«فرضت الحرب في «اوكرانيا» واقعا جديدا وقبلها فعلت «جائحة كورونا».. فالعالم لم يعد ولن يعود كما كان..وقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني من اوائل من دعوا الى «ضبط العولمة» ابّان « الجائحة « مؤكدا جلالته بأن « كورونا غيّرت العالم « وبأنه لا مناص من «التعاون الاقليمي « للتصدي للتحديات الناجمة عن الازمة الروسية الاوكرانية.
عالم جديد بات يتشكل تحت مظلة تحالفات عالمية واقليمية…فأين نحن من كل ذلك ؟ «
«مركز الدستور للدراسات الاقتصادية « دعا نخبة من السياسيين لجلسة حوارية امس الاربعاء تحت عنوان (الاردن.. والتحالفات الاقليمية والدولية) وهي جلسة متابعة لورقة مطالعة للمركز حول الحدث العالمي ومستجداته والتحالفات.
المشاركون تطابقت آراؤهم حول عدد من الملفات وتباينت حول اخرى، وطغى الموضوع الاوكراني وزيارة بايدن والناتو الشرق اوسطي على نقاشات المشاركين اضافة لموضوعات اخرى.. في الجلسة التي شارك بها نخبة من المتحدثين السياسيين وحضرها من الدستور رئيس التحرير المسؤول الزميل مصطفى الريالات، الذي أدار الجلسة الحوارية، والزميل عوني الداوود رئيس مركز الدستور للدراسات الاقتصادية.
د. محمد أبو رمان:
أريد أن أؤكد ان طرح هذه الورقة في هذا التوقيت مهم جدا، كونها تاتي قبل زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن للمنطقة، حيث كان لدينا ندوة مغلقة في معهد السياسة والمجتمع، شارك فيها امريكيون واوروبيون عن طريق تطبيق (زووم) حول الزيارة، ومن المهم أن نتناول التحولات الدولية وما يقال عن تحالفات إقليمية وعن موضوع القضية الفلسطينية ومكانة الأردن الاستراتيجية والإقليمية، لكي تعطي إضاءات على جملة من الاسئلة: ماذا نتوقع من الزيارة، وما هي الأمور التي ستطرح، ومن ثم الموقف الأردني بخاصة أنه أصبح هناك نوع من التشويش الهائل عليه اعلاميا وسياسيا، وتم تحميل كلام جلالة الملك عبدالله الثاني ما لا يحتمل في موضوع الناتو الشرق اوسطي، وتفاجأنا أن بعض الإعلام الأردني سار مع الحملة في البداية والإعلام الإسرائيلي ضخ مواد هائلة عن الموضوع، وكذلك الإعلام العربي والغربي، حتى أصدر وزير الخارجية أيمن الصفدي توضيحا، وخرجت الصحف بعد يومين تبين ان الأردن غير موافق على الناتو، حيث قال جلالة الملك « لا « بلغة دبلوماسية وليس مباشرة.
من الواضح تماماً أن هنالك تحولات كبيرة على أعتاب زيارة بايدن، فالسياسة الأميركية كانت في حالة خروج من المنطقة والتركيز على آسيا بشكل كبير، واصبحت الحرب الروسية الأوكرانية أولويتها، كما ان آسيا والصين أولويتها الرئيسية.
اعتقد، وهذه وجهة نظري، ان بايدن سيأتي إلى المنطقة فقط من أجل النفط والطاقة، ويريد أن يسترضي السعودية، وهناك مأزق شديد على المستوى الداخلي والانتخابات النصفية على الأبواب، وهو أيضاً في أزمة مع حلفائه الأوروبيين لكنه غير معلن، وواضح تماماً أن أوروبا مرتبكة في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية ولديها قلق شديد بالنسبة للمرحلة القادمة، فبايدن يأتي إلى المنطقة محملاً بموضوع النفط، والإسرائيليون يستثمرون ذلك، وهنالك ضغوط شديدة على بايدن والإدارة الأميركية للوصول إلى أي مستوى من مستويات التطبيع الرسمي، وهذا الأمر واضح تماماً في الإعلام الإسرائيلي والسياسات الإسرائيلية، فهناك عمل على هذا المسار، وأعتقد أن هنالك مشروعا خطيرا في المنطقة، وهذا المشروع عاد لينشط مستثمراً الحرب الأوكرانية الروسية ونتائجها الدولية والإقليمية وهو مشروع كوشنر، فكوشنر بعد ذهاب إدارة ترامب لم يخرج من المنطقة، فهو ما زال موجوداً فيها وبشكل مستمر، وما زالت أجندته تعمل وهو حريص على استمرار أجندته وهي التطبيع العربي الإسرائيلي، وآخر أمر هو تنشيط فكرة حلف الناتو، ومعناه تحالف عربي إسرائيلي في مواجهة إيران.
وهنا أريد أن أسجل نقطة رئيسية أن حلف الناتو بما يطرح حالياً يهدد الأمن الوطني الأردني، لأنه يعني إلغاء مركزية القضية الفلسطينية والالتفات إلى ما يسمى الخطر الإيراني، وإيران تمثل مشكلة بالنسبة للأردن، والعلاقات تتصف بالتوتر والازمات، والآن مع الحدود الشمالية هنالك قلق أردني حقيقي، لكن هذا الموضوع لا يصل إلى مستوى وحجم تأثير القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي على الأمن الوطني الأردني، وبالتالي ليس من مصلحة الأردن لا استراتيجيا ولا إقليمياً ولا داخلياً التورط في مثل هذا الحلف.
