للإنشغال بخلق التوازن السياسي والاقتصادي لدولته عن الإنشغال في قلاقل داخلية، فتكون الدولة هدفا واضحا لمن يستهدفها من الخارج، أو يتربص بها، وينتظر أي ثغرة داخلية لتنفيذ أي مخطط ضد الأردن، وليس ببعيد ما واجهه الأردن من استهداف على جبهته الشمالية والشرقية، ولا زال هذا الاستهداف قائما، خاصة أن الحرب على المخدرات، وعمليات التهريب تؤكد أن ولادة جديدة للدواعش متاخمة لحدود الأردن من الجهتين السورية والعراقية. الملك احتكم للحلم الهاشمي، وانتظر حتى نفذ الصبر من تجاوزات الأمير حمزة، وتطاوله على قائد الجيش، وعلى الحرس الملكي الخاص، ولم يحترم الكبار في العائلة المالكة، ولم ينزل عند رغباتهم، وانقلب على نفسه قبل أن ينقلب على غيره، ووضع نفسه في مأزق التنازع على الحكم، الذي في تاريخ العائلة الهاشمية لم يُقدم عليه أو سعى إليه أحد غيره، وتعتبر سابقة في تاريخ العائلة. مع أن الملك كان من الممكن أن يختصر الموضوع كله، وهو صاحب الشرعية الدستورية، ويواجه الأمر بحزم منذ البداية، لكنه لم يخرج عن إرث العائلة في التسامح والصفح والحلم والحكمة والمشورة. أما فيما يخص الأطراف الأخرى في المؤامرة، تركه الملك للقضاء للفصل فيه بحق باسم عوض الله، وشريكه حسن بن زيد، ردعا لكل من تسول له نفسه التطاول على النظام وأمن المملكة، وحماية للوطن من العابثين والمتآمرين، والعرابين المناهضين لتقدم المسيرة، والخروج عن المصلحة الوطنية، واللعب في الماء الراكدة، وزعزعة ثقة الشعب بالملك. ففي مسألة الملك والأمير، لا احتكام إلا للدستور الذي يحمي الملك من أطماع الأمير، والدستور هو أيضا الذي يحمي الوطن من الرغبات والطموحات الشخصية للامير، أو أي مؤامرة تستهدف الملك أو الوطن، أو تحاول المساس بهما، من تطاول أو خلق أجواء تقود للعبث أو التخريب، حتى وإن كان المساس من أقرب المقربين للملك، فإن الشعب يقف صفا واحدا ضد أي محاولة تهدف إلى شق وفسخ الوطن، وتسعى إلى تفتيته وتقسيمه، والشعب مع سلامة العرش والملك حفظا لكل التوازنات في الأردن. لأجل هذا صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على رأي المجلس المشكل بموجب المادة(8) من قانون الأسرة المالكة لسنة 1937م، في الجريدة الرسمية، والذي يتضمن تقييد إتصالات سمو الأمير حمزة بن الحسين وإقامته وتحركاته ضمن المكان الذي يحدد له. استنادا لأحكام المادة(15) من ذات القانون. وعليه كان رأي مجلس النواب الذي يمثل الشعب الأردني، وقوفه خلف الملك وولي عهده، وتمسكه بأبجديات الولاء والانتماء للقيادة الهاشمية، وتقوية الجبهة الداخلية في هذه المرحلة للتصدي لكل ما يستهدف أمن استقرار الأردن. وهذا انتصار للشرعية الدستورية التي يمثلها الملك امام الفتنة التي استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار، ومحاولة الانقلاب على صاحب الشرعية السياسية والدستورية في الحكم. وأعقب الرسالة ما شهدناه من التأييد والولاء من كافة المؤسسات ورموز الدولة الأردنية وكافة اطياف الشعب الأردني الذي تمثله مجالس العشائر، وجمعيات العائلات، فقالت كلمتها للملك، ” نحن معك”، ” كلنا معك”، ” وعلى خطاك وخلف قيادتك ماضون”، وشعارات عريضة لا مجال لذكرها هنا. وهكذا ستمضي المسيرة وربانها وقائدها الملك عبدالله الثاني، وسيبقى الشعب الأردني هو الشعب الذي ارتضى أن يكون السياج حول صاحب التاج، والحامي له وللعرش في كل المنعطفات وكل الظروف، ولا مكان لمن يزاحم الملك على حقه الدستوري، ويسعى للخراب، وعدم استقرار الوطن. هذا الشعب