صراحة نيوز – هناك نكتة شائعة في سريلانكا هذه الأيام تقول إن مسؤولا صينيا زار البلاد والتقى بعدد من كبار المسؤولين الحكوميين فيها. شعر المسؤول الصيني بالحيرة لأن جميع من التقى بهم يحملون اسم العائلة راجاباكسا، فسـأل الضيف مضيفيه هل هذا هو اسم العائلة الوحيد الموجود في بلدكم؟
من السهل أن نتخيل كيف ظهرت النكتة وشاعت. تسيطر عائلة راجاباكسا على الدولة الجزيرة منذ عقدين، ورغم ذلك فإن هذه الهيمنة مهددة الآن بالزوال، بعد إعلان الرئيس غوتابايا راجاباكسا، استعداده للتنحي عن الحكم وفراره لمكان مجهول في أعقاب اقتحام محتجين لمقر إقامته الرسمي وأشعال النيران في منزل رئيس الوزراء.
وسيتنحى راجاباكسا عن منصبه في 13 يوليو/ تموز الجاري. كما وافق رئيس الوزراء ويكرمسينغ على الاستقالة.
وقال رئيس البرلمان ماهيندا أبيوردانا، إن الرئيس قرر التنحي “لضمان انتقال سلمي للسلطة” ودعا المواطنين إلى “احترام القانون”.
جاءت الإضطرابات بعد أسوأ أزمة اقتصادية عاشها السريلانكيون منذ حصول البلاد على استقلالها عن بريطانيا في عام 1948. ويعزوا العديد من الخبراء المشاكل الحالية التي تواجهها البلاد إلى سوء الإدارة.
ودفع كبار الساسة من عائلة راجاباكسا ثمن هذه الأزمة، ففي 9 مايو/ أيار استقال رئيس الوزراء الحالي (الرئيس السابق) ماهيندا راجاباكسا، والآن فر شقيقه الأصغر الرئيس الحالي غوتابايا واختفى الكثير من الوزراء والمسؤولين الذين ينتمون للعائلة، وسط استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد منذ أوائل أبريل/ نيسان الماضي.
صعود بطيء
لا يجب التقليل من شأن هذه الخطوة، لقد كانت أشبه بزلزال سياسي ضرب العائلة الحاكمة والبلاد أيضا. “تمثل استقالة ماهيندا راجاباكسا تحولاً مخزياً في حظوظ رجل كان لسنوات ببساطة أقوى شخص في سريلانكا” حسب رأى أييشيا بيريرا، محررة آسيا على موقع بي بي سي نيوز.
أصبح الرئيس السابق ورئيس الوزراء المستقيل أشهر أفراد عائلة لم تكن دائما قوية في الحياة السياسية العامة في الماضي، إذ تنتمي راجاباكسا إلى طبقة ملاك الأراضي في منطقة هامبانتوتا الجنوبية.
وبدأ صعود ماهيندا في الحياة السياسية عند انتخابه لأول مرة نائبا برلمانيا في عام 1970 كأصغر عضو في البرلمان.
ثم في ثمانينيات القرن الماضي تم انتخاب كل من ماهيندا وشقيقه الأكبر شامال لعضوية البرلمان.
اكتسب ماهيندا شعبية بسبب إدانته لانتهاكات حقوق الإنسان ضد التمرد اليساري الذي حدث في 1987 و1989 والطلب من الأمم المتحدة التحقيق فيها.
وفي عام 1994 تولى أول منصب وزاري عندما عينه الرئيس الجديد للبلاد في ذلك الوقت تشاندريكا كوماراتونغا، وزيرا للعمل. وبعد عشر سنوات أصبح رئيساً للوزراء.
أما الصعود الأهم فكان توليه منصب الرئاسة في عام 2005، وفاز بالانتخابات الرئاسية بفارق بسيط من الأصوات لكن بدأت السيطرة الحقيقية للعائلة على شؤون البلاد.
شغل ماهيندا منصب رئيس سريلانكا لفترتين ما بين (2005-2015). في عام 2009 أشرف على نهاية دموية للحرب الأهلية مع الانفصاليين التاميل والتي استمرت لما يقرب من 30 عاماً.
لكن انتصاره في الحرب شابته مزاعم وقوع انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ولا سيما ضد الأقليات العرقية والدينية بالإضافة لتهم فساد.
والمعروف أن عائلة الرئيس تنتمي إلى السنهاليين البوذيين، ويشكلون ما يقرب من 75 في المئة من سكان سريلانكا.
ونفي الرئيس السابق بشدة مزاعم وقوع انتهاكات حقوق الإنسان إبان الحرب ضد التاميل، واضطهاد العرقيات الدينية الأخرى.
