صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
تقول إحدى الأمهات: غالباً ما يأتيني إبني لينغص علي حياتي خلال وقت إنشغالي بعملي، يطلب هذا ويريد ذاك وهو يعلم أنني مشغولة ولا أستطيع تلبية طلباته، لكنه يصر عليها وبإصراره هذا يغلي الدم في عروقي، أحاول كثيرا أن أخفي هذا الغليان و أقول له يا حبيبى ”بعدين سأحضرها لك”، لكنه يصر على أن أترك كل ما بيدي و أحضر له ما يريده فوراً، لذلك عندما أشعر أنه لا يبالي بكلامي أصرخ فيه وأنعته بكلمات مثل: ”فاشل وغبي”، وتتابع: لم أدرك مدى خطورة هذه الكلمات إلا بعد أن التحق بالمدرسة، وتحديداً عندما شعرت أن مستواه التحصيلى يتدنى شيئاً فشيئاً، فعندما كان في مرحلة ” الثاني إبتدائي” أكدت لي المعلمة أن إبني لا يجيب على أي سؤال يوجه إليه، وعند سؤاله عن السبب قال أنني أقول له “غبي وفاشل” فاقتنع بالفعل أنه غبي وفاشل !
وبحرقة شديدة تكمل الأم حديثها: لم أشعر أن هذه الألفاظ قد تهدم ثقة إبني بنفسه، ويصبح في متاهة تقييم الذات وإنتقاصها، لم أكن أتوقع أنها ستترك آثارا نفسية يؤدى تراكمها إلى زعزعة الاستقرار النفسي لديه، لذلك وبعد علمي بمدى تأثيرها فيه أخذت على نفسي عهداً ألا أتفوه بها مهما كان السبب، وبدأت أستخدم معه الكلمات التي لها أثر إيجابي على نفسيته، وأمتدحه أمام رفاقه والأهل وأتحدث عن ذكائه وكم هو محبوب من الجميع ليفتخر بنفسه ولا يشعر بعقدة النقص أبداً·
أما أحد الآباء فيقول: قد تصل المشاجرات بيني وبين زوجتي إلى حد أتلفظ فيه بألفاظ بذيئة وجارحة، ولم أكن أدرك مدى خطورة هذه العبارات والكلمات التي تترسخ في ذهن أبنائي، حتى سمعت من زوجتي في أحد الأيام أنها وبمجرد أن تغضب من أحد أطفالي يشتمها ويقول لها ”يا ·····”، مستخدماً نفس الكلمات البذيئة التي أستخدمها بحقها عندما أغضب منها، ويضيف: هذه الحادثة أشعرتني بمدى حماقتي وأنه يجب أن أضبط إنفعالاتي وتصرفاتي مهما كلفني الأمر، وأن أمتنع تماماً عن التفوه بكلمات نابية أمام الأطفال لأنهم أكثر من يتأثر بما يسمعونه ويلمسونه، ولأنهم يرون أن الأب والأم هم القدوة الأولى لهم التي يتعلمون منها كل شئ.
والحقيقة أننا ونحن نتمعن في مثل هذه القصص التي تعكس واقع يومي في مجتمعاتنا للأسف، قفزت لأذهاننا حقيقة أن مثل هذه التصرفات والألفاظ الغير مسؤولة من بعض الآباء والأمهات لن تكون سبباً في فشل الأولاد وتدمير ثقتهم بأنفسهم فقط، بل وأنها ستكون التربة الخصبة لافساح الطريق في عقولهم لقبول الأفكار المتطرفة سواء تلك التي تدعو لنشر الارهاب والقتل والذبح أو التي تدعو للانحلال والاباحية وإنعدام الأخلاق لزراعتها في عقول شباب إنعدمت ثقتهم بأنفسهم ومجتمعهم.
لذلك كان لزاماً على كل من أكرمه الله بالذرية ووضعها أمانة بين يديه إن كان يحرص بالفعل على حمايتها وحفظها من الشرور المبادرة لاصلاح أي خلل في تعامله معها منذ لحظاتها الأولى في هذه الدنيا، فلنتخير لهم أجمل الكلمات وأطيبها ليكبروا عليها تماماً كما نحرص على إختيار أجمل اللباس والطعام والمقتنيات لهم دائماً، لعلنا ننجح باذن الله في تقليل الشوائب التي يمكن أن تعلق بصفحاتهم البيضاء ونسمح لذاكرتهم أن تذكرنا بكلمات جميلة تعلموها منا يوماً وساعدتهم على أن يكونوا أدوات خير ومحبة وصلاح في مجتمعاتهم.