* د.كفافي: الأهمية الدينية للقدس عَلَت على أهميتها السياسية تاريخياً بسبب قدسية المكان
* د.أبو حمّور: القدس مدينة استثنائية في قداستها واستمرار سيرتها الحضارية والعمرانية رغم الاحتلالات
* د.الشرع: هناك مَن يعارض من اليهود أنفسهم كل الجهود الرامية لإثبات وجود دولة يهودية في فلسطين
* د.عقاب: ضرورة إعادة قراءة المصادر التاريخية بموضوعية وتقديم دراسات عربية عن القدس
* د.أبو الشعر: الحاجة لدراسات حول العمق التاريخي والمكاني للقدس وإعادة النظر بنتائج المسوحات الأثرية
* د.جبران: دراسة تاريخ القدس تكشف التزوير الذي يتعرض له تاريخ المدينة والجهل بأهميتها الدينية
* د.الغول: التأليف في موضوع القدس يتطلب معرفة حقيقية للوصول إلى نتائج علمية يمكن الدفاع عنها
* د.غوشه: ترجمة الأبحاث والكتب العربية حول بالقدس إلى لغات أخرى لتوضيح الإسهامات العربية
صراحة نيوز – عقد منتدى الفكر العربي، يوم الأحد 16/1/2022، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ الآثار والتاريخ القديم .د زيدان عبد الكافي كفافي عن مضامين كتابه البحثي “القدس قبل الإسلام بين النصوص التوراتية والكتابات التاريخية والآثار”، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: الوزير الأسبق أ.د منذر الشرع، وأستاذة التاريخ القديم من السعودية أ.د فتحية عقاب، والأكاديمية والباحثة في التاريخ وعضو المنتدى أ.د هند أبو الشعر، وأستاذ التاريخ في جامعة الكويت أ.د نعمان جبران، وأستاذ الآثار واللغات القديمة ومدير مكتبة جامعة اليرموك أ.د عمر الغول، ومدير مركز الحسن بن طلال لدراسات القدس ما بعد الدكتوراه أ.د محمد هاشم غوشه.
أوضَح المُحاضر د.زيدان كفافي أن الأهمية الدينية لمدينة القدس في الديانات السماوية الثلاث ارتبطت بالأحداث الدينية التي جرت فيها، ابتداءً من صلب السيد المسيح (عليه السلام) وبناء كنيسة القيامة فيها، وصولاً إلى معراج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبناء المسجد الأقصى فوق حرمها الشريف.
وأشار د.زيدان كفافي إلى أنه لا يوجد ذكر في أي مصدر تاريخي خارج نطاق التوراة يبين وجود دولة لشاؤول وداود وسليمان استمرت من 1004 إلى 923 قبل الميلاد، وعاصمتها أورشليم، مؤكداً بأن الأهمية الدينية لمدينة القدس علت على أهميتها السياسية خلال الفترات التاريخية كافة بسبب قدسية المكان.
ناقش المتداخلون الأهمية الدينية والتاريخية لمدينة القدس، مستعرضين أهم الأحداث التاريخية التي مرت بها المدينة خلال فترات ما قبل الإسلام، وأهم المسوحات الأثرية والحفريات التي جرت في القدس ودحض الادعاءات الإسرائيلية حول وجود مملكة إسرائيل الموحدة في القدس، والحق المزعوم لهم في القدس وفلسطين.
وبيَّن المتداخلون أهمية تضافر الجهود العلمية والأكاديمية العربية لعمل دراسات تاريخية لمدينة القدس على نحو رصين ومعمق، بالرجوع إلى مختلف المراجع والنصوص والمخطوطات التاريخية التي تتحدث عن القدس، وإلى نتائج المسوحات الأثرية الموثوقة، والعمل على ترجمة هذه الدراسات إلى لغات مختلفة وإدراجها في مناهج الجامعات الأردنية.
وأوضَح المُحاضِر د.زيدان كفافي أن كثيراً من الباحثين، وخاصة الأجانب منهم، قدموا أبحاثاً ودراسات حول مدينة القدس، إلا أنها لا تخلو من الادعاءات والرجوع الكامل للنص التوراتي في محاولة لإسقاط ما جاء فيه على أرض الواقع، مؤكداً بأن المنهج العلمي الذي يتبعه الباحث ومصداقية المراجع التي اعتمدها في كتابة بحثه أكثر أهمية من عدد الكتب والأبحاث التي نشرت حول مدينة القدس، ذلك أن الكثير من الذين عملوا في القدس وضعوا نتيجة البحث قبل كتابته معتمدين على ما جاء في نصوص التوراة.