وأعتقد ان بايدن لم يعد الى الوراء ويراجع مشروع ترامب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالتالي بقي ما قام به ترامب موجوداً، فالعملية السلمية تجمدت، وحل الدولتين في طور الانتهاء، ولم يعد أحد يتحدث عن حل الدولتين بشكل موضوعي وواقعي. والأمر الثاني موضوع القدس فقد انتهى عند الأميركيين، وموضوع اللاجئين في طور الطي والإنهاء، وبالتالي حتى ولو كان بايدن لم يتبن صفقة القرن إلا أنه مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عادت أجزاء رئيسية من مشروع ترامب بوساطة كوشنر تتحرك في المنطقة بشكل كبير، والآن بعض الدول العربية التي كان لها دور إقليمي غير موجودة بشكل حقيقي في الساحة، وهنالك أجندة دولية وإقليمية تسعى إلى تحجيم الدور الأردني لأن الدور الأردني مرتبط بدرجة أو بأخرى بالقضية الفلسطينية ومركزية القضية الفلسطينية.
العلاقات الاردنية الأميركية اليوم تبدو بأفضل حالاتها، والأردن ثاني دولة على مستوى المساعدات، وتزداد أهميته إقليمياً بالنسبة لأميركا لأنه نتيجة التوترات في المنطقة والأزمات يرى الأميركان أن الأردن حليف، لكن هنالك جانب آخر يجب الانتباه له، وهو أن هنالك تطورا خطيرا في الأجندة الإسرائيلية تقود معه جزءا من الأجندة الأميركية مرتبط بحل القضية الفلسطينية في الأردن، وهنا لم تعد المسألة مسألة توقع، أصبح خطابا علنيا واضحا وصريحا من قبل اليمين الإسرائيلي، وأعتقد ان هذه التطورات بحاجة أردنيا أن يتم التفكير فيها، وأن نقرأ التحالف، وما يطرح من تحالفات إقليمية الآن، والناتو بشكل واضح، ونحن نعلم ان الدولة مضطرة أن تتحدث بكلام فيه نوع من النعومة، لأن مصالح الدولة مهمة وتنظر لعلاقاتها مع الآخرين، لكن نحن كإعلام أو كباحثين أو كمثقفين يجب أن نتحدث بوضوح وصراحة، فالاتفاقيات الإبراهيمية تضر بالأردن ومصالح الأردن والاحلاف تهدد الأمن الوطني الأردني ونحن في المرحلة القادمة أمام تحديات خطيرة وكبيرة، خاصة إذا جاءت نتائج الانتخابات النصفية في أميركا بعودة، ليس فقط الجمهوريين، بل عودة مشروع ترامب، لأن ترامب هو الشخصية القوية الآن، وإذا عاد بعد عامين الى المشهد، فأعتقد أن الأردن سيصبح في حالة صعبة في مواجهة استحقاقات دولية وإقليمية.
أ. د. أمين المشاقبة:
الحرب الأوكرانية- الروسية القائمة اليوم ستؤدي نتائجها إلى حدوث حالة جديدة في النظام الدولي القائم، وإلى استمرار الهيمنة الأميركية على أوروبا والعالم، وما على روسيا وغيرها من الدول إلا الإنصياع لهذه الهيمنة أو نجاح روسيا في إنهاء الأحادية القطبية وبروز عالم متعدد الأقطاب، ومن هنا تسعى اوروبا بقيادة الولايات المتحدة الى استنزاف روسيا الاتحادية وانهاكها في هذا الحرب، واطالة امدها ومنع التقدم في اي مفاوضات لوقف هذا الصراع العسكري- الذي انهك العالم من حيث ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع اسعار النفط عالمياً، وكذلك الحبوب مثل القمح والشعير والاسمدة اذ تعتبر روسيا اكبر منتجي الحبوب عالمياً ويقدر انتاجها بـ 130 مليون طن لهذا العام- وتأتي أوكرانيا في المرتبة الثانية منها، وتزود روسيا الإتحادية ما يقرب من 65 % من حاجات النفط لأوروبا وخصوصاً ألمانيا، وفرنسا وإيطاليا.
وقد استطاعت روسيا إيجاد أسواق بديلة للنفط في كل من الصين والهند وبعض الدول الأخرى، رغم العقوبات القاسية المفروضة عليها، ويمكننا القول أن أوكرانيا خسرت الحرب عملياً وخسرت مناطق دونباس، ودونيتسك وجزيرة القرم إلا أنها تحاول الصمود الشكلي الذي لا يقدم أو يؤثر في النتائج، فأوكرانيا أصبحت أداة طيعة بيد الولايات المتحدة للضغط على روسيا وتوسيع حلف الناتو إلى المزيد من الأراضي مقابل الحدود الروسية.
وتسعى اسرائيل للهيمنة على المنطقة وإنهاء سعي إيران لامتلاك القنبلة النووية، وحالة الصراع القائم بين الطرفين، حيث ان بعض الاتفاقات أدت لمزيد من التطبيع مع إسرائيل. إسرائيل تهدف في سياساتها إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، وإنهاء انتاج الصواريخ البالستية المتطورة وهي تسعى لان تكون ايران العدو الأول وتريد إنشاء حلف شرق أوسطي/ عسكري «ناتو الشرق الأوسط» لتكون هذه الدول رأس حربة في حرب إسرائيل ضد إيران.
إن أي حلف عسكري سيكون موجهاً ضد إيران ومن خلال إدماج إسرائيل كقوة عسكرية متطورة في المنطقة مع الدول العربية مما يؤدي إلى إضعاف القضية الفلسطينية والقفز عنها متناسين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، ومن الممكن أن هذا التحالف سيساهم في الاستقطاب الطائفي في المنطقة ككل، وسوف يساهم في خلق حالة إرباك وخصوصاً لدول حيث أن بعضها لا يرى أن عدوهم إيران ويمكن التفاهم معها بالوصول لحلول سلمية لكل الخلافات القائمة- ناهيك عن استقطاب طائفي.
