صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
يُفترض أن وضعنا في الأردن الآن ، وفي أسوأ الظروف لا لينا ولا علينا ، اي نكون في نقطة التعادل ( Break Even Point ) ، لو انه تم إنفاق أثمان كل ما تم بيعه من مقدرات الوطن على تحسين البنية التحتية ، وسداد المديونية — في ذاك الزمان قبل ان تتفاقم — مثلما يعمل الأردني كل ما ( بنزنق ) يبيع قطعة ارض لتسديد ديونه ، وتحسين أوضاعه .
الحُسين عليه رحمة الله ، كان قائداً ، ومَلِكاً عظيماً ، فَرض إحترامه حتى على من يختلفون معه ، من الاشخاص او الدول . كُنّا نختلف معه في بعض المواقف ، كقوميين ، لكننا كنّا نحترمه ، لانه في بعض أحداث الأمة المفصلية ، كان يتخطى كل التوقعات ، ويرتقي بمواقفه عما يفكر فيه أشد القوميين تشدداً . لم يكن الحسين مدرسة ، أبداً ، بل كان جامعة بأكملها ، يسطع نجمه ، وتتجلى مواقفه عند الإقتدار ، وتتبدى حرفيته القيادية في الملمات ، وعندما تشتد الخطوب .
اعلاه بعض يسيرٌ جداً مما تميزت به شخصية الحسين القيادية ، وهو توصيفاً وليس مديحاً ، لأن الهدف من المقال ، استعراض بعض إنجازاته وحُسن قيادته للبلاد . من كان وراء تسميته ب (( الحسين الباني )) ، أشهد له بالمصداقية ، والبعد عن المحاباة والمجاملة . لكن هذا لا ينفى إكتناف مسيرته بعض الاخطاء .
والآن ، دعونا نُطِلَ على ما كنّا عليه عندما غادرنا الحسين واستجاب للقاء ربه . سوف أسرد بعض الامثلة المحدودة جداً بحيادية تامة :— عندما غادرنا الحسين كانت المديونية بحدود ( ٥ ) مليارات دينار ، والآن ( ٣٥ ) مليار دينار ، سؤال أين ذهبت ال ( ٣٠ ) مليار دينار !؟ وأين ذهبت أثمان كل مؤسسات وشركات وأراضي الدولة التي تم بيعها !؟ والطامة الكبرى تكمن في الآتي : — لم يتم فتح طرق رئيسية جديدة ، وشارع المطار ، وطريق الأزرق ، تمت بمنحة من السعودية الشقيقة . والطريق الصحراوي اغلب كلفته بمنحة سعودية ، وحصل فيه ما حصل من إلغاءٍ لأحد المسارب وانخفاض في الجودة . أما الطرق الرئيسية الاخرى ، فبقيت على حالها من قبل وفاة الحسين — الا من الصيانة — حيث تشعر وانت تسير عليها بسيارتك وكأنك تركب جملاً (( لانها بتخض معدة اللي خلّفك )) . أعداد المدارس على حالها تقريباً ، باستثناء الصيانة الاستعراضية لبعض المدارس . حيث اكتظت الصفوف بالطلبة حتى وصلت الى (٦٠ ) طالباً في الصف ، ولا تعترف الحكومات بالنمو السكاني ، ونسبة الخصوبة التي تبلغ (( ٢,٧ ٪ )) . ونسبة النمو السكاني هذه هي المؤشر الرئيسي الذي يُعتمد عليه لتوسعة وزيادة المرافق الخدمية بالذات . الذي يتطلب انشاء مدارس جديدة ، وتوسيع مدارس قائمة ، هذا لو استثنينا انشاء او توسعة بعض المدارس في المفرق وبعض المحافظات الممولة بمنح اوروبية وخاصة المانيا . ومنها تمويل المدارس الذي تم كاستجابة غربية للجوء السوري ، ولَم تتحمل الموازنة من كلفتها شيئاً . مما أدى الى تراجع مستوى التعليم ، وأُنهِك المعلم ، المُشتت والمحتار ، بين ظنك العيش ، وازدحام الشُعب الصفية ، والافتقار للوسائل التعليمية ، فانتقل الطلبة الى الجامعات وهم يحملون التردي في مستواهم التعليمي . وبما انه ليس بمقدور الاستاذ الجامعي ان يبدأ من الصفر مع طلبته ، لأسباب كثيرة ، فيدخل الطالب الجامعة ويتخرج منها ، خالي الوفاض ، مما أساء الى جامعاتنا المحترمة ، التي انفقت مئات الملايين على ابتعاث اكثر الطلبة تميزاً ليعودوا حاملين اعلى الدرجات العلمية من ارقى جامعات العالم . وتسطو الحكومات الاردنية على دعم الجامعات الذي يتم تحصيله كضريبة جامعة من المواطنين الغلابة ، الذي يزيد عن ( ١٨٠ ) مليون دينار سنوياً وتضيفه الى موازنة الدولة ، بدل ان يودع في حساب خاص ويذهب للجامعات مباشرة دون اي تدخل من الحكومات . وتهدف الحكومات من اجرائها غير القانوني هذا لسلب جزء كبير من المبلغ ، والتقطير على الجامعات ببضعة ملايين ، ولتحرم الجامعات من استقلال قراراتها الادارية ، وإخضاعها للقرارت الحكومية غير الرشيدة ، فتُعيِّن من ينسجم مع سياساتها المنحرفة عن المسار الصحيح . أما الصحة فحدث ولا حرج . فبسبب الازدحام يتوجب على طبيب الاختصاص ان يستقبل حوالي ( ٦٠ ) مريضاً في اليوم الواحد ، فينحصر دوره في السلام على المريض ، وليس الكشف عليه ومعالجته . وتعلن الدولة الاردنية ان نسبة المؤمن عليهم زاد عن ( ٨٠٪ ) من المواطنين ، وهذا ربما يكون صحيحاً في عدد بطاقات التأمين الصحي فقط ، وليس بالاستفادة من خدمات التأمين الصحي ، لان الكثير من الأدوية غير متوفرة ، واذا احتجت الى صورة رنين مغناطيسي مثلاً تحصل على موعد بعد سنة . ومن المألوف عند وصول الموعد ان يكون الجهاز قد تعطل ، عندها يكون المرض قد استفحل ، واستعصى على العلاج ، او ربما يكون قد انتقل المريض الى الرفيق الأعلى ، ليريح الحكومة من همِّه . والدليل القاطع على صِحة ذلك : انا شخصياً ، احمل بطاقة صحية لكنني لم اتمكن من الاستفادة منها مطلقاً ، للاسباب اعلاه ، وعليه تستنزف المعالجات الطبية اغلب راتبي التقاعدي . القطاع الزراعي تدهور ، وهو الان في مرحلة الاحتضار ، حيث كان يساهم بما يقارب ال ( ١٩ ٪ ) من الدخل الوطني الاجمالي ، أما الان فنسبة مساهمته (( ٣,٢ ٪ )) بالضبط . الشوارع مكتظة في كل مدن المملكة ، والحوادث في ازدياد ، والهجرة من الريف الى المدينة على أشُدها ، بسبب تهميش الريف ومدن المملكة الاخرى ، حيث اصبح نهج الحكومات — عمّان ومن بعدها الطوفان — أما سياستنا الخارجية فقد أَضعِفت لا بل هَمّشت دور الاردن الاقليمي والدولي ، الذي كان محورياً . وأذكر ان بعض الرؤساء الامريكان بعد تنصيبهم كانت اولويتهم الالتقاء بالحسين كأول زعيم من زعماء العالم للإستفادة من حُنكتِهِ . أما ضبط الاسعار والسيطرة عليها ومنع انفلاتها كان يحظى باهمية كبرى لدى الحسين ، لذلك كان هناك وزارة للتموين وتم الغاؤها .. الخ . لا يمكنني استعراض كل الامور التي تردت ، لأن مساحة المقال لا تسمح ، لذلك اكتفي بالاشارة . واختصر بجملة واحدة : كنّا أعِزة ، ومستورين ، ((ومعرّشين)) على الدنيا كلها ، كانت أيام اللولو .
زاد الدين ، والهم ، والغم ، والهوان ، بعد الحسين ، وهان الأردني وأُهين في وطنه ، واختفت العِزة ، والشَمم ، والإباء ، الذي كان يشعر به ايّام الراحل العظيم . وأصبح الكثير من الاردنيين غير قادرين على توفير لقمة العيش ، حتى لو كانت مغموسة بالذل والهوان والكرامة .عليك رحمة الله يا حسين ، والأردنيون لهم الله الذي رحلت عنده .ألا تعلم يا ابا عبدالله ان ليلنا تجاوز الظُلمة وأصبح حالِكاً ومُكفهراً !؟