وأشار د. كفافي إلى أن الدراسات الأثرية الميدانية في القدس بدأت منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وكان أغلبها من قبل جهات وبعثات أجنبية، وذكر أن كثيراً من نتائج الحفريات الأثرية لم تخدم وجهة النظر الإسرائيلية بشكل خاص، وأن النهج الذي يتبعه الآثاريون الاسرائيليون يهدف إلى إثبات تاريخية بعض النصوص التوراتية، مما يجعلهم يبحثون عن اللقى الأثرية في عدد من مناطق القدس مثل البحث عن بقايا لمدينة من القرن العاشر قبل الميلاد في منطقة الحرم الشريف والبحث عن آثار داود وسليمان في منطقة “الظهور/الظهورة” المطلة على وادي سلوان.
وبَيّن د. كفافي أن أول ظهور للإنسان على تراب القدس يعود إلى حوالي 250 ألف سنة، وهذا ما دلت عليه الأدوات الصوانية في منطقة الشيخ جراح بالقدس، وأن المخلفات الأثرية تشير إلى أن بداية الاستقرار في المنطقة يرجع إلى الألف الرابع قبل الميلاد، كما تؤكد نتائج الحفريات الأثرية في القدس أن الناس لم ينقطعوا عن السكنى فيها وفي المناطق المحيطة بها منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الوقت الحاضر.
وعن القدس في المصادر التاريخية المكتوبة قال د.كفافي: إن أقدم ذكر للمدينة “أورشليم” ظهر في نصوص فرعونية تسمى “نصوص اللعن”، وتؤرخ لحوالي 1900 قبل الميلاد، ثم ظهر الاسم في عدد من النصوص التوراتية التي تحدثت عن ارتحال “أبرام” من جنوبي العراق الحالي وانتهائه في بلاد كنعان، وخروج اليهود من مصر متوجهين إلى أرض كنعان، وتوزيع الأرض في فلسطين على القبائل الأثنتي عشرة، وعن السبي البابلي الذي حصل عام 586 قبل الميلاد وأحوال أورشليم بعده، مشيراً إلى أن نصوص تل العمارنة دلت بشكل واضح على أن أورشليم من أقدم المدن الكنعانية التي تأسست حوالي عام 1900 قبل الميلاد.
وأكد د.كفافي أن فلسطين التي تشكل الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ويعد تاريخها جزءاً لا يتجزء من تاريخ هذه المنطقة، حيث أقامت على أرضها العديد من الحضارات مما أضفى عليها خصوصية في استمرار مسيرتها، ومن الحضارات التي مرت بالمنطقة: الحضارة الفارسية، تلتها الحضارة اليونانية حوالي 332 قبل الميلاد، ثم حكم البطالمة حوالي 332-198 قبل الميلاد، وفي عام 198 قبل الميلاد أصبحت تحت الحكم السلوقيين، وإبان حكم الروم لمنطقة جنوبي بلاد الشام في عام 63 قبل الميلاد وضعت القدس تحت إشراف موظفين روم للاهتمام بشؤونها، وبعد سقوط الدولة المكابية حلّ محلها الدولة “الهيرودية” عام 37 قبل الميلاد، واتخذت من أورشليم عاصمة لها، وخلال الفترة بين 135-324 ميلادية فقدت “إيليا كابيتولينا” أهميتها السياسية والدينية، وكانت مدينة قيسارية هي الأولى في فلسطين حينذاك، إلا أنه وخلال ظهور الإسلام في الجزيرة العربية دخلها الخليفة عمر بن الخطاب عام 638 ميلادية، بعد أن تسلم رسالة من بطريرك “إيليا” صفرونيوس يعلمه فيها بأن المدينة تود الاستسلام، فعادت الأهمية الدينية والسياسية لها.
وأشار د.محمد أبو حمّور إلى أن منتدى الفكر العربي ومنذ تأسيسه قبل أربعين عاماً أولى قضية القدس اهتماماً خاصاً من خلال برنامج “القدس في الضمير”، إذ عمل من خلال أنشطته على أن تكون القضية الفلسطينية والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في الطليعة دائماً، لكونها أهم قضايا الأمة العربية وقضية مصيرية بحد ذاتها؛ موضحاً أن القدس مدينة استثنائية في قدسيتها، كما أنها مدينة استثنائية في استمرار سيرتها الحضارية والعمرانية رغم كل ما حاق بها من احتلالات لقوى مختلفة عبر آلاف السنين.
وأشار د.منذر الشرع إلى أن الجهات الصهيونية نشطت إبان فترة ضعف الدولة العثمانية، في إرسال البعثات التنقيبية الآثارية إلى فلسطين للعثور على ما يثبت الوجود اليهودي في هذه المناطق، وإقامة الدولة اليهودية وهيكل سليمان، وأن جهود الصهيونية العالمية في التنقيب والبحث قامت بناءً على ثلاثة أساطير، وهي: “أرض الميعاد” التي وُعِدَ بها اليهود، وأنهم “شعب الله المختار”، ولهم “حق تاريخي في القدس وفلسطين”، موضحاً بأنه ثمة من يعارض من اليهود أنفسهم كل الجهود الرامية لإثبات وجود لليهود أو دولة يهودية في فلسطين أمثال عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينون، وعالم الآثار الإسرائيلي زائيف هيرتسوغ.
