صراحة نيوز – دعا رئيس مجلس استثمار أموال الضمان الاجتماعي الدكتور مروان عوض إلى إيجاد البيئة المناسبة لتنمية وتشجيع المبادرات الفردية والتفكير الإبداعي ومهارات إيجاد الحلول لدى الشباب، وتشجيعهم على الدخول في مجال الأعمال.
وأشار في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الثلاثاء الذي ترأسه وشارك فيه الأمين العام للمنتدى د. محمد أبو حمور، إلى أن تصاعد نسب البطالة إلى أرقام غير مسبوقة عربياً بلغت 17,9% ونمو القوة العاملة لفئة الشباب بنسبة 3% تفرض ضرورة الاهتمام بهذه الفئة من خلال تحسين بيئة الأعمال والاستثمار، التي تكفل للقطاع الخاص مساهمته في التوظيف وحل مشكلة البطالة بالشكل المطلوب.
وبين أن خطورة البطالة تكمن في أنها تدرجت بمعدلات مرتفعة ومتسارعة خلال أكثر من 15 عاماً مضت، وتراوحت نسبتها ما بين 16-17%، بحيث أصبحت مزمنة وهيكلية؛ لأنها تأتي نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تحدث بين الحين والآخر.
كما أنها غير عادلة التوزيع بين المحافظات والمناطق الريفية والحضرية، ولأنها آتية في الدرجة الأولى من التوسّع في التوظيف لدى القطاع العام، ومتحيزة لغير صالح الشباب والفتيات منهم بالتحديد، وهنا تكمن عمق المشكلة.
وفي الأردن استمرت بمعدلاتها المرتفعة ما بين 12-15%، وفي بعض المحافظات 18%، وعند الإناث 40%، في حين أن النمو الاقتصادي قد لا يتجاوز 2%، في الوقت الذي تحتاج مواجهة البطالة إلى نمو اقتصادي بمعدل 4-5%.
وأوضح عوض أن بطالة الشباب تزيد عن ضعف النسبة العامة لمتوسط البطالة، والأخطر أن نمو القوة العاملة لهذه الفئة تزيد بنسبة 3% سنويًا، وهذا من أعلى معدلات نمو القوة العاملة على مستوى العالم، وأن الأهمية القصوى يجب أن توجه إلى هذه الفئة بعد أن أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً وأهمية أكبر للشباب أكثر مما اعتدنا عليه سابقًا، فأصبحوا أكثر استقلالية وأصبحت لهم آرائهم الخاصة، وبالتالي أصبح لهم قوة تأثيرية من خلال تواصلهم مع بعضهم البعض، وظهر ذلك في العديد من الدول التي زادت فيها بطالتهم واحتقانهم وإحباطاتهم.
وقال عوض: إن عُمق المشكلة يظهر في الحلقة المفرغة التي ندور فيها، فبعد الاعتماد على النماذج الاقتصادية القائمة على التراكم الرأسمالي من خلال سيطرة بعض الأنشطة كثيفة رأس المال على الجزء الأكبر من القيمة المضافة؛ كالصناعات الاستخراجية والحديد والإسمنت وما شابه، بدأت البطالة بالظهور وبالغ القطاع العام في توفير فرص العمل حتى وصلت النسبة إلى 40%، وهي أعلى نسبة عربياً ومن أعلى النسب عالمياً، حيث ساهم هذا التوظيف العالي في تزايد مستويات العجز في الموازنة العامة بسبب النفقات العالية، كما ساهم ذلك في البيروقراطية وإعاقات العمل العالية، وضعف الإنتاجية التي أصبحت ضمن أدنى المستويات العالمية.
وبسبب العجوزات الكبيرة تم اللجوء للاقتراض على الوسائل التي تزيد من الضرائب والرسوم والتشريعات الموجهة بهذا الاتجاه، وأصبح من الصعب مع ذلك تحسين بيئة الأعمال والاستثمار التي تكفل للقطاع الخاص مساهمته في التوظيف، وحل مشكلة البطالة بالشكل المطلوب. وإذا ما أضيف إلى ذلك الفجوة بين متطلبات سوق العمل والمستوى التعليمي للخريجين، وكذلك عدم كفاية التدابير المتخذة لتأهيل القوة العاملة، فإن عمق المشكلة يصبح واضحًا.
وقال عوض إن هذه المعطيات تبرز أهمية إيجاد البيئة المناسبة لتشجيع الشباب على الدخول إلى مجال الأعمال من خلال إكسابهم المهارات اللازمة، ومساعدتهم في الوصول للخدمات المالية والمصرفية، والوصول للإسواق، والتمويل الرأسمالي لمشاريعهم متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، علمًا بأن نسبة الشباب من عمر 15-34 سنة الذين لديهم حسابات بنكية لا تتعدى 25%، ونسبة الشباب الذين يحصــلون على قروض مصـــــرفية لا تتــــعدى 7-10%، وقد بقيت هذه النسب ضعيفة مقارنة مع المستويات العالمية، على الرغم من كل الجهود المبذولة سواء فيما يتعق بإدخال الثقافة المالية والمصرفية في المناهج التعليمية، أو في إطار المسؤولية المجتمعية تجاه هؤلاء الشباب في تأهيل وتدريب وصولهم للتمويل بشكل خاص وللخدمات المالية والمصرفية بشكل عام؛ مشيراً إلى أن تجربة المغرب تعتبر الأنجح عربيًا في هذا المجال.
ابو حمور
وكان ابو حمور قد أشار في بداية اللقاء إلى أن مشكلة البطالة لها جذور وأبعاد مرتبطة بالتحولات الاقتصادية، وبالتأثير السياسي، والتغيّر الاجتماعي، وبالثقافات المجتمعية، ونوعية التفكير الإداري. وكما أن هناك إدارة وفرة وإدارة ندرة، فهناك تفكير مؤثر ينطلق من الإيمان بتوفير الفرص للجميع وتعميم الخير والعدالة ومحاربة الأنانية والفساد والمحسوبية، وبالمقابل هناك تفكير آخر يأخذ المسألة على أنها صراع وتنافس، وكاسب وخاسر، ولا ينظر إلى الأمور إلا من زاوية ضيقة وبنظرة إلى أن الفرص محدودة ولا مجال للجميع فيها أو السعي إلى تثمير هذه الفرص.
و دعا أبوحمور إصلاح التعليم، والتركيز على التدريب على مختلف مهارات الإبداع والابتكار وحل المشكلات، في مختلف مراحل الدراسة المهنية والتكنولوجية والمدرسية والجامعية، والربط بين التطوير التكنولوجي؛ والاستثمار والشراكات بين رؤوس الأموال العربية؛ والبحث العلمي، للنهوض باقتصادات صناعية قادرة على المنافسة في السوق العالمي، وإيجاد سياسات وطنية لترسيخ ثقافة الريادية، ودعم وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب، وتنميتها لتتحول إلى مشاريع كبيرة تولِّد فرص العمل والرؤى الابتكارية في الاقتصاد والمجتمع، وبالتالي إيجاد المجتمع الريادي القادر على حماية نفسه بقدراته وموارده الذاتية.