صراحة نيوز – اعتقد المحللون أن مشكلة نقص أشباه الموصلات التي ضربت الاقتصاد العالمي في الشتاء الماضي، هي مجرد سحابة عابرة ستنتهي خلال النصف الثاني من العام. في المقابل، لم تسرِ الأمور على هذا النحو، بل بات النقص في هذا المنتج أكثر حدة.
وقال ديميتري ميغونوف -في تقرير نشرته صحيفة “إيزفيستيا” الروسية- إن الموجات الجديدة من الفيروس المتحور أضعفت الاقتصاد في أغلب دول العالم، وقد كان قطاع تصنيع السيارات الأكثر تضررا من هذا الوضع، حيث إن كبرى شركات تصنيع السيارات اتخذت قرارات تراوحت بين غلق المصانع وتمديد الإجازات الصيفية للموظفين ومزيد من خفض الإنتاج، في وقت يبدو فيه المستقبل ضبابيا للغاية.
أما “فورد” (ford) فقد أغلقت مصنعها في مدينة كولونيا الألمانية لمدة أسبوع، وفي مصانعها في الأراضي الأميركية تم تعليق إنتاج سيارات النقل الخفيفة من طراز “إف-150” (F-150). كما أن شركة “أودي”(Audi) قررت تمديد إجازات موظفيها في ألمانيا، وعلى منوالها نسجت “فولكسفاغن” (Volkswagen) في مصنعها في مدينة فولسبورغ.
يحدث كل هذا في فترة لم يعد فيها الاقتصاد العالمي يشهد انكماشا كبيرا، بل على العكس من ذلك يشهد تعافيا سريعا مع تنامي الطلب على السلع والتمويلات، وهكذا فإن كثيرين الآن يرغبون في شراء سيارة، ولكن المشكلة تتمثل في نقص المعروض بسبب ندرة أشباه الموصلات.
وتزداد المشكلة سوءا بمرور الوقت، ففي أغسطس/آب شهدت ماليزيا اندلاع موجة جديدة من الوباء. ولا يعد هذا البلد الواقع في شرق آسيا مصنعا رئيسيا للشرائح الإلكترونية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، ولكنه بات يمثل مركزا رئيسيا لاختبار وتعليب أشباه الموصلات.
وتبذل الحكومة الماليزية كل ما في وسعها للتعامل مع هذه الأزمة، حيث إنها سمحت باستخدام 60% من العمال في نفس الوقت، ثم رفعت هذه النسبة إلى 80% في حال كان العمال قد حصلوا على اللقاح، ولكن حتى الآن لا تتجاوز نسبة الماليزيين المحصنين ضد فيروس كورونا 57%، وبالتالي فإن تعطيل نسق العمل أمر لا مفرّ منه.
كما أن بعض الشركات الماليزية أغلقت أبوابها لأسابيع لفسح المجال أمام عمليات التعقيم، خاصة شركتي “إس تي ميكرو” و”إنفيون”، اللتين تزودان قطاع تصنيع السيارات بالشرائح الإلكترونية.
وبشكل عام، بلغت فترة الانتظار بين تاريخ تقديم طلب التزود بالشرائح وتاريخ الحصول عليها 20 أسبوعا، كما شهدت فترة الانتظار زيادة 8 أيام خلال الشهر الماضي، وسط توقعات بتواصل هذا التأخير حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام على أقل تقدير.
وعادة ما تتأثر هذه المصانع بنقص تزويد أشباه الموصلات أكثر من غيرها من القطاعات، لأن شركات تصنيع الحواسيب تتمتع بمعاملة تفضيلية من طرف المزودين، لكونها تمثل أهم زبون ويتم منحها الأولوية، وهي في المقابل تدفع مبالغ أكثر من غيرها. وقد نجحت هذه الشركات مع بداية الأزمة في وضع توقعات دقيقة حول نمو مبيعات الحواسيب والهواتف الذكية والراوتر وأجهزة الألعاب الإلكترونية، وكرّست جهدها ومواردها للاستجابة لهذا الطلب بشكل مبكر.
في المقابل، لم يتوقع أحد أن يتعافى قطاع السيارات بشكل سريع من أزمة فيروس كورونا، وكانت التكهنات تشير إلى أن سوق السيارات سيعاني من الكساد ونقص الطلب لوقت طويل، ولهذا حتى أكبر شركات تصنيع السيارات تعاني الآن من نقص أشباه الموصلات.
وحتى حين حاولت بعض الشركات المسارعة لشراء أشباه الموصلات وتخزينها، أدى هذا لتعميق الأزمة في السوق وتفاقم شح المعروض. وقد لجأت بعض الشركات للتركيز على تصنيع السيارات الفخمة والغالية الثمن، لتعويض المصاريف الإضافية التي باتت تتكبدها.
هذا النقص في أشباه الموصلات يضرب بشكل خاص قطاع السيارات الكهربائية، التي تحتاج في تصنيعها إلى عدد أكبر من هذه القطع الإلكترونية، ونفس المشكلة تواجهها مخططات إقامة بنى تحتية مناسبة للسيارات الكهربائية، مثل توفير محطات شحن البطاريات.
ولا تقتصر قائمة الصناعات المتضررة من أزمة أشباه الموصلات فقط على تصنيع السيارات. فعلى سبيل المثال واجهت روسيا مؤخرا أزمة هددت بتعطيل استخراج البطاقات البنكية، كما أن إنتاج بعض الأجهزة مثل الهواتف الذكية سيشهد تأخيرا في تسليم العديد من الطلبيات.
وبشكل عام، تشير تحليلات مؤسسة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) إلى أن هذه المشكلة أثرت تقريبا على 169 قطاعا اقتصاديا حول العالم، من بينها قطاعات غير متوقعة، مثل الحاويات المعدنية والمضخات والصناعات الكيميائية وتجارة الجملة.
وتخشى بعض الشركات من أن هذا النقص في أشباه الموصلات وما ينتج عنه من اضطراب نسق الإنتاج قد يتواصل إلى سنتين إضافيتين، والحل الوحيد الذي قد يؤدي لتعديل السوق ليس زيادة إنتاج أشباه الموصلات، بل هو نقص إقبال المستهلكين على المنتجات التي سترتفع أسعارها بسبب احتوائها على أشباه الموصلات.