صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
منذ العام 1995 والرؤساء الأميركيون المحافظون والديمقراطيون يستخدمون حقهم كل 6 اشهر في تأجيل قرار الكونغرس بنقل السفارة الأميركية الى القدس، وهذا ما فعله ترامب أول مرّة، لكنه الآن قرر تنفيذ وعده الانتخابي المعروف بنقل السفارة الأميركية الى القدس والعجيب انه يفعل ذلك بينما هو يتهيأ لصنع ما قال إنها “صفقة القرن” للسلام، فإذا به يستبق نفسه بـ”صفعة القرن” التي تقوض السلام وتنقلب على الشرعية الدولية وتنهي دور الولايات المتحدة وتنسف أي مشروع للمفاوضات وتؤذي بشدة حلفاء أميركا في المنطقة وتفجر غضب الفلسطينيين وكل العرب والمسلمين.
عقل ترامب مكون من غرف منفصلة تعمل بفجاجة غير مسؤولة، هكذا يراه المراقبون في الولايات المتحدة نفسها والأوروبيون لا يخفون قرفهم الشديد منه ومن وجوده على رأس هرم القرار للقوة العظمى في العالم، ووسائل الاعلام لا تتهاون معه أبدا ولا أرى سببا يمنع العرب من نبذه وتحميله مسؤولية هذا القرار الذي وصفه البيان السعودي بغير المسؤول. نعم قرار غير مسؤول لكن سيظهر ذلك ويتأكد برد فعل مناسب بالغ الأثر على مكانة ودور الولايات المتحدة وخططها في المنطقة. مثلا يمكن أن تقوم السعودية بإلغاء صفقة الـ 450 مليار دولار عن بكرة أبيها! هل تخشى إيران؟! طيب لنقم في هذه المرحلة باستدارة كاملة نحو ايران فالخوف من ايران هو ما تلعب به الولايات المتحدة علينا طولا وعرضا ونحن قاعدة حلفها في مواجهة المحور الروسي الايراني السوري، وبالمقابل ها هي تركيا تدير الظهر للولايات المتحدة وتقوم باستقلالية بدورها الخاص لتصبح طرفا في الثلاثي (مع روسيا وايران) الذي يدير الأزمة السورية. ونحن لسنا بحاجة الى الولايات المتحدة بأكثر من حاجتها لنا. وهناك مشروع يحتاجه العالم ونحن منه ومعه ولا يجوز التخريب عليه وهو التحالف ضد الارهاب والجهد الشامل لمكافحة التطرف، فأي خطوة سيئة في معناها وتوقيتها أقدم عليها ترامب؟! ليس هناك أحد في العالم غير نتنياهو فرح بهذه القرار الأرعن.
لنطلب السلم والتفاهم مع ايران ولنصفع الابتزاز الأميركي والاسرائيلي في الوجه. بل هاتوا نقدم لقاسم سليماني الذي يتلهف لموطئ قدم على حدود الجولان نقدم له ولـ”فيلق القدس” و”حزب الله” كل قطاع الحدود مع الجولان وبعمق عشرين كيلومترا ولنر ماذا سيفعل الطرفان على جانبي الحدود؟! أنا لا أمزح، لنقلب الطاولة مرة واحدة. وكما يقول المثل الشعبي “هيك مضبطة بدها هيك ختم”. ترامب يستحق ذلك والعالم سيحمّله المسؤولية. نحن لا نملك القدرة على العودة الى الخيار العسكري لكن اسرائيل أيضا لم تعد قادرة على التهديد والحسم العسكري وراء الحدود الراهنة وتجربتها مع حزب الله تؤكد ذلك، لكن بين أيدينا أوراقا كثيرة نلعبها اليوم إذا تحررنا من الحسابات التقليدية والخوف.
أمس كانت ردود الفعل الشعبية عاصفة وكذلك ردود الفعل الرسمية وغدا ستكون كذلك التصريحات الصادرة عن اجتماعات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وغيرها، لكن كل ذلك سينفع في تنفيس الأجواء وتدريجيا سوف تتراخى التعبئة وليس متوقعا لأي انتفاضة فلسطينية ان تلقى مصيرا يختلف عن سابقاتها. فقط اعادة النظر في العلاقة مع الولايات المتحدة وادارة العلاقات والتحالفات في المنطقة هو الذي سيدفع الى مراجعة من نوع آخر في العقل الأميركي والاسرائيلي.
الغد