الذي كان أوعى سياسيا وفكريا، وأكثر فطنة من غيره في مناطق الجوار الملتهبة، وآثر الحفاظ على الوطن ونظامه السياسي واستقراره في موجة التغيير التي طالت أنظمة عربية أخرى في لجة “الربيع العربي”، والذي أسميه “الخراب العربي”، الذي استهدف الأنظمة، والمنجزات، والمؤسسات، والجامعات، وكل مراكز التحضر والرقي. نعم الشعب الأردني حافظ على كل هذا، وأبى الخراب لبيته الكبير والتطاول على صاحب الشرعية الملك، واحتكم للثوابت الوطنية، وأصر على قربى الولاء والإنتماء، ولا علاقة إنفكاك عن الهاشميين، فهي بيعة الأجداد يحفظها ويرعاها الله على مرّ الأيام. الأمير حمزة خرج عن تقاليد العائلات الملكية، وسلك مسلكا وعرا وخطيرا، لمجرد تفكيره أنه الأحق في الجلوس على العرش، وأتسأل كيف بدأت الفكرة تأخذ طريقها إليه،ومتى؟..وإلى أين؟..وإلى أي حد كان سيمضي بمخططه، وأعوانه الذين ما أحسنوا النصح له، بل ضللوه، لأن المصلحة الشخصية عندهم طغت على مصلحة الوطن. في حين يرى الملك في رسالته أنه لو ترك لأفراد العائلة المالكة التصرف كيفما شاؤوا، وحسب رؤاهم الخاصة، فإن هذا يخلق ضبابية لدى الشعب في فهم ما يصدر من تصريحات على لسان الأمراء والأشراف، مما يخلق حالة من الإرتباك في الشارع الأردني. ولتفادي هذا كان من الضرورة التعامل بحزم وضمن القانون والدستور لضبط أي تصرف بعيدا عن دائرة الملك والأنظمة التي تحكم الجميع، حتى وإن كان أقرب المقربين من الملك. وهذا يأخذنا إلى متنفذين ركبوا الموجة، أنهم من طبقة الكبار وهمًا بحرية التصرف، مع أنهم ليس إلا جزء من الدولة العميقة التي تتمرس خلف مصالحها داخل الدولة السيادية،وتحاول هذه الطبقة الناعمة أن تنسج خيوطها وتحبك مؤامراتها بطريقة تعترض المسيرة، عبر مغامرات وأحلام واهمة ليس لها أساس إلا في عقول أصحابها. الرسالة الملكية باعتقادي لم تطوي ملف الفتنة، وإن كان الملك يحبذ هذا الاتجاه، لكن الأمير حمزة موجود وله تحركات، بوشر العمل على تقييدها حسب الجهة المقيدة، لكن أفكار الأمير قد تجد ثغرات وتسبح بأي فضاء، وسيحاول لكن التوقيت غير معلن وصعب التكهن به، ويحتاج إلى وقت ليجد أشخاص تتقبل بأي فرصة إلى جانب أمير، يخالطها الظن بتشبع الثقة العمياء داخلها أنها قادرة أن تقود مخطط محفوف بالمخاطر، وتراهن اللعب على مصالح الشعب والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها، والظروف السياسية التي تحيط البلد داخل الإقليم العربي الغير متجانس في التطلعات والطموحات، ويعاني من تبعية واضحة وظاهرة، لا يختلف عليها إثنان، على الأقل في هذه المرحلة الصعبة من الأخطار المحدقة وتحوم حول الأردن. ويجب أن ندرك أن هناك جهات تعمل في الظلام لا تريد الخير لهذا الوطن، ولا حتى لقيادته، ولا يعنيها إلا الشر والخراب، والعبث بأمنه واستقراره، وليس فقط تحريض الأمير حمزة أو غيره على تقويض الحكم، بل الوصول لمرحلة تعبئة الشارع الأردني لتقويض أركان الحكم، والعمل بقوة ضد مؤسسة العرش لتحقق أحلام قديمة جديدة بإسقاط النظام الهاشمي نهائيا في المنطقة. وكما قال الملك:” المملكة لا تملك ترف الوقت للتعامل مع الروايات التي يقدمها الأمير حمزة، وهنا نلحظ أن الملك ما زال بخطابه يقدم لقب”الأمير” على إسم الأمير حمزة؛ فهو لم ينزع عنه اللقب، وإن كان الأمير قد طالب بخلعه عن نفسه، وظل الملك فيما مضى وحتى ساعة المكاشفة بالرسالة يرى فيه “الأمير حمزة”، وهي صلة الأخوة التي لن تنقطع، ويحرص الملك أن تبقى شعرة معاوية لأجل الأيام والحياة العائلية، لعل