كاتب اسرائيلي يتساءل : لماذا جاء رد السعودية بهذه الحدة على تصريحات قرداحي؟
2 نوفمبر 2021
صراحة نيوز – نقلا عن اسرائيل اليوم – بقلم إسحق ليفانون
يتصاعد التوتر بين لبنان ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، بسرعة غير مرتقبة؛ جراء تصريحات مسيئة لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، التي جاء فيها أن الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، يدافعون في واقع الأمر عن أنفسهم في وجه عدوان السعودية والإمارات.
وعلى الرغم من أنها تصريحات سجلت في “الجزيرة” قبل تعيينه وزيراً في الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة ميقاتي، إلا أنها بثت بعد تعيينه وأثارت غضباً سعودياً على ما اعتبر كنكران للجميل من جانب لبنان. وكان رد السعودية حاداً وغير متوازن، ويدل على أن أزمتها حيال لبنان أكبر بكثير من مجرد رد على تصريحات.
ترى السعودية أصل مشاكل لبنان في “حزب الله”، الذي يدمر كل جانب طيب. وفي رد مفاجئ على التصريحات، طرد السعوديون السفير اللبناني، واستدعوا سفيرهم في لبنان إلى التشاور، وأوقفوا كل استيراد من بلاد الأرز. وسارت البحرين والكويت والإمارات في أعقابها، واستدعت هي أيضاً سفراءها في لبنان للعودة إلى التشاور. هذه خطوة احتجاجية تقف عالياً في مدرج الردود الاحتجاجية في العالم الدبلوماسي. إضافة إلى ذلك، فإن وقف الاستيراد من لبنان يعدّ ضربة حقيقية ستشعر بها كل طبقات الشعب اللبناني.
لقد ضربت السعودية بلا رحمة، إذ شعرت بالخيانة من دولة دعمتها دوماً وساعدتها على إعادة البناء السياسي والاقتصادي. ولكنها شعرت أكثر من أي شيء آخر بالإهانة التي وجهها لها الوزير اللبناني. لقد أثرت الردود الحادة من جانب دول الخليج بشكل مباشر على الجماعات الطائفية في لبنان، التي ردت بغضب على أقوال الوزير قرداحي وطالبت باستقالته الفورية.
مجموعة رؤساء الوزراء السابقين (وهو جسم كله سُنة وذو تأثير سياسي لا بأس به في الساحة اللبنانية الداخلية المعارضة لحزب الله) نشرت بياناً، وبموجبه أن قرداحي مس بعلاقات لبنان مع العالم العربي، وأن عليه الرحيل. وصرح رئيس الوزراء الأسبق، سعد الحريري، بغضب ظاهر بأن لبنان يعيش في جحيم بسبب أجندة إيران و”حزب الله”. ودعا الزعيم الدرزي جنبلاط رئيس الوزراء ميقاتي لإقالة قرداحي وألا ينتظر استقالته.
يرفض قرداحي الاستقالة حالياً، فهو يعتبر أيقونة في عالم الإعلام العربي، وربما لهذا السبب يشعر أنه محصن في وجه المطالبات بتنحيته. ثمة إمكانية في أنه إذا ما نحي، ستسقط حكومة ميقاتي وستدخل بيروت بدوامة سياسية لم تخرج منها إلا لتوها.
إن القوى الكفيلة بالاقتياد نحو حل الأزمة، مثل الرئيس، ورئيس الوزراء، والمعسكر المسيحي، تحافظ حالياً على البقاء في الظل بشكل غير مفسر. فضلاً عن ذلك، ثمة إحساس برد فاتر من قبل الولايات المتحدة على غضب السعودية وتكتفي بفرض عقوبات على شخصيات لبنانية ترتبط بـ”حزب الله”.
تفهم إيران بأنه لم تقم في لبنان بعدُ قوة سياسية متماسكة وقوية بما يكفي تمكنه من إيقاف تطلعاتها الطموحة هناك. حتى لو استقال قرداحي، يبدو أن السحابة التي هي فوق رأس لبنان لن تنقشع بسرعة، لأن السعودية ودول الخليج تقاتل لتغيير راديكالي في لبنان يؤدي إلى وقف التدخل الإيراني ومنه إلى لجم “حزب الله”.
سطحياً، يبدو أن الولايات المتحدة ضائعة في المتاهة الشرق أوسطية: فبينما تقاتل ليبيا في سبيل مستقبلها تغيب أمريكا عن الصورة، أما ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية أيضاً فليس للبيت الأبيض أجندة أو خطة عمل حقيقية. وبينما تغيب سوريا عن أي حل لحربها الدائرة فما يزال التردد الأمريكي قائم ويستغله أعداؤها بنجاعة.
لبنان مهم لاستقرار المنطقة بقدر لا يقل عن ليبيا أو سوريا. وواشنطن ملزمة بأن تجمع أصدقاءها في المنطقة، وتبلور خطة عمل تنتقل لبنان إلى وضع من الحيادية بعيداً عن النزاعات الإقليمية.
وثمة أمر آخر في اتجاه غير مرتقب، يحتاج إلى جسارة سياسية لعل إسرائيل تفكر فيه: طلب ميقاتي في أزمته مساعدة دول المنطقة في حل الأزمة مع السعودية. واضح أنه وجّه أقواله للدول العربية، لكن هل يمكن لإسرائيل أن تساعد؟ فلها علاقات مع السعودية، وهي معنية بلبنان مستقر. ثمة حاجة إلى الجسارة.