لماذا تصمت فرنسا عن تمويل شركة لافارج منظمات تصنفها “إرهابية”؟

30 أكتوبر 2022
لماذا تصمت فرنسا عن تمويل شركة لافارج منظمات تصنفها “إرهابية”؟

باريس _صراحة نيوز – الجزيرة 

 بعد إقرارها بالذنب لقيامها بمساعدة منظمات “إرهابية” من بينها تنظيم الدولة بين عامي 2013 و2014، أعلنت شركة “لافارج” (Lafarge) عملاقة صناعة الأسمنت الفرنسية ومجموعة “هولسيم” السويسرية الأمّ -يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي- أن لافارج وافقت على دفع غرامة مالية قدرها 778 مليون دولار لوزارة العدل الأميركية.

ماذا قال الرئيس التركي اردوغان عن دعمها للارهاب

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  قال في كلمة له امام مؤتمر وزراء الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد بالعاصمة اسطنبول إن شركة لافارج الفرنسية باتت مكشوفة للعيان باعتبارها إحدى أهم المؤسسات الداعمة للإرهاب.

وأشار أردوغان إلى وجود محاولات لإضعاف ما وصفه “بنضال تركيا العادل ضد المنظمات الإرهابية، من خلال نشر أخبار كاذبة وأوهام”، وفق تعبيره.

وصدر عن الشركتين بيان جاء فيه أن لافارج وشركتها الفرعية “لافارج للأسمنت سوريا” التي تم حلّها “وافقتا على الاعتراف بالذنب بتهمة التآمر في تقديم دعم مادي لمنظمات إرهابية أجنبية محددة في سوريا منذ أغسطس/آب 2013 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2014″.

استحوذت على شركة وطنية في الأردن وحققت اضعاف رأسمالها 

وكانت  شركة  لافارج  الفرنسية قد استحوذت عام 1999 على غالبية اسهم شركة وطنية للاسمنت في الأردن ضمن برنامج الخصخصة ” سيء الذكر بالنسبة للاردنيين ” التي يرأس مجلس ادارتها حاليا نائب رئيس الوزراء والووزير في عدة حكومات سابقا الدكتور جواد العناني وتمكنت من تحقيق ارباح تعادل اضعاف رأسمالها رغم ما احدثته من اضرار بالغة على البيئة وصحة الناس من عاملين وقاطنين في محيط مواقع انتاجها ومؤخرا تمكنت من الحصول على قرار قضائي باشهار اعسارها حيث تسعى للتصرف بأراضي تُقدر مساحتها بمئات الدونمات في بلدة الفحيص والتي كانت الدولة قد استملكتها لغايات النفع العام حين تم انشاء الشركة الوطنية وانتهت منفعتها حين قررت شركة لافارج الفرنسية اغلاق مصنعها في بلدة الفحيص

 

وتخضع شركة لافارج الفرنسية التي اندمجت مع مجموعة هولسيم السويسرية في 2015، لتحقيق قضائي منذ 2017، وتلاحقها اتهامات بدفع حوالي 13 مليون يورو لجماعات إرهابية ووسطاء من أجل الحفاظ على نشاط مصنعها في سوريا خلال فترة الحرب، كما أن الشركة متهمة في فرنسا بـ”التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية” على خلفية أنشطتها في سوريا.

وخلص تحقيق السلطات الفرنسية إلى أن المبالغ التي سددتها المجموعة لتنظيم الدولة وحده قد تتراوح بين 4.8 و10 ملايين يورو. وتطرح قضية لافارج والأطراف المتداخلة فيها عدة إشكاليات قانونية وحقوقية واقتصادية متشابكة ومعقدة، سنحاول الإجابة عنها والتعمق فيها أكثر مع مجموعة من الخبراء.