وبينت د.فتحية عقاب أن أسماء القدس القديمة التي وردت في المصادر المصرية والرافدية القديمة لم يكتبها أو يضعها اليهود، وبأن اليهود طوال الفترات التاريخية التي مروا بها لم يتمتعوا بالحكم الذاتي، إلا خلال فترة الثورة المكابية سنة 164 قبل الميلاد ولم تتجاوز مدتها 28 عاماً، مما يدعوا إلى إعادة قراءة المصادر التاريخية المكتوبة برؤية موضوعية، وتضافر الجهود العلمية الآثارية والتاريخية على نحو مؤسسي ومنظم لتقديم دراسات عربية جادة متعلقة بالقدس وتاريخها.
وبدورها أشارت د.هند أبو الشعر إلى أن ما كتب عن القدس باللغة العربية قليل جداً، وبأننا بحاجة إلى دراسات عربية مقدسية تتميز بعمقها التاريخي والمكاني، وذات طابع بسيط غير معقد لتكون متاحة للقارئ العربي سواء أكان مثقفاً أم مختصاً، مشيرةً إلى ضرورة إعادة النظر بالدراسات المتعلقة بالقدس وإشكاليات التعامل مع النصوص التوراتية والمصادر التاريخية، ونتائج الأبحاث الميدانية والمسوحات الأثرية، والعمل على تعريب الأبحاث العلمية وخصوصاً المتعلقة بمنطقة بلاد الشام، وإعادة النظر في المناهج المقررة المتعلقة بالقدس التي تدرس في الجامعات والعمل على تطويرها بما يتناسب مع آخر نتائج المسوحات الأثرية والأبحاث العلمية.
وقال د.نعمان جبران: إن الاهتمام بدراسة تاريخ القدس جاء نتيجة التزوير والتحريف الذي يتعرض له تاريخ المدينة، والجهل الكبير بأهميتها ومكانتها الدينية، ومن هنا ينبغي على الأكاديميين والباحثين العرب تتبع تاريخ القدس منذ أقدم العصور ومعالجة الكثير من الأخطاء المتداولة في التاريخ المعاصر للقدس، موضحاً بأن الإسرائيليين يوظفون التوراة في التاريخ المعاصر بشكل جيد لخدمة قضاياهم المتعددة، مشيراً إلى ضرورة العمل على إنجاز دراسات عربية توضح تاريخ الحركة الصهيونية وتاريخ الآثاريين الصهاينة في تزوير الحقائق بما يخدم مصالحهم.
وبيّن د.عمر الغول أن ساحة التأليف في موضوع القدس تتطلب الاعتماد على المعرفة الحقيقية والرأي الموضوعي، ومحاورة المفردات العلمية المتخصصة للوصول إلى نتائج علمية رصينة يمكن الدفاع عنها دائماً، مشيراً إلى أن الدراسات والأبحاث عن تاريخ القدس وبلاد الشام قبل الإسلام ليست قليلة لكنها تحتوي على كثير من الخطابة والعواطف ومعلومات غير دقيقة، ومن هنا ينبغي على الباحثين المتخصصين بتاريخ القدس وبلاد الشام تنويع مصادر البحث العلمي والاستعانة بالنصوص الدينية والمؤلفات الغربية، والبحث عن المعلومة والمعرفة الوثيقة والرصينة بتفاصيلها كمّاً وجودة في مراجعها الأصلية، والمعرفة بنتائج الحفريات الأثرية وتقنياتها.
وأوضَح د.محمد هاشم غوشه أهمية ترجمة الأبحاث والكتب العربية المتعلقة بالقدس إلى لغات متعددة بهدف توضيح الأعمال والرؤية العربية حول موضوع القدس، وبيان الإسهامات العربية المتعلقة بها، مشيراً إلى أنه وخلال اثني عشر قرناً مضت لم يتجاوز النشر عن القدس الـ 40 مخطوطة عربية، وقد ضاع معظمها، وأنه خلال الفترة الممتدة بين 1850-1900 م نُشِر ما يزيد على 5000 كتاب باللغات الأوروبية عن القدس، وأن المؤرخين اليهود هم من يكتبون التاريخ المتعلق بمدينة القدس بناءً على توجهاتهم وأهوائهم، في محاولة لطمس أي هويات تاريخية وأثرية غير يهودية وجدت في المدينة.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة YouTube.