ما يجري في بلادنا، هل هو صدفة أم أنه فعل فاعل؟ قبل الإجابة، أشير لظاهرتين لا يختلف عليهما أي أردني: الأولى ما شهدناه خلال السنوات الماضية من تراجعات في مختلف المجالات، يكفي أن ندقق بما وصل من تقارير عن مؤشراتنا في التعليم والصحة والحريات والاقتصاد، ناهيك عن السياسة، لنكتشف تواضع أدائنا العام، يقابل ذلك حالة من “البلادة” الرسمية، فالمسؤولون ما يزالون في دائرة الإنكار، وإذا ما تجرأ أحدهم على الاعتراف فسرعان ما يجد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء.
أما الظاهرة الثانية فهي ما شاهدناه على صعيد المجتمع من تراجعات في منظومة القيم والأخلاق، وانهيار للمعنويات، وإصرار على تكسير كل ما يتعلق بحركة الدولة وإنجازاتها، وحتى تاريخها أيضا، ثم التمترس خلف فكرة “الفساد” باعتباره الشبح الذي سمم حياة الأردنيين، وأجهز على مستقبلهم، وبالتالي تحميله مسؤولية ما وصلوا إليه من فشل وكسل وكراهية ويأس، دون أن يسألوا أنفسهم عن واجباتهم التي قعدوا عنها، ودورهم الذي قاموا به، أو تنازلوا عنه.
بموازاة الظاهرتين: ظاهرة البلادة الرسمية، والاحتضار أو الاحتقان الاجتماعي، ثمة ظاهرة يتولاها الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي برعاية رسمية وشعبية، عنوانها “التحشيد والتثبيط”؛ حيث يمارس على الأردنيين كل يوم عملية منظمة من التعبئة النفسية السلبية، والتهييج والتشكيك والتخويف والترويع، يحدث ذلك في برامج صباحية على الإذاعات وعلى منصات التواصل، يسهم فيها مسؤولون لا يجيدون التعامل مع الجمهور، ومواطنون غاضبون من سوء الخدمات، وإعلاميون يبحثون عن الشهرة والشعبية.
لاحظ، هنا، مسألتين: الأولى الاشتغال باستدامة وتعميم الظاهرتين الأولى والثانية من خلال “التعبئة” الإعلامية اليومية، والثانية غياب مؤسسات الدولة الإعلامية عن طرح البديل، أو إنتاج خطاب دولة يعكس إنجازاتها، ويتوجه للمجتمع ليقنعه بعكس المطروح، الأخطر من ذلك أن الخطاب الرسمي يتعمد أحيانا استفزاز الناس أو الاستهانة بهم، ويتوحد مع الخطاب الشعبي بتكريس حالة السواد العام.
لاحظ، أيضا، أنه مع غياب قنوات التصريف السياسي، من حريات معتبرة ومتوازنة، ومشاريع إنتاجية تملأ فراغ الشباب، وحالة اجتماعية تتمتع بالعافية الوطنية، فإن هذا “الزخّ” الإعلامي المتراكم سيولد طاقة كبيرة لدى الناس، وحين لا يجدون أبوابا مشروعة لتصريفها فإنها تخرج على أشكال متعددة، منها العنف بأنواعه، ومحاولة الانتقام من كل شيء، والتنفيس عن القهر والإحساس بالظلم، وتبادل الردح والصراخ، وغيره مما نراه على سطوح وسائل التواصل من تبريرات للخراب واليأس والغضب العام.
هذه الظواهر المتداخلة تختصر مشهدنا العام، ولا يمكن تصنيفها بخانة الصدفة أو القدر المكتوب، الفاعلون فيها معظمهم حاضرون أمامنا، ويمارسون دورهم ببراءة أحيانا وبخبث أحيانا أخرى، وهم بالمناسبة منا وفينا، بصرف النظر عمن يقف وراءهم ويحركهم، بمعنى آخر، هذا ما فعلناه بأنفسنا ولا يجوز أن نعلقه على أي مشجب آخر مهما كان، وبدل أن ننشغل بالبحث عن فاعل آخر، لا بد أن نتوقف لنطرح سؤالا واحدا، وهو: من يملك مفتاح التغيير؟ الدولة بمؤسساتها أم المجتمع أم الاثنان معا؟
الإجابة معروفة، الاثنان معا، أما كيف؟ فثمة ثلاثة عناوين يمكن أن نذهب إليها على الفور، وهي: المصالحة والمصارحة والمحاسبة، نصارح أنفسنا بأخطائنا وإخفاقاتنا، ونتصالح مع بعضنا بعضا ونتوافق على مشتركات تجمعنا للخروج من أزماتنا، ثم نحاسب من تسبب فيها، ومن يقف في طريقنا ويعيقنا عن الوصول لما نريده من حاضر أفضل، ومستقبل أجمل.
استقيموا يرحمكم الله.