وبالعودة إلى التاريخ السياسي للمنطقة فإن تدشين تحالفات عسكرية قد باءت كلها بالفشل ويبرز هنا عاملان يقودان لعدم إمكانية نجاح التحالفات العسكرية، أولاً: انعدام الثقة بين الأطراف، وثانياً: تباين واختلاف في الأهداف.
إن جميع المبادرات الأمنية والدفاعية في الشرق الأوسط انتهت جميعها بالفشل.
إن الهدف من المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة هو إدماج إسرائيل في المنطقة وتمكينها عسكرياً وتكنولوجياً. وان الزيارة الرئاسية للرئيس جو بايدن للمنطقة وحضور اجتماع مجلس التعاون الخليجي – بحضور الأردن ومصر، من الممكن أن يصب في مصلحة إسرائيل وإدماجها مع دول المنطقة، والدفع بزيادة الانتاج النفطي وتقليل الأسعار.
واذا سالنا : ما هي مصلحة الأردن من هكذا تحالف «الناتو الشرق أوسطي»، فان الاجابة انه ليس من مصلحة الأردن إيجاد عدو جديد، فليس بين الأردن وإيران سوى التباين السياسي بالمواقف حول العديد من القضايا.
وحسب استطلاع للرأي العام فإن 94 % من أبناء الشعب الأردني يرون أن إسرائيل هي العدو الأول للأردن.
إن إدماج إسرائيل في المنطقة يعطيها تفوقاً عسكرياً وتكنولوجياً وهو قفز من فوق الجغرافيا الأردنية نحو العمق الاستراتيجي للأردن، وتشكيل مثل هذا التحالف هو قفز عن القضية الفلسطينية وتجاهلها، فالموقف الأردني يستند إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف وعدم قيام هذه الدولة هو ضد المصالح الوطنية العليا الأردنية.
كما ان مشاركة الأردن في هكذا تحالف سيزيد من سوء العلاقات مع دول عربية، ويؤدي إلى عداوات جديدة نحن بغنى عنها.
باعتقادي أن الأردن يجب أن يكون لديه هامش حركة واسع في سياسته الخارجية تجاه المنطقة خصوصاً ان عدم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سينعكس بشكل أو بآخر على الوضع في الأردن. صحيح أن هناك علاقات أردنية -أميركية متميزة والأخيرة تقدم مساعدات اقتصادية وعسكرية سنوياً بقيمة 1.650 مليار دولار، لكن أهمية احترام المصالح الوطنية الأردنية أمر ضروري لا غنى عنه.
د. جواد العناني:
تعرض آخر اجتماع لقمة لبريكس في نهاية شهر حزيران الماضي شاركت فيه الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، لقضايا المنطقة جميعها ولم يذكر المشاركون سوريا ولا العراق ولا فلسطين، ولم يكن هناك ذكر للقضية الفلسطينية ولا حل لها، مع أنهم قالوا بأن وظيفتهم هي المساعدة في حل المشكلات العالمية، والمشكلة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحدثوا عنها هي إنهاء قضية الملف النووي الإيراني والوصول إلى حل في هذا الملف، وتحدثوا عن مشاكل إفريقيا وعن مشاكل في المحيط الباسيفيكي وعن أوكرانيا ومشاكل أخرى، لكنهم لم يتحدثوا عن قضايانا، فالجميع يعلم بأن العالم متغير.
الآن ما هو الترتيب العربي الذي يجب أن يكون حتى نستطيع أن نواجه كل هذه التحديات التي تواجهنا؟.
أولاً الأميركان واضح جداً إذا أردنا أن نفاوضهم بشكل صحيح، نفاوض الرئيس بايدن، وهو أن يقوموا بإنهاء مشكلة غزة عن طريق السماح لأهل غزة باستثمار الغاز، الذي يقع ضمن المياه الإقليمية، حيث يبدأ بئر الغاز في مياه غزة الإقليمية، وإسرائيل منعتها منه، فإسرائيل لم تسمح بذلك إلا إذا قبلت حماس بالاعتراف بإسرائيل.
السؤال الثاني هو تقسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فكل واحد يجب أن يعرف حصته من الغاز في البحر المتوسط في البئر الموجود بجانب لبنان، الآن الغاز الذي تستخرجه إسرائيل لا يوجد على حدود أي دولة عربية، فبئر الحوت يبعد 130 كيلو مترا عن حيفا، والغاز الذي تستخرجه إسرائيل من البحر المتوسط قريب من اليونان، ومن هنا للأميركان مصلحة كبرى بأن يحصل انتاج للغاز من أجل تزويد أوروبا به، والمشكلة الكبرى الآن ماذا سيفعلون الشتاء القادم؟، فأوروبا ممكن جداً ان يتأذى اقتصادها، واليوم لاحظنا استقالة اثنين من وزراء بريطانيا: وزير الصحة ووزير المالية، احتجاجاً على السياسات المالية، فهل نضع قضية التضخم بعين الاعتبار أم ان القضية قضية تنمية وخلق فرص عمل؟! وهذه مشكلة لدينا في الأردن وستواجهنا أكثر في المستقبل القريب، فلا تستطيع حل المشكلتين معا، فيجب التركيز على مشكلة واحدة، لذلك السياسة الأميركية لم تأت لتضمك لأحلاف، بل جاءوا ليجدوا المخارج السياسية التي تمكن من هذا الأمر.
