صراحة نيوز –
مع دخول التظاهرات العراقية شهرها الثاني منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا أن كل وعود وقرارات السلطة حتى اليوم لم تُرضِ المتظاهرين، الذين ازدادت أعدادهم في الشوارع، أمس الجمعة، مع توسع خارطة المحافظات المشاركة في الحراك، بالتوازي مع رفض التدخّلات الخارجية، ولا سيما من إيران وتحديداً من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان قد وصف التظاهرات بالشغب، ليأتيه الرد أمس من جهتين، المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني الذي رفض تدخل “أي جهة دولية أو إقليمية بإرادة العراقيين في طلب الإصلاح”، والشارع مع إحراق صور خامنئي وزعيم “فيلق القدس” قاسم سليماني في بعض التظاهرات، وترديد شعارات مناوئة للتدخّل الخارجي.
في المقابل، لا يبدو أن أمام السلطة العراقية المزيد لتقدّمه للشارع، وسط توقّعات بأن استمرار التظاهرات وفي حال سقوط ضحايا إضافيين، قد يدفع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي لإعلان استقالته في خطوة ارتجالية من دون العودة لشركائه أو البرلمان.
وأنهت التظاهرات العراقية شهرها الأول على رقعة أوسع وبمشاركة أكبر من مختلف العراقيين، فيما بلغت حصيلة الضحايا، حتى عصر أمس الجمعة، 250 قتيلاً ونحو 11 ألف مصاب عدا عن 2500 معتقل، بحسب لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، منذ الأول من أكتوبر ولغاية أمس، لكن مصادر طبية تحدثت عن حالتي وفاة جديدتين لمتظاهرين في بغداد وذي قار متأثرين بجروح أصيبا بها في الأيام الماضية.
التظاهرات التي رفعت في بدايتها شعارات مطلبية وخدمية، من قبيل الوظائف والخدمات وتوفير السكن والتعليم والخدمات الصحية، سرعان ما تطورت إلى أن تكون أكثر شمولاً وبشكل غير مسبوق، بالدعوة إلى إسقاط نظام المحاصصة الطائفية والحزبية وإنهاء النفوذ الأجنبي، والمقصود به إيران بطبيعة الحال، وتعديل الدستور الذي رسّخ حالة الانقسام الطائفي الحالية في العراق وتشكيل محكمة عليا لملفات الفساد، عدا عن انتخابات مبكرة وحل الحكومة والبرلمان. وبدا أن هذه التظاهرات التي أعادت، بحسب مراقبين، الهوية الوطنية العراقية العابرة للطوائف والمكونات لأول مرة منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، أجبرت الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد على المضي قدماً في عرض حزم إصلاحات وقوانين جديدة ووعود مختلفة، لكنها لم ترتقِ لمطالب الشارع الذي لا يثق كثيراً بالوعود التي تصدر من المنطقة الخضراء.
وحتى الآن أطلقت الحكومة العراقية ثلاث حزم “إصلاحية” ووعود وقرارات مختلفة، بلغت في مجملها 71 قراراً مختلفاً، عدا عن 12 قراراً أصدرها البرلمان، وخمسة قرارات لمجلس القضاء الأعلى وثلاثة لرئاسة الجمهورية تضمّنت وظائف ومنحاً مالية وتوزيع قطع أرض سكنية وتقديم متورطين بالفساد، وإلغاء امتيازات كبار المسؤولين وتخفيض مرتباتهم، وأخيراً وعود بتعديل الدستور وكذلك مفوضية جديدة للانتخابات ومحكمة عليا لفتح كل ملفات الفساد في العراق، إلا أن أياً من تلك الوعود والقرارات لم تنجح في حسر التظاهرات ولو بالحد الأدنى.
ولم يظهر، حتى مساء أمس، أي تجاوب من قبل المتظاهرين مع خطاب الرئيس العراقي برهم صالح، فوعوده، الخميس، باستقالة رئيس الحكومة بعد توفر البديل وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة وسنّ قانون جديد للانتخابات، جوبهت بردود غاضبة من قبل المتظاهرين الذين استعاروا الشعار اللبناني الأشهر في التظاهرات لكن باللهجة العراقية وهو “كلهم يعني كلهم”، في إشارة إلى أن المشكلة ليست برئيس الوزراء بل بكل الطبقة الحاكمة وأحزابها.