الأمير يصحو من الهواجس الدخيلة والتي تسكن في عقله. والملك أيضا يرى أن هناك أولويات وطنية يجب إعطاؤها كل الطاقات والأفكار والإستثمار لتحقيق الأفضل للوطن، وبالمقابل هناك تحديات يجب أن نستعد لها ونواجهها بشكل سريع وصارم بعيدا عن الارتجال أو الارتجاف. فما زلنا نواجه تحديات تنطلق من العمق الإسرائيلي، وانتهاكات في القدس والأماكن المقدسة، وتستهدف الوصاية الهاشمية، وتشكل بالنسبة للأردن تحديا وتحتاج واجبا وطنيا خالصا تجاهها. وبفضل العلاقات الدبلوماسية العالية للأردن والملك مع الكرملين بقيادة “بوتن”، كان هناك ضمانات وتعهد من إدارة الكرملين بإبعاد الميلشيات في سوريا عن الحدود الأردنية، لكن في ظروف الحرب الروسية – الأوكرانية تغيرت المعادلة، وتستوجب انسحابا مبرمجا سيبدأ على أثره إفراغ المنطقة من القوات الروسية في جنوب سوريا دون تنسيق مع الأردن، وتتقدم المصالح على غيرها، وهذا بحد ذاته يشكل نوع من القلق، ويحتم تكثيف الوجود العسكري الأردني على الحدود الأردنية مع سوريا لمواجهة احلال الميلشيات قواتها وتموضعها قبالة الحدود الأردنية. وهذا يعني أن الأردن باتجاه رأب الصدع الداخلي من تداعيات الفتنة، وغيرها، لمواجهة الخطر المحدق، ويحتاج لتقوية الجبهة على الحدود الأردنية المستهدفة، والتحوط لأي حالة طوارئ تفرضها الظروف. ويجب أن أنوه هنا ردا على التكهنات بالتلميح التي تقول أن الملك جاءت رسالته المصارحة والمكاشفة، بعد أن تم ترتيب خاص مع الإدارة الأمريكية، وأنه تم عرض ملف الأمير حمزة من ضمن الملفات المطروحة في اللقاءات التي جرت مؤخرا في البيت الأبيض، وأقول أن شخصا بمكانة الملك وحصافته السياسية لا يمكن أن يضع نفسه في هذا الموقف، بأن يكون هناك إملاءات امريكية بهذا الموضوع -خاصة أن الرسالة تم إعلانها بعد عودته مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية-، ، فالملك تصرف بعد عودته، لأنه وصل إليه الخبر بأن الأمير حمزة كان قد افتعل أمرا – غير معلن لغاية الآن ولم يتم التصريح عنه- مع الحرس الملكي وترتيباته يوم عيد الفطر، وتفاصيل هذه الحادثة، عجلت العزم من الملك والمضي في ترتيب الرسالة ومكاشفة الشعب الأردني بكل خيوط وحيثيات مؤامرة الفتنة، وهو الأمر الذي تردد الملك في الخوض فيه، لعل الأمير يستجيب ويصغي للعقل والحكمة، ويتوقف عن الاستمرار في تثوير الرأي العام الأردني نحو الملك، وخلط الأوراق بطريقة ضبابية دون التمعن في الأمر من زوايا عديدة تمس الوطن، وتدين الأمير ثانيا، وتنال من شخصيته وتغير الصورة التي يتمتع بها أمام الشعب. أرى أن الاحتكام للدستور والقانون، ولا أجد حاجة، أو ما يستدعي من البعض في كتاباته لمحاكمة الأمير حمزة نيابة عن الدستور والقوانين التي تحكم الدولة، ولا داعي لأي لغة فيها من الخدش لشخصة؛ فالملك هو الوحيد الذي يحق له ذلك، لأنه عميد العائلة الهاشمية وبمثابة الأب لأخيه غير الشقيق، وله أن يعاتبه او يكاشف الشعب كما فعل، لأن الأمر لا يخص الأمير وحده بل يخص الوطن أيضا، ولنترك الأمر للملك، ونكتفي بهذه المكاشفة والحقائق التي وردت فيها، وللملك أن يقرر إذا اقتضت الحاجة للمضي بالمسار القانوني هي الطريق الأمثل إذا ما تكررت من قبل الأمير، تكون عندئذ القضية كلها بيد القضاء ليبت الأمر بها كما حدث مع باسم عوض الله وشريكه حسن بن زيد، حينها تسقط كل التكهنات وتكون الكلمة الفصل بيد أهل الإختصاص والقانون. وكما قال الملك في رسالته” آملاً بطي صفحة مظلمة في تاريخ بلدنا وأسرتنا” حمى الله الأردن،