الأمر الثاني الذي أشار اليه الدكتور محمد وهي قضية إقناع العرب بزيادة انتاجهم من النفط حتى لا يصل سعر جالون النفط في أميركا 5 دولارات، فالأميركان يشكون، وهذا قد يؤثر على نتائج الانتخابات الوسطية، والتي تأتي بعد الانتخابات الإسرائيلية، فلدينا انتخابات مهمة في شهر تشرين الثاني: الانتخابات الوسطية الأميركية والانتخابات الإسرائيلية، فلا أعتقد ان نتنياهو سيعود شخصياً، ولا ترامب سيعود، لكن مدرستهم، وهناك من يقول بأنه إذا ساءت الأمور أن نتنياهو يبدو وسط اليمين، فهناك أسوأ منه.
لا أعتقد أن كثيرا من الإسرائيليين يعتقدون أن مشروع ترامب سيستمر، ولا سيحل لهم مشكلتهم على الأرض، فمشكلتهم على الأرض سكانية، ديمغرافية، والديمغرافيا تقول بأن السياسة الإسرائيلية لم تنجح لا في تقليل عدد الفلسطينيين في القدس ولا تقليل أعدادهم في غزة، فغزة منذ أن خرج الإسرائيليون منها إلى الآن تضاعف عدد سكانها، وفي النهاية هذه القنبلة الموقوتة إلى أين تذهب؟!.
الإسرائيليون الآن يتطلعون إلى التفكير، حيث بدأت الآن تظهر مدرسة تقول ما يلي: سنعترف بالأمر الواقع، وفي النهاية يجب أن يكون هناك كيان فلسطيني، لكن هذا الكيان الفلسطيني يجب أن لا يكون مستقلاً تماماً، وهذا سيكون موجودا وسنبدأ عملية خلال خمس سنوات يكون هناك نوع من المستوطنات غير الشرعية، الصغيرة، والمدن الأخرى تقوم بعمل (لانس وارسو) في الأماكن المزدحمة عربياً، هذا مطروح لديهم، وهناك اقتراح ثالث بعمل كنفدرالية تبدأ بين إسرائيل وفلسطين، وتنتهي بعد سبع سنوات من ذلك بضم الأردن إلى هذا الأمر، وتكون في طابعها ظاهرياً اقتصادياً.
التحدي الثاني الذي سنواجهه هو أهمية جغرافيتنا، لأن أي مشروعات مستقبلية في المنطقة يجب أن تمر بالأردن، ولا تستطيع أن تتفادى الأردن، لا أنابيب نفط ولا سكك حديد ولا طرق ولا خدمات لوجستية ولا أي أمر، فمن هنا هل سيترك الأردن لوحده؟ هكذا أفهم السؤال، لا أفهم ماذا أريد، فأنا أعرف ما أريد، لكن ردة فعل الآخرين ماذا ستكون إذا رأوا أن من مصالحهم الحيوية العليا أن يضغطوا علي فماذا أنا فاعل؟ هذا هو السؤال.
برأيي عملية الرفض المطلق ليس موقفاً سياسياً، هذا موقف مبدئي، لكن إذا تحدثنا سياسة ودولة تريد أن تدير أمورها وتحافظ على نفسها فالأردن أنه نجح في الحفاظ على نفسه من بين كل الدول وهذا أعطى الأميركان الثقة به، فالاردن دولة مستقرة، فنحن بالنسبة لهم مهمة عسكرياً.
سميح المعايطة:
أعتقد أن الأردن لديه نظرة واقعية، هو قال نعم أو فهمت أنها نعم لكنه يدرك أن هذا أمر غير ممكن الحدوث، فالإيجابية التي يتحدث عنها معالي أبو أحمد هي إيجابية صحيحة في الجو العام لكن الأردن يعلم بأنه لا يوجد فكرة الحلف في العالم العربي، فهي فكرة غير قابلة للحياة.
بالإطار الآخر، لو نعود إلى داخل الأردن قليلاً بالقصة، الأردن اليوم إذا نظرنا إلى خارطته، لدينا إسرائيل دولة غير مستقرة سياسياً منذ سنوات، الاستقرار السياسي الوحيد في إسرائيل على مسألتين: المسألة الأولى أن اليمين هو الذي ما زال يحكم، وهو المستقر بقوته وبحضوره، وهذا أمر مستقر بغض النظر من سيأتينا، والأمر الثاني مشروع حل حقيقي للدولة الفلسطينية مثلما نريد وإخواننا الفلسطينيون، فهذا الأمر لم يعد على أجندة إسرائيل، ولم يعد هناك أي طرف إسرائيلي يتحدث به بجدية أو يتعامل معه بجدية، هذان الأمران بالنسبة للأردن يشكلان حالة قلق، فنسمع مثلاً من بعض العرب بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية، وفي تقديري الأردن اليوم ما زال الوحيد المتمسك بقصة حل القضية الفلسطينية، بغض النظر عن قناعاته ماذا سيحدث، لكن الأردن لا يستطيع أن يذهب إلى نقطة غير هذه النقطة، لأن القصة مرتبطة أولاً حتى لو ذهبت السلطة الفلسطينية وقبلت باتفاق مع الإسرائيليين لا يؤدي إلى دولة حقيقية فان الأردن بعد السلطة بعشر سنوات سيقبل، لأن القصة داخلياً تؤثر على استقراره السياسي الداخلي بشكل كبير، فلا يستطيع إلا أن يبقى يحتفظ بهذا الموقف وهذا الخطاب ويتحدث فيه.
