صراحة نيوز – بقلم : عوض ضيف الله الملاحمه
المُتابع ، والعَارف ، بخصوصية الشعب الأردني ، يُلاحظ ظاهرة عامة ، تكاد تطغى على سلوك غالبية الشعب الأردني ، حتى من يُعتَبرون من عِلّية القوم ، والمُثقفين ، والمُتعلمين ، هذه الظاهرة السلبية جداً تتمثل بعدم مراعاة آداب الحديث والحوار ،
حيث ينتشر أسلوب مقاطعة المتحدث ، او الاستهزاء بحديثة ، بإدعاء ، واعتقاد ، إحتكار المعرفة والحقيقة ، وصِحة الحديث .كما ينتشر على الساحة الاردنية ، حتى بين من يَعتقِدون ويُصنِفون أنفسهم من النُخب المجتمعية ، مصطلحات وتعابير خاصة لهذا السلوك السلبي ، نذكر منها على سبيل التدليل فقط : [[ بَسْ إسْكُتْ ، شو بِدَرّيك ، شو بِعرفَك ، والله ما إنت عَارِف شي، والله ما إنت فَاهم ، يااااسلااام ، او عَفيه ، او صدقت ( بصيغة الإستهزاء ) ، يا ريتك ما حكيت .. الخ ]] وغيرها من المصطلحات التي تعرفونها وأترفع عن ذكرها ، هذه العبارات المقيتة الممجوجة المتخلفه ، التي لا تراعي إحترام الآخر ، ولا تراعي آداب الحديث والحوار ، لانها تعكس وتبين مدى عدم تَحضُّرْ المجتمع ، بنخبه ، ومثقفيه ، ومتعلميه ، وعامته .
نحن شعب طبيعته جافة ، جَلِفَة أحياناً ، لا نأبه ، ولا نعطي بالاً لمشاعر الغير ، واحترامهم ، وحسن الاستماع لحديثهم ، لان حُسن الإستماع فيه احترام للمتحدث والمستمع معاً ، حيث انه يعكس رقي المستمع ، ومدى تحضره ، واحترامه للرأي الآخر حتى لو خالفه . من يدعى معرفتة او امتلاكه للحقيقة منفرداً ، فقد جَهِلْ ، لأن من يعتقد انه عَلِمَ ، فقد جَهِلْ .
الإصغاء فن ، والإستماع فن ، والحديث فن ، والنقد والانتقاد فن ، والتعبير عن المعارضة فن ، وكذلك التعبير عن التأييد او الانسجام في الرأي فن ، كلها فنون راقية ، يتصف بها من يكون قد وصل الى درجة المُثقف الحقيقي . لأن الانسان المثقف المتحضر يراعي آداب الحديث ، والحوار ، والنقد، والانتقاد ( بدون تجريح او إستهزاء او إستخفاف او مقاطعة او الادعاء بامتلاك الحقيقة والمعرفة ) ،
هناك مقولة حضارية راقية عن إحترام الرأي الآخر تقول: (( هذا الرأي أُجِلُهُ .. وأُخالِفه )). إرتقي باحترام الرأي الآخر لدرجة الإجلال ، لترتقي انت أمام نفسِك ، وفي عيون الآخرين ، لأن من آداب الحوار : حُسن المقصد ، التواضع ، الإصغاء ، الإنصاف ، إحترام الآخر ، الإلتزام بالألفاظ الحسنة والمناسبة ، والإبتعاد عن الألفاظ السيئة والبذيئة ، ان يكون للحوار هدف ، عدم فرض رأي معين ، الإتصاف بالمرونة والإعتدال ، والبعد عن التشدد والتعصب للفكرة ….. الخ . ولابد ان نعرف ان هناك فرق كبير بين الحوار والجدل : لأن الجدل يهدف الى إسكات الخصم ، ويكون النقاش لمجرد النقاش ، لذلك يمكن ان ينتج عنه خصومة . لذا على الانسان ان يتمتع بالمرونة ، وإستقبال الرأي الآخر ، لان الاختلاف في الرأي طبيعي ولا يفسد للود قضية ، كما ان الاستماع لآراء الغير يُثري معرفة الانسان بسبب تنوع مصادرها .
من أعطى الأنسان الذي لا يراعي آداب الحديث والحوار الحق بصحة وصواب كلامه ، إلاّ الجهل ، والإنغلاق ، والإعتقاد الخاطيء بإمتلاك لا بل بإحتكار المعرفة والحقيقة ، كل هذه الصفات السلبية لا يمكن ان تكون من صفات المثقف الحقيقي ، طبيعي التفكير ، سليم الإعتقاد ، صحيح الذهنية ، بالتأكيد من يَسْلُك هكذا سلوك ، لا يمكن ان يكون مثقفاً حقيقياً متبحراً بالمعرفة ، تراه يمتلك بعض المعلومات المتناثرة يَجْتَرُّها ليقذِف بها في وجه من يحاوره .
المثقف الحقيقي ، هو من لديه القدرة على التحليل ، والربط ، والقياس ، ومعالجة المعلومات المكتسبة ، ليعرف مدى صحتها ودقتها وصلاحيتها ، ويصيغها بقالبه الشخصي ، بعد ان يُعمِلها فكراً ، وتَمْحِيصاً ، ويفرِز الغَثَّ ، ليلفظه ، ويحتفظ بالسَمين ، ويرتقي به . من ليس لديه القدرة على تحليل المعلومات ، ليس مثقفاً ، هو مجرد مُتلقٍ ، يحفظ ويحشو بعض المعلومات المكتسبة لغاية ما ، ليستعرض بها ، وعادة ما ينتهي الأمر عند هذا الحد ، لان بعض الناس يَتغنّى بكلمة او رأي قاله في جلسة ما ، او بحضور شخص ما ، طول عمره ، لانه يعتبره أقصى مراميه .
لا تجهد نفسك بإدعاء إمتلاك الحقيقة حتى لا تَجْهَلْ . تجد أحياناً ان بعض الناس يحمل نقيضه في ذاته ، ويظهر من تصرفاته ، حيث إعتاد على مقاطعة الآخرين ، دون ان يعبأ بأحد ، ويَغضب عندما يُقاطعه أحد ، ما هذا التناقض !؟ فعلاً بعض الناس يحمل في داخله ضده . على الانسان ، اذا كان متحضراً ، ان يرتقي بأسلوبه ، حتى يرقى ، بعيونه ، وعيون الآخرين ، وان يراعي حقوق الآخرين ، وان يختصر ، فجودة الكلام بالإختصار .