صراحة نيوز – قال رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي أن الأردن، وبحكم تطوره واشتباكه الإيجابي مع العالم وتطوراته، ليس بعيداً عن هذا المستوى من النقاش، بما فيه من سخونة تفرض نفسها أحياناً على النقاشات.
جاء ذلك في قراءة له لمضامين الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك ضمنها منشورا على صفحته الشخصية ” فيسبوك ” بعنوان ” الورقة النقاشية السابعة .. وقفة مع التعليم كـ قطاع استراتيجي “
وأضاف ان جلالة الملك انطلق في ورقته النقاشية السابعة، من تأكيد حقائق من شأنها أن تمثل جوامع، يتفق عليها أصحاب الآراء الإيجابية المتباينة، حيث أكد جلالة الملك على حقيقة أن التعليمَ هو شرطٌ أساس لنهضة الأمم وتقدمها .
تاليا النص الكامل لما كتبه
واصل جلالة الملك عبدالله الثاني نشرَ أوراقه النقاشية، مختاراً هذه المرة عنواناً حيوياً، مقدماً فيه رؤيته لتطوير القدرات البشرية وتطوير العملية التعليمية في الأردن.
وقبل الولوج في مضامين الورقة النقاشية السابعة، أقفُ عند بعض من الملاحظات التي أراها ضرورية للفهم، وهي؛
أولاً، تلت هذه الورقة ورقةً سابقةً، خصصها جلالته للحديث حول الدولة المدنية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. وهذا التوالي، المباشر، يضع ملف التعليم والموارد البشرية، في موقع متصل تماماً، مع الدولة المدنية وتكافؤ الفرص. وكأن جلالته يقول إن الدولة المدنية لا تكون ولا تنهض دون قدرات بشرية، وتعليم كفؤ عصري، يربط شباب الأمة بثقافة أمتهم وتراثها المجيد من جهة، وبلغة العصر وأدواته ووسائل التكنولوجيا الحديثة ومتطلبات النهضة من جهة أخرى.
ثانياً، ومن حيث التوقيت، وبالنظر إلى الظروف الإقليمية والدولية الراهنة وتطوراتها الأخيرة، والتي انشغل بها المراقبون والمحللون والسياسيون الأردنيون، وانقسموا حولها؛ أعاد جلالة الملك التذكير بأولوية الإصلاح الشامل، في شقه التعليمي والتأهيلي هذه المرة؛ بوصفه واحدة من الضمانات الرئيسة لتحصين الأردن وشبابه، إزاء المخاطر والتحديات التي تحيط بنا من كل صوب، وإعدادهم لمستقبل مشرق.. وليؤكد جلالته، أن الأردن يواصل مسيرته الإصلاحية بكل ثقة وعزيمة ولا تثنيه الأحداث من حوله عن القيام بواجبه الداخلي.. وكذلك، تذكير النخب والمختصين والمحللين في الأردن، بضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام بملفاتنا الداخلية الإصلاحية الوطنية، وعدم الانشغال عنها بالتطورات السياسية من حولنا، على أهميتها، والتي لم تتوقف منذ عقدٍ على الأقل، وليس متوقعاً لها أن تتوقف أو تستقر خلال الفترة الراهنة؛ ما يعزز أولوية الالتفات للجبهة الداخلية وتحصينها بالتوافق والإصرار على متابعة المسار الإصلاحي الشامل بكافة جوانبه.
ثالثاً، لم يفُت جلالة الملك أن يعبر عن احترامه لحق الاختلاف، وأن يلفت إلى وجود تباينات حقيقية في الرؤى والمواقف إزاء ملف التعليم والموارد البشرية. وقد ضمن جلالته حق الاختلاف الإيجابي، وانطلق منه لتقديم رؤيته، والتي تشكل، بمجملها، أساساً للحوار وتذكيراً بالجوامع التي تتفق عليها أهدافُنا وإن اختلفت أدواتُنا ورؤانا.