في نفس الوقت إذا نظرنا إلى المشهد الذي نحن فيه كأردن، فالمصريين يتحولون إلى دولة محلية تقريباً، والخليجيون تغيرت أولوياتهم والذي تحدث عنه معالي أبو أحمد والذي قال بأن الحل الممكن وهو غزة والغاز، وهو الحل الاقتصادي للفلسطينيين مع قليل من التحسينات السياسية في شكل الكيان الفلسطيني، وهو صفقة القرن بالنهاية، هذا المشروع الذي كان بجوهره في القصة، فهذا لا يجد رفضا من العديد من الدول العربية، والوحيد المتضرر ولا يستطيع أن يتحرك خطوات بعيدة عن موقفه الأصلي هو الأردن في هذه القصة، والإشكالية أن السلطة الفلسطينية موقفها الحقيقي او الفلسطيينيون في الداخل، الموقف العملي ميداني هو عملياً يخدم القصة الأخرى، لأنك لا تستطيع أن تقوم بحل مشاكلك الداخلية كسلطة وغزة، ولا إسرائيل تسمح لك بتطوير نفسك بأي شكل، وعند قطع العلاقات بالأميركان والاحتفاظ بأطر أمنية مع إسرائيل، شكل السلطة أو شكل الفلسطينيين في الداخل لا يدعم فكرة الدولتين ولا يستطيع أن يدعم، وفي المقابل حالة لا يوجد لها أي تأثير بالاتجاهات الأخرى.
بالصورة الأخرى نحن اقتصادياً لدينا أزمتنا التي لا تتحرك كثيراً للأمام، الأزمة الاقتصادية في الأردن غيرت أولويات الأردنيين، حركة الحكومات وقدرتها على إقناع الأردني بخطوة للأمام في هذا الملف صعبة، بالعكس القناعات تذهب إلى الخلف.
مشروع الإصلاح الذي أتفق مع مضمونه كمضمون، لكن أعتقد أن هذا المشروع أهمل كثيراً، ولم يتحول إلى واقع سياسي، فعلى سبيل المثال عندما تم في عام 2011 تعديل الدستور كان احتفالية وطنية أنه إنجاز سياسي ووطني، ودخلنا مرحلة عظيمة من مرحلة كانت صعبة، حتى أن نوابا أفسدوا الموضوع بطريقة أدائهم، بمعنى أننا قمنا بإضاعة المشروع.
وأتفق مع ما قاله الأستاذ محمد بأن المشروع الأميركي للقضية الفلسطينية ما زال هو مشروع ترامب، مع جمل شفوية في موضوع الدولتين، لكننا لم نخرج، حتى لو عاد ترامب فلن يختلف علينا الجوهر في طريقة التعامل، وفي ظل هذه الحالة نقول ما العمل؟ الدولة أولويتها أن تذهب مع اللقاء العربي ومع الأميركان، نريد أخذ مواقف الآن، ففي النهاية أولاً وآخراً يجب أن تكون أولويتنا داخل البلد، نعيد إحياء المشروع الإصلاحي ونضع فيه الروح مرة أخرى ونقدمه للأردنيين، والمشروع الاقتصادي نتحدث فيه، نقوم بعمل تبريد سياسي أردني داخلي، نقوم بعمل إنعاش لثقة الأردنيين وجو سياسي مختلف أم ننتظر عاما أو عامين، وفي هذين العامين الملف الاقتصادي سيزداد صعوبة على الناس دون تنفيسات سياسية له، هذه الصورة أراها ونأمل بعد شهر 8 أو 9 يكون هناك حركة باتجاهات أخرى.
د. عامر بني عامر:
ارى ان مشروع الإصلاح السياسي في الأردن ما زالت الفرصة موجودة، ومشروع التحديث السياسي الذي خرج عن اللجنة الملكية باعتقادي هو مشروع نوعي وقابل للاستمرار والحياة والديمومة، ولديه فرصة كبيرة لإحداث نقلة نوعية في العملية السياسية في الأردن، ولكن الوقت مهم جداً ولا نملك ترف الانتظار فترة طويلة، حتى يتم ترجمة هذا المشروع على أرض الواقع، وأنا كنت من المتحمسين لإجراء انتخابات في أقرب وقت ممكن من أجل أن يلمس المواطن الأردني الفرق.
وبالنسبة للتحديات التي تواجه الأردن، باعتقادي لأجل حماية مصالح الأردن سواء الإقليمية أو العالمية يجب أن نؤمن بأنه لم يعد ممكن الاستمرار بمثل هذا النوع من التمثيل السياسي داخل الأردن، لا من حيث الشكل ولا من حيث النوع ولا من حيث الكم ولا من حيث الآلية، يجب أن يكون هناك إيمان راسخ لدى كل مؤسسات الدولة بأن آلية التمثيل السياسي الموجودة اليوم ليست من مصلحة الأردن، ولا تساعد الأردن على مواجهة التحديات، ولن يستطيع الأردن الاستمرار بمثل هذه الآلية، وسيكون هناك خرق في الجبهة الداخلية ما دمنا نستخدم هذه الآلية في التمثيل السياسي، ولا يمكن الاستمرار بمثل هذا النوع من مجالس النواب لا من حيث نوعية المخرجات ولا آلية إدارتها ولا تكتلاتها ولا مصالحها فما نعيشه اليوم لا نستطيع الاستمرار به.
وعودة لموضوع الإقليم، أريد الاختلاف مع الدكتور محمد، أنا باعتقادي بأن مصلحة الأردن أن يكون جزءا من تحالفات متعددة على مستوى الإقليم وعلى مستوى المنطقة وعلى المستوى العالمي، غياب الأردن عن أي تحالفات يضعف من دوره وهو بحاجة أن يكون موجودا على الطاولة، وباعتقادي اذا غاب الأردن عن بعض التحالفات وعن بعض الأنشطة على مستوى المنطقة سيخسر كثيراً، وبالتالي مصلحة الأردن أن يكون جزءا من هذه التحالفات.
