مرّ عام على عملية إذابة الصحافي السعودي العربي الأمريكي جمال خاشقجي.. أقول إذابة لأن لا أحد عثر على خصلة شعرٍ منه حتى الآن، سواء من الجانب التركي، الذي يبدو أنه يعلم ولا يتكلم، ويفهم ويحرّف الكلم عن مواضعه، مثلما تعلم الإدارة الأمريكية كيف حصل الأمر في عمليّة قتله أو اغتياله، التي وقعت في الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، حيث المشهد الذي التقطته الكاميرات وهو يدخل إلى القنصلية في ما تبقى زوجته تمشي بقلق خارج المنطقة.
مشهد سينمائي تماما.. ليس بطله خاشقجي، بل إنه كان الضحية في هذا المشهد العالمي، الذي سلّم فيه أبطال الفيلم أعضاء السفارة والقنصلية السعودية، مسدّسًا محشوا بالتيزاب، أو مسدّسًا يشبه ساطور الذبائح الكبيرة، لكي تنتهي القصة.
لكن السؤال الذي يطرح.. ماذا لو لم يكن جمال خاشقجي سعوديا؟ وإن القتل لم يحدث في السفارة السعودية؟ وإن المنفّذ لم يكن سعوديًا؟ وإن الآمر والمخطط لم يكن ولي عهد السعودية، الذي اعترف في مقابلة تلفزيونية بثّتها إحدى المحطات الأمريكية، بطريقة الفيلم الوثائقي، الذي نفذته شبكة التلفزيون العامة الأمريكية، من إنه المسؤول عن عملية اغتيال خاشقجي، على أساس إنها حدثت في حكمه في «ظل إدارته». وإنه ولي أمر المسلمين والمؤمنين، وهو اعتراف تمكن الصحافي مارتن سميث من انتزاعه، لكنه تحدّث بعقلية العربي الذي يعد الحكم قوّة إلهيةِ، والصحافي يعد الجواب صراحةً مدفونة. السؤال الذي يؤرّق الناس في العالم أجمع.. لماذا كل هذا الصمت، لتبدو حرية الصحافة على منزلق هاويةٍ حادّة؟ فشخصية عالمية مثل جمال خاشقجي، تعد من الشخصيات التي يلاحقها الكثير من الهالات المضيئة.. سواء على مستوى حرية الرأي، أو مستوى حرية الصحافة.. وأيضا هو يحمل الجنسية الأمريكية، والمعروف إن أمريكا تحمي مواطنيها، حتى لو كانت لهم جنسيات أخرى، وهو ما حصل مع العديد من الفاسدين العراقيين، الذين يحملون هذه الجنسية وهربوا إلى واشنطن، لحمايتهم من العقوبات، أو حتى من الاستقدام إلى المحاكم العراقية.. والأمر عكسا حصل مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي يحمل الجنسية الأمريكية، إلا أن أمريكا رفعت يدها عنه.
قضية جمال خاشقجي، كما نقول في العراق (واحدْ يرْفعْ وواحدْ يكْبسْ ) تشبيها بلعبة كرة الطائرة، حيث إن الكونغرس يعيد قضيته، بين فترة وأخرى لكي يشد أعصاب العائلة المالكة السعودية، وأيضا لتبييض وجه أمريكا أمام العالم، بأنها لا تنسى هذه القضية، وفي الحالتين ثمة أمر مريب في كل هذا الوضوح.. فأمريكا تعلم أن تركيا تخفي أشياء في قضية خاشقجي تستخدمها كورقة ضغط دولية تلعب فيها وقت الحاجة.. فلا يمكن للعائلة المالكة السعودية أن تقوم بهذا الفعل، وأن ترسل شخصيات مقرّبة جدا من ولي العهد السعودي إلى تركيا لتنفيذ المهمة، والعودة في اليوم ذاته، بدون أن يكون لها ضوء أخضر،من جهـات متـعددة.
نعود إلى السؤال.. والإجابة تقول لو كان الصحافي يحمل جنسية سورية أو عراقية أو فنزويلية أو كوبية أو روسية، أو أي جنسية من تلك التي لا تتوافق مع أمريكا سياسيًا واقتصاديًا، كما هو الحال مع السعودية التي ترتبط دولاريا مع أمريكا. فما هو مؤكد أن الأمر سيفضي بكل تأكيد إلى تشكيل محكمة خاصة بمحكمة العدل الدولية، وقطع العلاقات مع هذه الدولة أو تلك، وكذلك فرض عقوبات اقتصادية، ومن ثم العمل على إطاحة رأس النظام، لأنه أخل بالإنسانية والحرية، وإنه يمثل، أي هذا النظام، تهديدًا للأمن الإنساني والقومي والإعلامي. إنها سياسة لم تعد خافية عن هذا اللعب المكشوف بين السعودية في زمن ولي العهد الجديد، الذي انفتح كلّيًا على الحالة الغربية، من السماح إلى المرأة السعودية بقيادة السيارة، وافتتاح صالات إقامة مهرجانات، وانتشار ظاهرة السفور في المجتمع السعودي، من دون أن تنطلق رصاصة واحدة من بندقية القاعدة.