رابعاً، إن النقاش حول الموارد البشرية والتعليم وأدواته، ليس نقاشاً محلياً فحسب. ولكنه ظاهرة عامة وعالمية ومستمرة. وفي كثيرٍ من المجتمعات والدول، عندما يطرح موضوع التعليم ومناهجه غالباً ما ينشأ نقاش ‘محموم’.
وبطبيعة الحال، فإن المواقف المسبقة، والاختلافات الأزلية حول مفاهيم الأصالة والمعاصرة، تثير تبايناً حول شكل التجديد ومستواه، وحول ما يجدر به أن يكون ثابتاً، بحكم الأصالة، ومتحركاً بحكم المعاصرة والحداثة. ولذلك، نرى جلالته وقد أقرّ بهذا التباين وبحق الاختلاف، يرى، بأن الأردن، وبحكم تطوره واشتباكه الإيجابي مع العالم وتطوراته، ليس بعيداً عن هذا المستوى من النقاش، بما فيه من سخونة تفرض نفسها أحياناً على النقاشات.
خامساً، يشدّد جلالة الملك على حقيقة أن ‘قطاع التعليم هو قطاع استراتيجي’.
وبالتالي، فهو ملكٌ للأمة بأجيالها المتعاقبة، وليس ملكاً لجهة دون أخرى أو رأي دون آخر أو حتى جيل على حساب جيل قادم. ويترتب عليه، أن أول شرط لتحقيق التطوير المتوازن، هو بالابتعاد به عن التجاذبات السياسية واستقطاباتها.. وأن نسمو بهذا القطاع الذي يرتبط به مستقبل أجيالنا، عن محاولات التوظيف السياسي والمناكفات الآنية والمصالح الضيقة.
ومن هنا، فقد انطلق جلالته في ورقته النقاشية السابعة، من تأكيد حقائق من شأنها أن تمثل جوامع، يتفق عليها أصحاب الآراء الإيجابية المتباينة، حيث أكد جلالة الملك على حقيقة أن التعليمَ هو شرطٌ أساس لنهضة الأمم وتقدمها.
وهذه الحقيقة يتفرّع عنها أن تطوير التعليم هو حاجة أساسية لكفاءته، ولقيامه بهذا الدور. وبالتالي، فإن الانطلاق من معاينة ‘التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم في الأردن، بدءاً من الاعتراف بها، ومن ثم بذل الجهود لتجاوزها، وابتكار الحلول الناجعة لها، وصولا إلى نظام تعليمي حديث يشكل مرتكزا أساسيا في بناء المستقبل المزدهر الذي نسعى إليه’.
وعلى هذا الأساس، يرى جلالته أن مدارسنا ومعاهدنا المهنية وجامعاتنا هي في جوهرها ‘مصانع للعقول المفكرة، والأيدي العاملة الماهرة، والطاقات المنتجة’. وعليه، يجب أن تأخذ مدارسنا دورها كـ ‘مختبرات تُكتشف فيها ميول الطلبة، وتُصقل مواهبهم، وتُنمى قدراتهم’.
وتأكيداً لإيمان جلالته بمبدأ تكافؤ الفرص، كحق إنساني ودستوري لكل الأردنيين، أكد الملك عبد الله الثاني إيمانه المطلق ‘بأن كل أردني يستحق الفرصة التي تمكنّه من أن يتعلم ويبدع، وأن ينجح ويتفوق ويبلغ أسمى المراتب’.
في ذات السياق، يذكّر جلالته بحقيقة يتفق عليها الجميع، ومفادها: ‘أننا نعيش في عصر تسارعت خطاه، وأننا لن نستطيع أن نواكب تحديات هذا العصر إلا بأدواته المعرفية الجديدة، ولا أن نلبي احتياجاته إلا بوسائله التقنية الحديثة’؛ ما يجعل من التطوير والمراجعة متطلباً أساسياً لأي جهد في هذا الاتجاه.