الأردن بقيادة جلالة الملك، إذا ما كان جزءا من هذه التحالفات، باعتقادي سيتم الحفاظ على مصالح الأردن، ولكن أن نبتعد عن هذه التحالفات أو نمتنع عنها فهذا تغييب لفكرة العالم الحالي، العالم اليوم فنحن نتحدث عن أمن عالمي، ولا نتحدث عن أمن دول ولا عن أمن إقليمي، نتحدث عن اقتصاد عالمي، وبالتالي باعتقادي أن من مصلحة الأردن أن يكون جزءا من هذه التحالفات على مستوى المنطقة، وان اعادة التفكير بأولويات الأردن وبمصلحة الأردن ضرورة في هذه المرحلة.
الأردن قدم الكثير في كل المراحل، سواء لمصلحة القضايا العربية أو القضية الفلسطينية وغيرها، ولكن الأردن غيب مصلحته وأولوياته في كثير من المحطات، واليوم الأردن باعتقادي، وصناع القرار في الدولة، بكل مستوياتهم، مطالبين بإعادة النظر بما هي اولويات الأردن وما هي مصلحة الأردن، وتعريف مصلحة الأردن، يجب إعادة النظر في تعريفها، والأردن تاريخياً تعاطى مع القضايا العربية والقومية وتعاطى أيضاً مع رغبة ومشاعر الجمهور الداخلي لأجل كثير من القضايا، اليوم مصلحة الأردن تقتضي أن ينظر اليها أولاً ومن ثم نفكر بأي قضية أخرى وبأي أولوية أخرى وبأي علاقة مع أي دولة أخرى بشكل مختلف.
اليوم نتحدث عن جبهة في كيان الاحتلال، جبهة سياسية غير مستقرة، حكومات وانتخابات مختلفة إلى غير ذلك، ولكن هذا يفرض علينا حقيقة أن نفكر كيف نحصن جبهتنا الداخلية في مقابل هذه الجبهة المختلفة وبالتالي إعادة النظر أيضاً في مشروعات التحديث الداخلية أو الإصلاح الداخلي وتعزيز الجبهة الداخلية بكل الطرق الممكنة.
أؤيد فكرة تحسين الوضع الاقتصادي فهو الأولوية لدى المواطن الأردني، مع احترامي لكافة النخب السياسية في الأردن، من خلال واقع عملي وواقع عملنا كمؤسسة هناك كثير من المحطات نجد أن هناك اختلافا كبيرا جداً بين حديث النخب السياسية والنخب بشكل عام في الأردن وبين الواقع على المستوى المحلي، أولويات مختلفة، تفكير بقضايا مختلفة، اليوم الواقع الاقتصادي هو من يسيطر وباعتقادي من يعتقد بأن المواطن الأردني على مستوى القواعد ما زالت اهتماماته بالقضايا الإقليمية والعربية كما كانت سابقاً واهم، اليوم أولويات المواطن الأردني هي أولويات اقتصادية وأولويات محلية بشكل أساسي وتأخرت كثيراً القضايا الإقليمية والقضايا العربية وبالتالي يتم التعامل مع هذا الواقع وليس التعامل مع العاطفة ومع الأولويات السابقة بطريقة مختلفة.
على مستوى الإقليم، باعتقادي التعامل مع إيران يجب أن نتذكر دائماً أن إيران ليست صديقة للأردن، ويجب التعامل بأي أولوية في المرحلة القادمة على أن إيران ليست صديقة للأردن، قد لا تكون عدوة للأردن لكنها ليست صديقة ولن تكون صديقة بأي مرحلة من المراحل.
حمادة فراعنة
ابدأ مداخلتي بالحديث عن الحدث الأبرز، والذي يحظى بالاهتمام الاكبر على المستوى الدولي، وانعكاساته علينا ولدينا اقليميا ووطنيا، وهو الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وتداعياته، حيث دوافعه هي : اولا استعادة الأراضي الروسية شرق أوكرانيا، وسبق ان كانت جزءا من الأراضي الروسية، وسكانها أغلبيتهم من الروس.
ثانيا استعادة مكانة روسيا، عبر إلغاء نتائج الحرب الباردة وهزيمة الاتحاد السوفيتي.
منذ التسعينات يتحكم قطب واحد بالسياسة الدولية، وهي الولايات المتحدة، ولهذا تسعى روسيا لإلغاء هذا الوضع نتيجة الحرب الباردة، والعودة إلى نظام القطبين.
وفي تقديري إذا نجحت روسيا في مسعاها، وانتصرت في معركة أوكرانيا، سيولد ثلاثة أقطاب هي: 1- روسيا، 2- الولايات المتحدة، 3- أوروبا، وسيترافق ذلك مع نهاية فترة العقوبات , المفروضة على ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وقد رصدت ألمانيا مبلغ 100 مليار يورو للتسلح، مما يجعل ألمانيا دولة قوية عسكرياً كما هي اقتصادياً، وبالتعاون مع فرنسا سيكون لهما المكانة الرفيعة مع أوروبا الموحدة المستقلة عن الولايات المتحدة، ولن تقبلا استمرار الهيمنة الأميركية على أوروبا كما هو الوضع السائد حالياً.
الولايات المتحدة تعمل على استمرارية الوضع السياسي السائد، ولهذا تعمل على إدامة الحرب في أوكرانيا بهدف استنزاف روسيا للحيلولة دون تحقيق تطلعاتها وأهدافها.
بينما سياسة أوروبا في أوكرانيا سياسة متوازنة حيث لا تسعى للتورط في الصدام مع روسيا، وتعمل من أجل الوصول إلى وقف إطلاق النار، وإلى حلول وسطية واقعية للصراع الروسي الأوكراني غير المتكافئ.