شركة عائلية
لم تمنع هذه المزاعم أسرة راجاباكسا من احتكار الحياة السياسة السريلانكية. فقد منح ماهيندا شقيقه الأصغر غوتابايا، الرئيس المتنحي حاليا، منصباً رفيعاً في وزارة الدفاع وأشاد البعض بإدارته للحرب الأهلية في وقتها. بينما عمل الشقيق الأكبر في العائلة تشامال في وزارات مثل الزراعة والثروة السمكية والري، كما تولى الشقيق الآخر باسيل منصب وزير المالية ووزير التنمية الاقتصادية.
كما شغل العديد من الأقارب الآخرين للأخوة الأربعة مناصب عامة، ولا سيما أبناء ماهيندا، حيث تولى الابن نامال مؤخراً منصب وزير الرياضة في سريلانكا، ويوشيثا مدير مكتب رئيس الوزراء حتى استقالة والده.
لكن الأسرة منيت بانتكاسة كبيرة عندما خسر ماهيندا الانتخابات الرئاسية لعام 2015 بشكل غير متوقع.
لكن العائلة عادت سريعا إلى السلطة بعد أربع سنوات، لكن من خلال غوتابايا، الذي تولى قيادة البلاد في 2019 بعد الفوز في الانتخابات، لأن الدستور منع شقيقه ماهيندا، الرئيس السابق، من الترشح لمنصب الرئيس مرة أخرى.
تبنى الرئيس الجديد أجندة قومية واستفاد من صلة الأسرة القوية بأجهزة تطبيق القانون والنظام، وخاصة في أعقاب هجوم إرهابي وقع في أبريل/ نيسان 2019 نفذته جماعة موالية لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، وأودى بحياة أكثر من 250 شخصاً.
لكن مزاعم فساد الأسرة لم تغب عن الساحة السياسية، بل عادت إلى الظهور في الاحتجاجات الحالية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية التي أعقبت جائحة كورونا.
وتضيف أييشيا بيريرا: “يعتقد الكثير من الناس أن ماهيندا راجاباكسا مهد الطريق لعائلته لنهب ثروة البلاد لتحقيق مكاسب مالية خاصة بهم”.
اللوحات الإعلانية والهتافات التي تطالب الأسرة بإعادة “الأموال المسروقة” للبلاد هي مشهد مألوف في الاحتجاجات في جميع أنحاء سريلانكا.
وقد أدى تدهور سمعة الأسرة إلى بروز انقسامات في صفوفها. في أواخر أبريل/نيسان انتشرت تقارير عن تصاعد الخلاف، بين ماهيندا، الرئيس السابق، وغوتابايا، الرئيس الحالي، وما تلاه من صراع على السلطة بين الأخوين للسيطرة على أنصارهم.
“غوتا عد إلى المنزل”
دفعت الصعوبات الاقتصادية العديد من أولئك الذين صوتوا لغوتابايا إلى حمل لافتات في الشوارع تحمل عبارة “غوتا عد إلى البيت”، في إشارة إلى ترك الرئيس الحكم.
وفي أبريل/نيسان الماضي، حاول المتظاهرون المناهضون للحكومة اقتحام المقر الرسمي لرئيس الوزراء بعد أن هاجم أنصار الحكومة متظاهرين سلميين بالقرب مقر رئاسة الوزراء، وسرعان ما انتشرت الاشتباكات في جميع أنحاء البلاد. وقام المتظاهرون الغاضبون بإحراق العديد من الممتلكات التي تعود لعائلة راجاباكسا، بما في ذلك منزل أجدادهم في هامبانتوتا. كما دمر المتظاهرون قبور والدايهم والنصب التذكاري لهما.
ويُتهم الرئيس غوتابايا بإساءة استخدام أموال الدولة ببناء النصب التذكاري من أموال الخزينة العامة.
لكن الرئيس كان قد رفض في الماضي كل الضغوط، وأعلن في مايو/آيار الماضي أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه رغم استقالة جميع وزرائه تقريبا، وسحب العديد من النواب دعمهم للحكومة.
وقد أعلن غوتابايا في 6 مايو/أيار عن فرض حالة الطوارئ للمرة الثانية خلال شهر في أعقاب إضراب عام شمل إغلاق جميع المتاجر والشركات في جميع أنحاء البلاد.
ربما تحاول عائلة راجاباكسا الاستمرار في السلطة، حتى بعد قبول الرئيس التنحي، لكن قبضتها التي بدت ذات يوم لا تقهر على السياسة في سريلانكا بدأت تظهر عليها علامات الوهن والضعف.