الحقيقة التالية، التي يؤكدها جلالته في ورقته الجديدة، ويتوافق عليها الجميع، هي في كون ‘ثروتنا البشرية، أغلى ما يمتلك الأردن من ثروات’. وعليه، فإن الانطلاق من هذه القاعدة، يفرض علينا أن ‘نستثمر في هذه الثروة بكل قوة ومسؤولية، فلا استثمار يدر من العوائد كما يدر الاستثمار في التعليم’.
حقيقة أخرى يقرّها جلالة الملك هنا، هي في كون المسؤولية إزاء تطوير التعليم والاستثمار في الموارد البشرية، ليست مسؤولية حكومية أو رسمية فحسب. وإنما هي مسؤولية جماعية تضامنية تكاملية، لا تتحقق ‘ما لم تتكاتف جهود الجميع، شعبا وحكومة ومؤسسات خاصة وعامة، لتوفير البيئة الحاضنة، وتأمين الاحتياجات الضرورية’.. وفي هذا المجال، يثبّت جلالته قاعدتين أساسيتين، وهما: إن قرار التطوير لا يملك طرفٌ واحدٌ احتكاره وإقصاءَ الآخرين، وثانياً، إن هناك مسؤولية يتحملها الجميع، في القطاع العام أو القطاع الخاص، لتطوير العملية التعليمية، وهذه المسؤولية المشتركة تستدعي أعلى درجات الشراكة والتنسيق والتفاهم بين القطاعات المتنوعة، لضمان مسارٍ متوازٍ ويؤدي إلى نتائج مثمرة، تلبي حاجة المؤسسات العامة والخاصة، وتضمن المستقبل الأفضل لأبنائنا.
وفي جانب آخر من المعادلة، يلفت جلالة الملك إلى ما يستحقه أبناؤنا وبناتنا من تعليم نوعي، يتواءم مع ضرورة اكتشاف طاقاتهم، وتنمية القدرات، وصقل المواهب، وتحفيزها إلى أقصى حدودها، ‘عبر أحدث الأساليب التعليمية التي تشجع على الفهم والتفكير، والفهم لا التلقين، وتجمع بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق، والتحليل والتخطيط، وتفتح آفاقا رحبة أمام أبنائها، ليتفوقوا في كل مادة، وينبغوا في كل فن أومهنة أوحرفة’.
ويرى جلالته، أن التطوير، والانتقال إلى لغة العصر وأدواته، لا يكون ‘إلا بمنظومة تعليم حديثة، توسع مدارك الطلبة، تعمّق فكرهم، تثير فضولهم، تقوي اعتدادهم بأنفسهم، وتصل بهم إلى العالمية’.
كما لا يمكن أن يتحقق ذلك، ‘إلا بمناهج دراسية تفتح أَمام أبنائنا وبناتنا أبواب التفكير العميق والناقد؛ تشجعهم على طرح الأسئلة، وموازنة الآراء؛ تعلمهم أَدب الاختلاف، وثقافة التنوع والحوار؛ تقرّب منهم أساليب التعبير، وتنمّي فيهم ملكة النظر والتدبر والتحليل’.
إن هذه المنطلقات الواضحة، تعيد النقاش العام حول ملف التتعليم، بما يتفرع عنه من قضايا تخص المناهج والبيئة التعلمية ودور المعلم والأصالة والمعاصرة، وغيرها من مفاهيم، إلى سياقه الإيجابي المثمر، والذي تكون فيه التباينات في الرؤى والوسائل، عامل إثراء وتعزيز للمسار ولتحقيق الأهداف بعيداً عن الاستقطابات والتوظيف والتخندق.
وبرأيي فإن ما تفضل به جلالة الملك في ورقته السابعة، يقدم ضمانة للآراء المتنوعة أن تتفاعل بإيجابية ودون إقصاء، كما من شأنه أن يحفز النقاش وينتقل به إلى أفق أوسع، يتجاوز العقبات الصغيرة ويستند إلى قاعدة واسعة من الجوامع.