هل كانت السلطات الفرنسية على علم بعلاقة لافارج بالتنظيمات الإرهابية؟

 

من خلال وثائق وشهود عيان، كشف فيلم وثائقي تركي عن علاقات مشبوهة لجهاز الاستخبارات الفرنسية وشركة لافارج بتنظيم الدولة في سوريا.

وفي نفس هذا السياق، أشار رئيس منظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” فرانسوا دو روش إلى أن المخابرات الفرنسية كانت على علم بعلاقة لافارج مع تنظيم الدولة، وقد قدّمت هذه الشركة عام 2016 مواد ووقودا إلى التنظيم مقابل مواصلة أنشطتها في شمال سوريا.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- قائلا “الأب أو الأم اللذان يرسلان 100 دولار لابنهم الذي يموت جوعا في سوريا يعاقبان بالسجن عشرات السنوات، ولافارج تعطي عشرات الملايين لداعش دون أن تحاسب، وذلك مع علم الدولة الفرنسية ومخابراتها”.

من جانبه، أوضح المحلل وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة السوربون الدكتور جمال بن كريد أن المخابرات الفرنسية ليست على علم فقط بهذه العلاقة المشبوهة، بل كانت تعمل جنبا إلى جنب مع شركة لافارج وتتعاون مع تنظيم الدولة وبقية الجماعات المتطرفة مثل “جبهة النصرة”، وهذا طبعا بمباركة وصمت السلطات الفرنسية لكي تحافظ على مصالحها التجارية والاقتصادية.

لماذا صمتت الدولة الفرنسية عن تمويل شركة لافارج “للإرهاب”؟

لاحظ رئيس منظمة “عدالة وحقوق بلا حدود” أن صمت فرنسا يتجاوز الصفقات التجارية والمصالح الاقتصادية إلى أسباب أخرى أعمق، منها الحفاظ على عمليات فرنسا العسكرية في سوريا، والحصول على المعلومات والأخبار من هذه المنطقة الإستراتيجية، إلى جانب الحفاظ على صورة فرنسا وموقعها في الشرق الأوسط ودول الخليج، فضلا عن المنافسة الشديدة مع تركيا، وفق دو روش.

بدوره أكد المحلل والخبير المالي والاقتصادي الدكتور كميل الساري أن شركة لافارج والسلطات الفرنسية سقطت في منطق الجشع والأرباح الاقتصادية، كما سقطت في الحسابات الإستراتيجية الخاطئة، لأنها ظنت أن تنظيم الدولة سيحكم لوقت طويل في تلك المنطقة، خاصة مع سيطرته على مساحات كبيرة ومناطق كثيرة من سوريا والعراق

A rebel fighter takes away a flag that belonged to Islamic State militants in Akhtarin village, after rebel fighters advanced in the area, in northern Aleppo Governorate, Syria, October 7, 2016. REUTERS/Khalil Ashawi

لماذا تتعامل فرنسا بازدواجية مع مسألة حقوق الإنسان؟

أوضح المحامي ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “إفدي” الدولية لحقوق الإنسان عبد المجيد المراري -للجزيرة نت- أن هذه الازدواجية في التعامل مع مسألة حقوق الإنسان ليست غريبة على المنطق الأوروبي والفرنسي على وجه الخصوص.

Lafarge plant in Paris

وعبّر المراري عن استغرابه من موافقة فرنسا على تمويل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهي -أي فرنسا- التي “تشدد في محاربة الإرهاب من خلال قوانينها الصارمة، وكانت عرضة أكثر من مرة لهجمات إرهابية قوية”، مضيفا “هذا تناقض كبير وازدواجية في الخطاب ولغز يصعب فهمه وتفسيره”.

 ما المسؤولية القانونية على شركة لافارج والسلطات الفرنسية؟

شدد المراري على أن اعتراف لافارج بأنها مذنبة يجعل منها ومن السلطات الفرنسية شريكا لهذه المنظمات ولعملياتها الإرهابية حتى التي تمت في فرنسا، على اعتبار أن الأموال التي تلقاها تنظيم الدولة من الشركة الفرنسية وقع استعمالها في شراء الأسلحة والمواد المتفجرة التي استخدمت في التفجيرات الإرهابية في فرنسا وأوروبا.