سياسة الولايات المتحدة منذ بداية عهد بايدن 2021، عملت على تقليص وجودها في العالم العربي، واتجهت نحو أولوياتها في شرق وجنوب ووسط آسيا، لأن مصالح الولايات المتحدة الأربعة في العالم العربي ليست متضررة وهي: 1- النفط حيث لم يعد السلعة الأهم للمصالح الأميركية، 2- المستعمرة الإسرائيلية لا تهديد لها ولا خوف عليها بعد تدمير سوريا والعراق والانقسام الفلسطيني، 3- ليس العالم العربي سوقاً مغرية للسلع والبضائع الأميركية كما هي بلدان شرق وجنوب ووسط آسيا، 4- لا قلق لدى الأميركيين في سحب ثروات بعض البلدان من البنوك الأميركية.
كان ذلك قبل الاجتياح الروسي إلى أوكرانيا، حيث شكل ذلك اولوية جديدة للأميركيين وهذا سبب زيارة الرئيس بايدن للمنطقة والقمم الثلاث التي تنتظره: 1- قمة أميركية سعودية، 2- قمة أميركية خليجية، 3- قمة أميركية خليجية بمشاركة الأردن والعراق ومصر.
علاقات التفاهم الأردني مع الولايات المتحدة تقوم على ثلاثة عناوين: 1- مقاومة الإرهاب، 2- الحفاظ على معاهدة السلام، 3- التصدي للنفوذ الإيراني.
ولهذا نجد أن الأردن يتمتع بهامش مستقل من التحرك السياسي، حتى ولو اختلف مع بعض سياسات واشنطن التي تتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية، وقد برز ذلك بوضوح بالغ في عهد ترامب، حينما أعلن اعترافه يوم 6/ 12/ 2017 أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، وفي 28/ 1/ 2020 حينما أعلن صفقة القرن مع نتنياهو لتسوية القضية الفلسطينية، في الحالتين شكل الأردن رأس حربة سياسية في دعم الموقف الفلسطيني، وفي رفض الموقف الأميركي.
ومع ذلك، ورغم هذا الموقف الأردني المعلن وقع وزير الخارجية الأميركي مع الوزير أيمن الصفدي مذكرة تفاهم في شهر شباط 2018 كانت مدتها سابقاً ثلاث سنوات، فتحولت إلى خمس سنوات، وكان الدعم المالي الاميركي مليارا و80 مليون دولار سنويا، ارتفع إلى مليار وربع المليار دولار، مما يدلل على أن الأردن ليس ضعيفاً في التمسك بمصالحه الوطنية، وفي رفض كل ما يمس هذه المصالح.
وحول سؤال ما العمل؟ أقول أن الأردن لديه سياسة تكاد تكون معلنة تفصيلياً حول العناوين والتحديات الاقليمية والقضايا الشائكة التي تواجهنا، وفي رسم سياسة إقليمية تعكس رؤيته وتحفظ مكانته وتقوم على ما يلي:
1- فلسطينياً: دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، ودعم نضاله لاستعادة حقوقه في وطنه فلسطين، باعتبارها وطنه الذي لا وطن له غيره، كما هو الأردن للأردنيين، وسوريا للسوريين، ومصر للمصريين.
2- العمل من أجل عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، مع الحفاظ على وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها.
3- قيام محور عربي سياسياً واقتصادياً من الأردن والعراق ومصر.
4- دعم بلدان الخليج في مواجهة السياسات الإيرانية التي تمس أمنهم واستقرارهم.
ضمن هذه العناوين يتحرك الأردن، بعد أن حافظ على أمنه واستقراره طوال أزمة الربيع العربي، وحمى أمنه من محاولات التسلل أو من محاولات الخلايا الكامنة للمس بأمننا الوطني.
كما رفضنا التدخل خارج حدودنا، مثلما رفضنا المساس بتدخل الآخرين بوضعنا الداخلي.
نتطلع إلى خطوات جدية عملية لتطبيق نتائج لجان العمل الملكية والوطنية التي تشكلت خلال الأشهر القليلة الماضية: السياسية، الاقتصادية والإدارية، ونتطلع بعد أن تم إقرار قانوني الانتخابات والأحزاب إلى عهد جديد يوفر لشعبنا الخطوات والعناوين المطلوبة لمواجهة تحديات المئوية الثانية لبلدنا، وكما نجحنا من تخطي أزمات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، من خلال المصالحة الوطنية مع قوى المعارضة انذاك، وتشكيل لجنة الميثاق الوطني، نستطيع اليوم ومستقبلا اعتمادا على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية عبر الانتخابات والاحزاب والنقابات والبلديات تجاوز التحديات والوصول إلى شط الأمان الوطني.
جميل النمري:
كنت في الفترة الأخيرة مشدود جداً للوضع الداخلي ومتابعا بشكل قليل للوضع العالمي والإقليمي، فمساهمتي متواضعة، لذلك أريد أن أضع الصورة الإجمالية والمشهد الإجمالي كما أراه، أعتقد الآن نحن في مرحلة سيولة للموقف ولتموضع جميع الأطراف وللملفات بفعل الحرب الأوكرانية.