وأكد أن المساهمة في تمويل جماعات إرهابية تعتبر في القانون الدولي جريمة، وشركة لافارج بحسب القانون مساهمة في كل ما ترتكبه هذه المنظمات الإرهابية، مبينا أن القانون الجنائي الفرنسي يعاقب بشدة حتى على مجرد الإشادة بمثل هذه المنظمات الإرهابية، ومسؤولية الشركة لا تنفي مسؤولية الدولة الفرنسية على خلفية علاقة لافارج بجهاز المخابرات الفرنسي، بحسب قوله.

ما التداعيات القضائية الجنائية على الشركة وعلى فرنسا؟

أوضح المراري أن منظمة إفدي رفعت مع منظمات أخرى قضايا ضد شركة لافارج في المحاكم الفرنسية. ولأن الجريمة الإرهابية متكاملة الأركان -في رأيه- فهذا يفتح الباب لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام القضاء الدولي والقضاء الفرنسي أيضا.

وأضاف أن اعتراف الشركة سيعطي القضية بعدا جنائيا، وسيتم بمقتضاه استدعاء مسؤولين كبار من قبل الادعاء والقضاء الفرنسي في الفترة القادمة، على حد قوله.

وتابع المراري أن المنظمات الحقوقية ستذهب إلى مرحلة التقاضي الدولي من خلال محكمة الجنايات الدولية، والمحاسبة على الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية.

هل قدمت فرنسا مصالحها الاقتصادية على محاربة الإرهاب؟

 

يرى الدكتور كميل الساري أن شركة لافارج مثل كل الشركات العملاقة لا تملك ضميرا أخلاقيا يراعي مشاعر الشعوب، وإنما يحكمها فقط منطق المال والبراغماتية.

وقال للجزيرة نت إن فرنسا تعاملت من خلال شركاتها ومشاريعها الاستثمارية مع أنظمة دكتاتورية، ومع زعماء كانوا يسفكون دماء شعوبهم.

من جانبه أوضح بن كريد أن هيكلة الاقتصاد الفرنسي تقوم على تمويل ومداخيل الشركات العملاقة واستثماراتها في الخارج، وبالتالي فمن الطبيعي والمنطقي أن تقدم فرنسا مصالحها الاقتصادية على مسألة حقوق الإنسان، بحسب قوله.

وبرأيه، فإن هذا التغليب للمصالح الاقتصادية على الانتصار للإنسان وكرامته، يمثل فشلا ذريعا لأوهام الديمقراطية الغربية الأوروبية والفرنسية على وجه الخصوص.

ما حجم الخسائر المالية والمعنوية الإستراتيجية للشركات والسلطات الفرنسية؟

أكد بن كريد أن شركة لافارج في طريقها إلى الإفلاس المالي بعد العقوبات الأميركية الأخيرة والعقوبات الأوروبية الأخرى التي تنتظرها. وبرأيه، فإن الإفلاس الأخلاقي للشركة هو الذي سيؤدي بالضرورة إلى إفلاسها المالي وتوجيه ضربة موجعة إلى سمعة الشركات والاستثمارات الفرنسية في الخارج.

أما الساري، فأوضح أن الخسائر المالية للافارج ستكون كبيرة جدا، لكن الخسائر الأهم -بحسب قوله- هي الخسائر المعنوية الإستراتيجية.

وفسر ذلك قائلا “في النهاية الخسائر المادية يمكن تعويضها، ولكن خسارة شركة لسمعتها من الصعب جدا أن تعوض حتى على المدى الطويل، خاصة في سوق الاستثمارات المالية، وشركة لافارج خسرت سمعتها في سوق الاستثمارات الدولية وحتى الأميركية بعد فضيحتها الأخيرة”.

الاخبار العاجلة