قبل الحرب الأوكرانية المرحلة كانت مرحلة إعادة ترتيب الطاولة التي قلبها ترامب، والتي انقلبت على كل التقاليد السياسية وأسلوب التعامل في المنطقة، الذهاب إلى صفقات ضد التاريخ وضد المنطق، مرحلة الترتيب هذه بدأت تسير، إنهاء الخلاف أو الانقسام، البحث عن حل للحرب اليمنية، على مستوى الشرق العربي مشروع الشام وهو الأردن والعراق ومصر ومقبلة لسوريا في هذا السياق يمكن أن يكون لهذا المشروع عامل مساعد في استيعاب سوريا وربما تقليل النفوذ الإيراني والحلول الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى حل سياسي، والنقطة الأهم هي العودة إلى الاتفاق النووي، لأنهم يسيرون بخطى معقولة في الحل، هذا كله توقف مع الحرب وعادت المواجهة الكبرى شرق غرب، وكل المواقف والسياسات أصبحت في خدمة هذا الأمر بما في ذلك توقف موضوع الاتفاق النووي، وبالنسبة لمشروع الشام الكبير كما اطلق عليه الكاظمي والذي ترجم في هذه الاتفاقات الاقتصادية، تتعثر بشدة وسبب رئيسي عودة إيران بقوة للتأثير على العراق، وبالنهاية أصبحت الرؤية ضبابية قليلاً وانتقالية، بحيث أنه لا تستطيع أن تفعل شيئاً حقيقياً أو استراتيجياً أو تستقر التوجهات على أرض معينة إلا بعد اتضاح نتائج الحرب في أوكرانيا وهي التي ستؤثر على كل المشهد الدولي، ومثلما قال الأستاذ حمادة والآخرين اللعبة كبيرة، كيف سيستقر الوضع، أنا متأكد أن الولايات المتحدة لن تنجح في إعادة فرض العالم القديم، تحجيم روسيا وبقاء أوروبا تحت مظلة الولايات المتحدة ولجم الصين وتحجيمها، ولذلك هناك عالم جديد سوف يتشكل من الصعب التنبؤ به، ولكن سيكون له ارتدادات، دور الولايات المتحدة الدولي، علاقتها مع الدول..الخ، ولذلك أقول من المبكر الخروج بأي استنتاجات أو افتراض توجهات وسياسات معينة في المرحلة الراهنة.
أعود أردنياً ماذا يعني ذلك بالنسبة لنا، بالتأكيد بالنسبة للناتو العربي أعتقد أنه طابق ليس حقيقيا، بالون اختبار، تصورات تطرح، ولكن لا يوجد أساس حقيقي لنشوء مثل هذا التحالف العسكري، وإذا كانت إسرائيل ستكون خارجه معنى ذلك نعود إلى معاهدة دفاع عربي مشترك، لكن من المستحيل أن تفكر أميركا بمشروع مثل هذا ولا تكون إسرائيل جزء منه. ولذلك هذا الموضوع أعتقد أنه (ملاطشة) إعلامية لن تفضي إلى شيء.
الموقف الأردني كما كان دائماً لا يكون منحازاً ولا يتخندق عند أحد الأطراف، ولكننا ننجح في الخروج من مطلب التخندق واستعادة العلاقات دون أن نقدم ثمناً سياسياً، لأن الثمن السياسي لم يعد مطلوباً، ولذلك إذا استطعنا أن نحصل من السعودية على دعم متجدد، وإذا استطعنا أن ندفع لاتفاقات مع العراق في موضوع أنبوب النفط وسكة الحديد وهكذا، ولكن في الشأن الفلسطيني أعتقد أن هذا الوضع الفلسطيني المستمر لم يعد يخدم أبداً الفلسطينيين ويمكّن الإسرائيليين من اللعب في الساحة، ولنترك قصة حصول انتفاضة قصيرة في مواجهة موضوع المقدسات..الخ، فهذه تلهية من الإسرائيليين ومعاناة من الفلسطينيين، لكن مشروع واضح عند الفلسطينيين لاستعادة دورهم في الساحة، وفلسطين الآن منحية تماماً كما تحدث الجميع في المداخلات، وبيد السلطة أن تعاد إلى المركز، هذا يفتح لما يتحدث به الأستاذ حمادة فراعنة بأن تصبح الدولة الفلسطينية المحتملة الفعلية هي غزة، لا تعود الضفة الغربية أساساً أكثر من غزة إلى قلب المشهد إلا بإعادة انتاج السلطة الفلسطينية.
الأستاذ سميح قام بعمل مداخلة متشائمة جداً واعتبر أن ما يجري الآن، المشروع الجديد تقريباً طي النسيان ولم ينتج عنه شيء، أنا مختلف تماماً معه، أعتقد أن الأردن لأول مرة منذ عهد الملك عبدالله الأول شهد العديد من المشاريع الإصلاحية، وإذا كان هناك قليل من الركود لأن التشريعات أقرت، نحن نتحدث عن تشريعات، قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، سيكون لها تأثير مباشر على الساحة السياسية، وسيظهر هذا الأثر عندما نقترب من موعد الانتخابات.
الآن القوى السياسية والحزبية في مرحلة الاستقطاب والكل يعمل، بانتظار الانتخابات القادمة، والتي ليس فقط أثرها أن نصل في نهاية المطاف إلى تحزيب كامل للساحة السياسية، هذا المشروع تشريعياً ينص على ذلك، نقول في أول مرة 30 بالمائة من المقاعد، بعد ذلك لا يقل عن 50 بالمائة وما إلى ذلك، والفكرة في الأساس على ثلاث محطات نصل إلى تحزيب كامل الساحة السياسية، هذا أمر حقيقي.
خاتمة :
– هناك عالم جديد يتشكل في اعقاب الحرب في اوكرانيا.. وهناك تحالفات عالمية تعيد حسابات اولوياتها ومصالحها.
– زيارة الرئيس بايدن المرتقبة للمنطقة ولقاء جدة (دول مجلس التعاون الخليجي + الاردن ومصر والعراق ) يتوقع ان يبحث المصالح الامريكية اولا المتعلقة بالنفط والغاز..والمأمل أن يشكل فرصة لبحث مصالح دول المنطقة.
– اية تحالفات في الاقليم تتعارض والقضية الفلسطينية مرفوضة اردنيا.
– ستبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية والاساس بالنسبة للاردن.
– لا بد من التركيز على الشأن الداخلي الأردني والاصلاحات لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
– المصالح الأردنية هي الأساس في العلاقات مع التحالفات ومع دول الاقليم والعالم.